الزبون هو المدير - سام والتون

الزبون أو المشتري أو العميل هو فعليا مدير أي شركة والمتحكم في مصيرها. كيف؟ بماله وبأعماله وبمشترياته.

تحكي الحكاية أن سام والتون مؤسس محلات التجزئة والمارت عقد دورة تدريبية للعاملين لديه، وفي بداية التدريب / الكورس، كان الظن العام أن التدريب سيشمل مواعظ وحكم وإرشادات وبعض التهديد والوعيد والتحفيز بالعصا والجزرة…

إلا أن سام والتون بدأ جلسة التدريب بالجمل التالية التي – لسبب أو لآخر – ظلت محفوظة ومضرب المثل ووجدت مدونة شبايك أنه يجب التطرق إليها وهي تبدأ بـ:

اقرأ المزيد
الأرقام الخفية / انحياز البقاء

الأرقام الخفية هي ظاهرة تفسر لماذا نتخذ أحيانا قرارات بناء على إحصائيات، ثم نجد بعدها أن هذه القرارات كانت غير صائبة، فما الذي جرى؟ في بعض الأحيان لا تكون كل الأرقام حاضرة عند الإحصاء، لسبب أو لآخر.

انحياز البقاء

حين يكون السبب قيامنا بالتركيز على أشخاص نجوا أو أشياء حدثت بالفعل، ثم نتغاضى عن إحصاء أشخاص هلكوا أو أشياء لم تحدث، ساعتها يسمونها انحياز البقاء أو Survivorship Bias وأما أنا فأسميه: الأرقام الخفية من أجل تسهيل فهم الفكرة والتوسع أكثر في  تنفيذ المبدأ.

أحد أشهر الأمثلة على ظاهرة انحياز البقاء / الأرقام الخفية هي إحصائيات الجيش الأمريكي لإصابات طائراته الحربية في الصورة المرفقة..

خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك جيش موازي من العلماء يحلل كل البيانات المتوفرة من ساحة المعركة، للوصول إلى أفضل وقت / طريقة ترمي فيه / بها قاذفات القنابل قنابلها لأفضل طرق إطلاق نيران أسلحة المشاة وفقا لكل حالة وصولا لاختراع القنبلة الذرية.

من ضمن تلك البيانات جاءت إحصاءات أكثر المناطق التي تعرضت لرصاصات أسلحة الأعداء في أجسام الطائرات الحربية الأمريكية خلال قتالها في سماء أوروبا – كما في الصورة المرفقة.

كان رد الفعل البديهي الأولي لخبراء التحليل والرياضيات والإحصاء هو زيادة تحصين وتدريع الأماكن التي شهدت أكبر تجمع لطلقات الرصاص.

معضلة حسابية صغيرة

قبلها دعني أوضح أن الطائرات المقاتلة تمثل معضلة حسابية صغيرة: فأنت تريد زيادة الدروع فيها، لكن هذه مشكلتها ثقل الوزن. زيادة الوزن تعني زيادة استهلاك الوقود والبطء وقلة المدى الفعال وكل ذلك من العيوب.

قلة الدروع تعني عكس كل ذلك، في مقابلة جعل الطائرة المقاتلة سهلة القضاء عليها بأقل قدر من الحظ والتصويب.

الحل الأمثل هو تحري أكثر الأماكن ضعفا في بدن الطائرة وتدريعها بما يكفي، وترك البقية التي لن تقضي على الطيار والطائرة عارية في مقابل الحصول على خفة في الوزن وسرعة في الطيران وبعدا في المدى الفعال.

نرجع لمثالنا والذي أصبح مضرب المثل في ضرورة فهم طبيعة الأرقام في الإحصائيات وعدم التسرع في الافتراض.

كما ذكرت لك من قبل، كان الرأي الأولي زيادة تحصين أكثر الأماكن التي تعرض لطلقات الرصاص كما في الصورة الشهيرة المرفقة.

وهنا يدخل إبراهام والد Abraham Wald إلى التدوينة!

