على بعد متر واحد من الذهب

هذه القصة حقيقية حكاها نابليون هيل في العديد من كتبه ومحاضراته، وتدور حول شاب أمريكي من عائلة داربي نالت من عقله حمى التنقيب عن الذهب في مطلع القرن التاسع عشر في صحاري الولايات المتحدة، حيث حمل معوله وذهب يبحث وينقب عن هذا المعدن النفيس في باطن الأرض. كانت البداية غاية في الصعوبة، لكن الرجل ثابر وصبر ومرت الأيام متتالية حتى جاء يوم عثر فيه على بشائر عرق من الذهب في الأرض.

الذهب يحتاج إلى مال وفير

استخراج هذا الذهب استلزم آلات ومعدات وهذه تتطلب مالا وفيرا، ولذا وبهدوء، أخفى الرجل عرق الذهب الذي اكتشفه وغطى مدخل المنجم الذي حفره، ثم عاد أدراجه إلى بلدته في ماريلاند، وأخبر من يثق فيهم من الأقارب والجيران، وجمع منهم المال لاستثماره في الآلات اللازمة للتنقيب، ثم اشترى ما يلزمه وشحنه إلى مكان منجم الذهب الذي اكتشفه.

أول شاحنة من الذهب

بعدما امتلأت أول شاحنة بخام الذهب المستخرج، وذهبت إلى المصهر الذي أخبر داربي بأن العرق الذي اكتشفه ثمين وكريم، وفي في حال استمر الوضع على هذا المنوال، سيكون داربي من أثري أثرياء كولورادو. عدة شاحنات تالية جعلته يسدد ديونه، ثم بعدها بدأ في جمع ثروته، إلا أن الأيام حبلى بالمصائب، فما هي إلا أيام قليلة واختفى عرق الذهب تماما من الأرض. لقد نفد المنجم من المعدن النفيس.

اليأس

استمر داربي في الحفر بحثا عن الذهب لكنه لم يجده… حتى نال اليأس منه وقرر بيع كل شيء وإعلان فشله ونهاية الحلم الجميل. وجد درابي تاجر خردة وافق على شراء معدات الحفر والتنقيب بدولارات معدودة، إلا أن هذا التاجر لم يكن من الحمقى، بل من بعيدي النظر، حيث استعان بعدها بمهندس تعدين وتنقيب خبير، والذي حضر إلى موقع الحفر وبعدما أجرى حساباته وتأكد منها، أخبره بأنه من المعتاد في عروق الذهب أن تنقطع فجأة نتيجة لبعض العوامل الأرضية، لكن من يستمر في الحفر سيعثر من جديد على عرق الذهب ضاربا في الأرض.

وفقا لحسابات هذا المهندس وبناء على مشاهداته، فإن هذا العرق كان على عمق 3 أقدام أو متر واحد من حيث توقف الحفر!

جاءت حسابات المهندس صحيحة بعدما استكمل تاجر الخردة الحفر وعثر على بقية عرق الذهب على عمق 3 أقدام كما قال المهندس بالفعل، وتحول هذا التاجر ليكون من الأثرياء.

صورة لطابع بريد أمريكي عن حمى الذهب الأمريكية

صورة لطابع بريد أمريكي عن حمى الذهب الأمريكية

ابحث عن الذهب الخاص بك في مجالك

بعد مرور وقت طويل، وبعد ذيوع هذه القصة، تمكن داربي من سداد ديونه للمستثمرين في مشروعه، لكنه هذه المرة تعلم الدرس وكيف أنه توقف عن الحفر رغم أن الذهب كان على بعد 3 أقدام منه، واستمر في حياته متعلما أنه لا يجب الاستسلام وإعلان الفشل بسرعة، أو قبل أن يحفر الأقدام الثلاثة. هذه المرة، ركز داربي على المجال الذي برع فيه وهو بيع بوالص التأمين، وجمع ثروة لا بأس بها من هذا المجال.

الذهب هو في عدم اليأس

يخبرنا نابليون هيل بأنه أحصى أكثر من 500 ثري وغني وناجح، كلهم اشتركوا في أنهم حققوا نجاحهم بفضل عدم يأسهم وثقتهم بأن نجاحهم على بعد خطوات قليلة من النقطة التي كادوا يعلنون فيها فشلهم واستسلامهم.

هذه القصة مشهورة في مجال الحديث عن أهمية عدم الفشل وعدم الاستسلام بسرعة، لكني كذلك أريد أن ألقي الضوء على هذا التاجر الذي غامر وعادت مغامرته عليه بالفائدة. النجاح شرطه المغامرة، وهذا التاجر الذي لم نعرف اسمه، اشتهر بأنه يحسب للأمور حساباتها، ولا يعمد للعشوائية واتخاذ القرارات على غير هدى.