إلا أن عبقري حساب أمريكي، خبير رياضيات يهودي من أصل مجري ودرس في النمسا، كان له رأي مخالف. رأى إبراهام والد أن الطائرات التي سقطت ولم تعد لأخذها في الحسبان تعرضت لإصابات قاتلة في أماكن جعلتها تسقط، أمر لم يحدث مع الطائرات التي عادت.

الأرقام الخفية – لاحظ خلو مناطق المجركات من أي نقاط

هذه الأماكن سلمت من طلقات في الرصاص ولهذا تمكنت الطائرات من العودة لتخضع للفحص والإحصاء.

هذه الأماكن كانت المحركات!

ابحث عن الأرقام الخفية

حين سارع بقية الخبراء لتحليل الأرقام والبيانات، كان إبراهام يفكر هل هذا كل شيء؟ هل هذه صورة كاملة؟ أم هناك أرقام ناقصة لم تؤخذ في الحسبان… أو ما أسميه أنا العبد الفقير: الأرقام الخفية

الطريف في القصة أن المخابرات الحربية الأمريكية كانت تنظر بعين الشك إلى إبراهام، فكما هو معروف، في وقت ليس ببعيد كانت ألمانيا والنمسا إمبراطورية واحدة، ولأن إبراهام هاجر إلى أمريكا قبل وصول الحرب العالمية الثانية لأبواب بلده المجر التي عاش فيها لفترة بعد إنهاءه دراسته الجامعية في النمسا، كان محلا للشك في ولاءه وميوله…

إلا أن تبريره في هذه الحالة بالتحديد كان منطقيا، ولهذا نفذ الجيش الأمريكي توصية إبراهام، تحصين الأماكن التي لم تتعرض لطلقات الرصاص، على أساس أن تلك التي تعرضت لهذه الطلقات فشلت في العودة لقواعدها سالمة.

لم نعرف كم طائرة نجت بسبب هذه الطريقة في التفكير، كل ما نعرفه أن الجيش الأمريكي استمر ينفذ هذه النصيحة خلال حروبه التالية في فيتنام وكوريا. كل ما نعرفه أن هذه الصورة اشتهرت وجاء نشرها في كثير من الكتب، حتى إن مدونة شبايك تحدثت عنها!

في الختام، الأرقام الخفية ذات أهمية كبيرة فهي تغير النتيجة النهائية ولها تطبيقات وأمثلة لا حصر لها. (إقرأ إن شئت تدوينة يمكن للأرقام أن تخدع وكثيرا ما تفعل)

حين تقرأ إحصاء / تقرير / أرباح / خسائر / عدد متابعين / مبيعات / مستخدمين / أرصدة بنكية ما، ابحث في طبيعة الأرقام التي اعتمد عليها وفكر: هل هناك أرقام خفية كان يجب أن تدخل في الحسبان ولم تفعل لسبب أو لآخر؟

إن فهم تفاصيل القصة وراء كل رقم ربما كان أكثر أهمية من الرقم النهائي ذاته.

الأمر ليس سهلا، لكنه لو تدري عظيم الأثر.

حاويات ريدبول فارغة

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، حين بدأ مشروب ريدبول للطاقة دخول السوق الإنجليزية – بداية بالعاصمة لندن، كان التفكير المبدئي داخل أروقة الشركة إتباع أساليب التسويق التقليدية: إعلانات جرائد ومجلات وراديو وتلفاز…

إلا أن فريق التسويق كان لديه رأي آخر: تجربة شيء جديد تماما غير مسبوق أو متوقع، ويحقق هدفا ذا أهمية كبيرة: إقناع عدد كبير من الإنجليز بتجربة المشروب الجديد.

لأن الفرد منا يحب دائما معرفة ما يفعله غيره من بني البشر، فلو حدث أن جماعة ما بدأت تشرب مشروبا بعينه، سيعمل الفضول على جعل بقية البشر تجرب ما فعلته هذه الجماعة طالما أن عددها كبير.

هذه غريزة بشرية.

لكن كيف تقنع عددا كبيرا من الناس بتجربة منتجك؟

هذا سؤال غاية في الصعوبة، فلماذا لا تلتف عليه وتوحي للغير بأنه بالفعل هناك عدد كبير من الناس يستخدمون هذا المنتج؟

ماذا سيدور في بالك لو سرت يوما في شوارع مدينتك، ووجدت كل حاويات القمامة (كل الحاويات فعلا لا مبالغة مجازية) مليئة ببقايا منتج بعينه؟

سينتابك الفضول ويسيطر عليك شعور داخلي بأن عليك إما تجربة هذا المنتج أو مناقشة أمره مع أقرانك وأصحابك.

هذا ما حدث بالفعل في لندن وقتها، إذ قام فريق تسويق ريدبول بحملة واسعة في مناطق العاصمة لندن المليئة بتجمعات الشباب، فئة المستهلكين المثلى لمشروب طاقة مثل الثور الأحمر.

قامت خطة التسويق على استهداف حاويات القمامة في الأماكن القريبة من الخمارات الكبيرة والمراقص الليلية المزدحمة والجامعات وأحياء الأعمال وغيرها، والعمل على ملئها بحاويات فارغة من مشروب ريدبول.

لتعظيم الأثر، وزع فريق التسويق عينات مجانية كثيرة على العاملين في المراقص الليلية، خاصة مشغلي الموسيقى دي جيه، الذين ينظر إليهم الكثير من الشباب خلال طقوس الرقص المجنونة.

في صباح اليوم التالي، وحين مر الناس على هذه الحاويات، لاحظوا بالطبع هذه الجبال من الحاويات والعلب الفارغة.

لا أطيل عليك، حدث الأثر المطلوب، نال الفضول من الناس فلم يجدوا بدا من الشراء والتجربة، ونال المشروب الاستحسان، وتحقق الهدف (الخبيث؟) إذ بدأ كثير من الناس – خاصة الشباب – يقتنع بأن هذا المشروب مطلوب والدليل على ذلك أن عدد كبير من رواد النوادي الليلية يشربه حكما على كم المخلفات المتبقية، ولا بد من تجربته حتى نسير كلنا في قطيع واحد لا ينعزل عنه متأخر أو يتخلف عنه مختلف.

بعد مرور سنوات قليلة على هذه الحيلة التسويقية – سمها إن شئت الذكية لكني أراها خبيثة – كان لمشروب ريد بول الحصة الأكبر من سوق مشروبات الطاقة في إنجلترا (بلغت مبيعاتها السنوية 3 مليار دولار في السنوات الأخيرة).

للأسف، وجدث كثيرون ينقلون هذه القصة على أنها عبقرية تسويقية فذة مضرب المثل واجبة التقليد وهذه المصيبة!

هل هذه فكرة تسويقية ذكية؟ أرجو أن تشاركني الرأي وتقول لا.

المبدأ الذي قامت عليه كذب وخداع!

الناس كلها تستعمل منتجي بالفعل – كانت هذه هي الرسالة المراد نقلها للناس، وقد نجح هذا المسعى، لكن السؤال يبقى، هل هي رسالة صادقة؟ في ذلك الوقت لا.

حين تكذب علامة تجارية كبيرة في أمر ما، ما الذي يمنعها من الكذب في غيرها من الأمور؟

“خليك متفتح حبيبي، الناس كلها تسرق وتكذب وكلنا نعرف أن كلنا كذابين فلا تتصنع أنت البراءة…” للأسف هذه مقولة قريبة مما سمعته من أحدهم ذات يوم في نقاش مماثل عن سلوك تسويقي مماثل.

للتأكيد أكثر على ما أقوله، لنفترض أن فعل ذلك أمر جيد ومقبول، ماذا ستفعل لو صحوت يوما ووجدت شوارع مدينتك غارقة في مخلفات وبقايا منتجات علامات تجارية ذات ميزانيات تسويقية عميقة حتى لم تعد تجد طريقا خاليا تمشي فيه…

إذا كان كذب مثل ذلك مقبولا، ماذا لو أوحيت إليك أن مشروب ريدبول لا يسبب نوبات قلبية ولا إدمان ولا مشاكل صحية بل وينصح به نوعية خاصة من الأطباء؟

ماذا لو لم أقلها لك صراحة، بل سأوحي إليك مثلما فعلت حين ملئت لك حاويات القمامة القريبة منك بعلب فارغة من منتجي!

التسويق لا يعني ولا يبرر الكذب

التسويق ليس سببا لأن يكذب أحدهم ولو كذبوا كلهم، ولو كذبت شركة كبيرة مشهورة – وكثيرهم يفعل!

كذلك عواقب التسويق بالكذب لا تكون خيرا مها طال الزمن. أمهل من يكذب وقتا وسترى عقاب الله به نازل ولو طال الانتظار.

في عام 2009 فرضت هيئة الحفاظ على البيئة في لندن على ريدبول غرامة قدرها نصف مليون دولار تقريبا لفشل ريدبول في جمع وإعادة تدوير بقايا ومخلفات منتجاتها على مر سنوات عدة. رابط الخبر.

هل تظن ريدبول توقفت عن ذلك الفكر الإداري؟

لعل خبر فرض غرامة عليها في نهاية الشهر الماضي أكتوبر 2022 يساعدك لإجابة هذا السؤال.

ريدبول فورميلا1
فريق ريدبول فورميلا1

بعد ثبوت حدوث تجاوزات من فريق ريدبول لخوص مسابقات فورميلا1، جعلت الفريق ينفق على فريق وسيارة السباق بأكثر من الحد الأقصى الذي فرضته إدارة سباقات الفورميلا1 (وحتما ساعده ذلك على كسب السباق في المرتبة الأولى وتخطي غيره من الفرق التي التزمت بالحد الأقصى للإنفاق) بعد ثبوت كل ذلك، فرضت إدارة السباق غرامة مالية قدرها 7 مليون دولار على ريدبول وغرامة زمنية في سباق العام التالي. (رابط الخبر على موقع وكالة رويترز)

اعلم بالطبع أن لإدارة ريدبول في المنطقة العربية فريق عظيم قد لا يعجبه كلامي، لكني للتوضيح ذكرت حوادث مثبتة وغرامات معلنة ثم ذكرت تعليقي ورأي الشخصي الضعيف على هذا السياق!

كما وأنصح من ينسخون مقالاتي بعدم نقل هذه…

على الجانب الآخر، هل التسويق الصادق له عواقب مربحة؟ هذه التدوينة تجيب.

مصدر الصور.

أحد مصادر القصة.

هيرب شامبرز Herb Chambers

هيرب شامبرز Herb Chambers بطل قصتنا اليوم أمريكي من مواليد عام 1941، عصامي أمريكي بنى نفسه بنفسه وتقدير ثروته اليوم قرابة 2 مليار دولار.

اشتهر عنه أنه عاش صغيرا في بيت ملك لجدته في مدينة بوسطن الأمريكية بولاية كارولينا الجنوبية، والتي ما أن بلغ 13 عاما حتى بدأت الجدة تطلب منه (وكذلك إخوته من بعده) إيجار  غرفته في بيتها قدره 15 دولار شهريا، الأمر الذي جعله يبدأ العمل صغيرا في سوبر ماركت. في البداية كان يعيد عربات التسويق إلى أماكنها المخصصة، ثم بدأ العمل في داخل السوبر ماركت ذاته. لمع نجم الشاب الصغير في مجال المبيعات وكان موفقا للغاية.

اقرأ المزيد
نوتيلا ناتيلا نتيلا

نوتيلا أو نتيلا أو ناتيلا هي علامة تجارية إيطالية مشهورة للشيكولاتة. ببساطة تشتري العلبة، تأخذ منها كمية قليلة، تفردها على قطعة خبز دافئ ثم تقاوم الشعور بالذنب من تناول وجبة مليئة بالسكريات والذكريات مثل هذه.

اقرأ المزيد