نظرة أخرى للقصة

البعض قد يرى أن تجار الخردة استغلاليين يستغلون خسارة الخاسرين ويشترون بضاعتهم بثمن بخس، لكن هذه الرؤية قاصرة، فتاجر الخردة قد يخسر في الخردة، فالحياة لا تعرف الربح الأبدي، والأمر فيه الخسارة أو الربح. تاجر الخردة يقلل خسائر الخاسرين، وفي هذا الأمر فائدة وإن قلت. انظر إلى الطرق التي تعج بسيارات مهجورة لم تجد من يشتريها بعد انتهاء عمرها الافتراضي، هذه تبقى خسارة كبيرة حين لا تجد تاجر الخردة الذي يأخذها ويستفيد منها، وقس على هذا الكثير.

النقطة الثانية، الاستعانة بالخبراء والعلماء لمحاولة تفسير الخسارة والفشل، وهو أمر نادر وعزيز في بعض مجتمعاتنا لكنه يبقى ذا أهمية كبيرة. حين تخسر أو تفشل، قد يتكون بحاجة ماسة للاستعانة بخبير لمحاولة فهم سبب الخسارة وكيفية الخروج منها إلى نجاح وأرباح.

اعرف ما ستقوله الآن، ستقول لي أن الذهب في أرضنا العربية على بعد 30 كيلومتر، وأن الخبير خرج ولم يعد، واعلم أنك سئمت قولي أن الخطوات الصغيرة المتكررة تقطع بك المسافات الطوال، لكنك مخطئ يا صديقي في ضيقك بكلامي هذا، فالطريق وإن طال فله نهاية، وإما أن ينتهي الطريق أو ينتهي مخزونك من الصبر.

أتوق لمعرفة إن كان لديك قصص مماثلة في عالمنا العربي لعلنا نشحن معنويات القراء.

رابط القصة.

22 ردود
  1. محمد الفخرانى
    محمد الفخرانى says:

    موضوع جميل جداً
    كثيراً منا يصيبه الأحباط بمجرد ظهور بوادر الفشل
    لكن النجاح لا يتحقق دائماً مباشرة فلابد من العقبات و الأخطاء
    و التى تؤدى فى النهاية الى النجاح بعد أجتيازها و كذلك لا غنى عن المثابره
    شكراً لك عميد الدوين العربى شبايك 🙂

    رد
  2. سعيد
    سعيد says:

    ا لسلام عليكم
    فعلا قصة فيها عدة دروس
    يجب على الانسان ان يفمر على المدى اليعيد وان يستعين في بعض الحالات بالمساعدة واهك شيء هو الصبر شكرا لك سيد رؤوف

    رد
  3. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    للاسف كثيرا ما نرى مثل قصص الياس
    لكن قصص النجاح تكون مستوره
    ففي طول وعرض البلاد العربيه تجد الناجحين
    والناجحات
    الياس ينتشر لكن النجاح مستتر
    وكان الانسان ذي صراخ عريض وقت الفشل وصامت وقت غيره
    بالفعل
    قد يكون النجاح على بعد =سم= من اليائس
    ودمتم سالمين

    رد
  4. الوليد عثمان
    الوليد عثمان says:

    تسلم يداك على هذه العبر وادعوا الله لك بالتوفيق والنجاح والاستمرار والتفوق دائما

    رد
  5. محى محمد
    محى محمد says:

    فعلا كما قال استاذنا الفاضل احمد سعد لقد اشتقنا لكتاباتك استاذ رؤوف ولكنى على الصعيد الشخصى تنتابنى حمى الكسل بعد الهمه والعزيمه ولست أجد لها حلا شافيا ولعلها قضيه دارجه عند الكثير من الناس ناهيك عن تشتت الهدف وان كان هناك اطلاله منك على مشكلتنا تلك
    فهذا شرف ووسام اضعه على صدرى
    على صعيد الإنجاز لى قريب الدنيا قلبته طولا وعرضا ولكنه استطاع ان يشق طريقه وله الان محل منظفات فى القاهره وبدأت العجله تسير معه

    رد
    • أحمد سعد
      أحمد سعد says:

      قرأت منذ أيام بعض الكلمات التي تحمل في طياتها إجابه لما سألت عنه .. و أردت مشاركاتها معك للإفادة ..

      حين لا تحب المكان استبدله
      حين يؤذيك الأشخاص غادرهم
      حين تمل .. ابتكر فكرة جديدة
      حين تحبط .. أقرأ بشغف
      المهم في الحياة ألا تقف متفرجا .. و الأهداف لا تتحقق إلا بالعمل .

      رد
  6. محى محمد
    محى محمد says:

    استاذ رؤوف عفوا حابب حضرتك والقراء الكرام يفيدونى بشئ انا بالكويت سعر الالف جنيه مصرى ب38 دينار كويتى بالصرافه المعتمده فى الكويت لكن هناك تجار خارجيين يرسلوا لك الألف المصرى لمنزلك بمصر ب32 دينار فكيف ذلك وكيف استفيد انا من مثل ذلك الموضوع وشكرااااااااا

    رد
    • أحمد سعد
      أحمد سعد says:

      بعد البحث عن إستفسارك عبر الشبكة .. فإن الإجابة المنطقية التي حصلت عليها هي .. بأنك إذا أشتريت عملة ما من بلدك الأصلي بسعر أقل ، و كان سعر بيعها في البلد الذي تقيم به أعلى ، فإنه يمكنك أن تبيعها في البلد الذي تقيم به و تربح فارق السعر ، و العكس صحيح ( فإذا حدث العكس .. فإنك ستخسر ) و هذا يتوقف على توقيت عمليةالشراء و البيع و تذبذب أسعار العملات في الأسواق .. و يرجع أيضا إلى القوانين المنظمة لتداول العملات و التي تختلف من دولة لأخرى .

      مصدر المعلومة التي حصلت عليها من مقال قديم نشر في العام 2011 و هو يتحدث عن هذا الأمر ( الرابط ) ..
      http://www.emaratalyoum.com/business/local/2011-11-09-1.435880

      رد
  7. محى محمد
    محى محمد says:

    الف شكر استاذ احمد سعد على كلماتك الأكثر من رائعه يسلموووووووو

    رد
  8. فهد المطيري
    فهد المطيري says:

    قصة رائعة لو كان قرأ في التنقيب عن الذهب لما ترك الثروة التي كان قريبا منها
    شكرا استاذ رؤوف

    رد
  9. بيلو
    بيلو says:

    شكرا جزيلا لك
    نعم, يجب الصبر وعدم الاستسلام للوصول إلى الهدف.

    لكن هذه المهنة وهي التنقيب والبحث عن الذهب توهم بالأمل أكثر من الحقيقة في حال الفشل ثم البدئ من جديد.

    يوجد برنامج على قناة ناشونال جيوغرافيك أبو ظبي عن قصة رجل منقب عن الذهب.

    لا يوجد ضمان في مثل هذه المهن. وإن كان هناك ضمان بالحصول على الذهب يكون ذلك بعد الكثير الكثير الكثير من المحاولات 🙂

    شكرا لك مرة أخرى أستاذ رؤوف.

    رد
  10. موسى
    موسى says:

    قصة فيها الكثير من الحكم و العبر … لعلنا نفهم الرسالة منها فنتعلم و نعتبر … لا أن نقرأ فتشتعل شمعة الحماس فينا ثم تنطفأ قبلما نبدأ

    رد
  11. مفرح رمضان
    مفرح رمضان says:

    قصة رائعة ومدونتك رائعة والحياة مليئة بالقصص ولكل قصة رسالة مختلفة وقصصك استاذ رؤوف تعطى د\افع للنجاح وخصوصا انها مرتبطة بالواقع تصور معى لو انها الجرائد اليوميه تحمل هذه القص ومعانيها الجمليه لاضاءت طريق كثير من قرئها اقترح ان يكون لكم جريدة ولو اسبوعيه فيها من قصص التفاؤل هذه لاستفاد كثير من الناس ولنقل ان يكون لكم مراسلون لجريدتكم عبارة عن مرتادى هذه المدونه الجميله وكل يدلى بها فى مجلتكم …….عموما نفعكم ونفعنا الله بكل كلمة وكل معنى من هذه القصص التى تعطى حافز وتدعى للتفاؤل

    رد
  12. محمد أمين عمروش
    محمد أمين عمروش says:

    السلام عليكم أستاذ رؤوف ،
    بارك الله فيك على نصائحك الذهبية ،

    في بداية مشروعي مرت علي ثلاثة اشهر لم أتمكن من الحصول على أي فرصة ، ثم عندما حصلت على فرصة لم يقم الشخص الذي بعت له من تسديد ثمن الخدمة ، فكنت على وشك الاستسلام ، إلا أنني استعنت بعد الله عز وجل بما تعلمته من هذه المدونة فكان الفرج بعد ذلك بأيام قلائل والحمد لله رب العالمين.

    رد
  13. lebanon cat
    lebanon cat says:

    مرحبا شبايك
    كيف حالك .. زمان عن هذه المواضيع الشيقة

    كم جملية هي هذه القصة و لا أقصد هنا موضوع الفشل و الاستسلام بل فطنة تاجر الخردة الذي ذكرنب بشخصية المعلم برعي في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي

    ولكن لدي تساؤول كيف تعرف الخبير من مدعي الخبرة فالعالم ملئ بذوي الشهادات و المؤهلات معسولي الكلام ولكن عند التنفيذ فإنهم لا يعرفون الألف من الياء

    لذى كيف تحكم على الخبير الجيد في حالة إحتجت إلى أحدهم

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *