فسيفساء بيكاسو

,

في عالم التسويق، تجد عباقرة وأفذاذ، لا في وضع الشهادات الأكاديمية على الحوائط والجدران، بل في فهم كيف يمكن أن يحصلوا على مجموعة كبيرة من العملاء المحتملين، فيبيعون لهم شيئا يريدونه، ثم يبيعون لهم شيئا آخر يرغبون فيه، ويبقون هكذا، دون إفراط أو تفريط، كذب أو نصب، احتيال أو كذب. من ضمن هؤلاء نأخذ قصة جوزيف شوجرمان.

في عام 1973، كانت وفاة الرسام بيكاسو Picasso سنتها حديث الساعة، وكانت إبداعات بيكاسو ضمن الرغبات الأولى لكثير من الناس، ولذا انشغلت وكالة ترخيص حقوق استغلال رسومات بيكاسو لأقصى درجة، تبيع الحقوق بداية من شركات تصنيع مفارش الموائد إلى شركات تصميم المباني. كان أحد العاملين في هذه الوكالة صديقا لجوزيف، ولذا اقترح عليه فكرة تجارية: بيع قطع من البلاط الصغير، عليها رسومات بيكاسو.

ميلاد فكرة فسيفساء بيكاسو

فكر جوزيف في الأمر، سيجعل هذه البلاطات تحفة فريدة غير مكررة، ومعتمدة ومرخصة من عائلة بيكاسو نفسها.

لكن المشكلة أن جوزيف ليس لديه قائمة بالمشترين المحتملين لمثل هذا المنتج، كما أن تجميع قائمة مثل هذه ستحتاج إلى سنوات.

المشكلة الثانية الحاجة إلى خلق/صنع منتج جديد تماما، بجودة عالية…

…والمشكلة الثالثة: المجيء بهذا المنتج بسرعة قبل أن ينفض الناس أيديهم من بيكاسو وفنه، إذ أن عادة الناس النسيان.

إعلان فسيفساء بيكاسو

قرر جوزيف وضع إعلان على صفحة كاملة في جريدة وول ستريت جورنال الشهيرة جدا في هذا الوقت.

تحدث هذا الإعلان عن عرض بيع خاص: مجموعة من 6 بلاطات، تحمل معا صور من فن بيكاسو، لكنه تحدث عن مشكلة عرضه هذا، إذ أن هذا العرض كان محدودا في 1250 مجموعة، وبالتالي فالعدد محدود، وسيجب عليه اختيار المشترين بعشوائية إذا زادت طلبات الشراء عن العدد المحدود.

استطرد جوزيف فتحدث كيف أن هذا العرض الخاص سيسدد فقط تكلفة تصنيع البلاط زائد تكلفة الإعلان في الجريدة على مدى صفحة كاملة، وكيف أن ليس هناك مكسب مالي نقدي من هذا العرض الخاص.

لم يكذب جوزيف في إعلانه، فهو بالفعل لم يكسب فلسا، على الرغم من تحقيق الإعلان لنجاح كاسح، ثمانية آلاف راغب في الشراء.

ما كسبه جوزيف كان عناوين 8 آلاف مهتم بفن بيكاسو – أو بالفن عموما – أو بالحصول على تحف نادرة قليلة العدد.

الخطوة التالية كانت متوقعة، بدلا من تكلفة الإعلان في الجريدة، أرسل جوزيف رسائل دعائية بالبريد إلى قائمته التي كونها منذ قليل، عارضا عليهم شراء أشياء مماثلة، وكانت نتيجة هذا العرض أن 66% من القائمة اشتروا بالفعل، وهي نسبة من أعلى النسب المسجلة نتيجة إرسال عرض بالبريد إلى عملاء محتملين.

دعنا نحلل ما فعله جوزيف: صنع عرضا سعريا مغريا بشدة، فريدا ونادرا.

هذه الندرة صنعت جماهير متعطشة لهذا العرض الفريد، بعدها قدم جوزيف الكوب الثاني.

الآن، كم من الفرص المماثلة مرت عليك وكان يمكنك حسن استغلالها مثل جوزيف.

ملحوظة: في المرة الثانية، لم يختر جوزيف بضاعة أرخص من التراب، ولم يكذب على عملائه المحتملين، بل قدم لهم عرضا مغريا، ساعده على تحقيق هذه النسبة الكبيرة.

لا تنظر للعملاء المحتملين على أنهم أغبياء يجب سرقتهم، بل احرص على إبهارهم بمنتجات يحتاجونها فعلا.

بهذا ننتهي من كتاب المعادلة الفضلى لتحقيق أقصى ربح بأقل مجهود لمؤلفه مارك جوينر.

على الجانب:

هذا النوع من التسويق كان جيدا في البداية… لكن مع انتشاره وسوء استعماله من فئة سيئة تعتبر التسويق مرادفا للكذب والخداع والتضليل، تحول ليكون سيء السمعة.

هذا الأمر سيتكرر مع عدة وسائل تسويقية ناجحة، ليس كلها، لكن جلها!

25 ردود
  1. رائد
    رائد says:

    كم من الفرص المماثلة مرت عليك وكان يمكنك حسن استغلالها مثل جوزيف.؟؟؟؟؟

    ماأكثرها ولكن اعتبر انني مادمت حيا فلن اندم على فرصة فاتت ولكن سأفكر فيما يأتي.

    دمت بخير استاذي

    رد
  2. طارق العسيري
    طارق العسيري says:

    فكرة رائعة عندما تطبق بنية ايجاد وخدمة عملاء محتملين.
    يحضرني الان ما تفعله بعض شركات التوظيف المنتشرة بكثرة هذه الايام … حيث أنهم يقومون بنشر اعلانات لوظائف وهمية الغرض منها تكوين قاعدة بيانات لاستخدامها لشغل الوظائف الشاغرة في بعض الشركات.

    رد
  3. مرشد
    مرشد says:

    شكراً على المقالة الجميلة.

    هذه الايام القائمة البريدية تعمل بنفس الاسلوب .. اذا كان لديك موقع متخصص في امر معين .. و سمحت للناس بالتسجيل فيه .. قان قاعدة البيانات هذه ممكن استخدامها بنفس الاسلوب .. فجميعهم مهتمين في نفس المجال لانهم قاموا بالتسجيل طواعيةً

    رد
  4. عونيــ
    عونيــ says:

    شكرا لك و جزاك الله خيرا. الفكرة تنم عن ذكاء و حكمة. تذكرني مقولة “أقصى ربح بأقل مجهود” بسلسلة أفلام SAW التي قدّمت للمشاهدين أفلاما بسيطة جدا من حيث الإخراج، إنما حققت أرباحا طائلة، لأن “جودة الموضوع” الذي تطرق إليه الفيلم كانت عالية.

    رد
  5. بسام الجفري
    بسام الجفري says:

    كتاب رائع بالفعل استمتعنا بما حواه من شرحك له اخي رءوف وان شاء الله نستغل وننفد كل ما جاء فيه بحسب ما تقتضيه حوائجنا…
    جزاك الله كل خير…

    رد
  6. ابوجهاد
    ابوجهاد says:

    الاخ/رؤف………
    حقيقة استمتعت كما الاخرين بمدونتك ,
    بيد اني اسال هل لرؤف شبايك تجارب في التسويق او افاكار لذلك غير التي فعلها رواد التسويق ؟
    ننتظر الاجابه اخي.
    كن بخير وقرائك كذلك.

    رد
  7. أحمد درويش
    أحمد درويش says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    فكرة رائعة جديدة ، ينقلها لنا بأسلوب رائع الأخ شبايك.
    الفكرة المبتكرة ، الصدق في التعامل مع الزبائن ، تحقيق الغاية المطلوبة بأقل جهد ، الوصول إلى الفئة المستهدفة من المشترين الفعالين.
    مرة أخرى الشكر للأخ شابيك على إنارة شمعة جديدة في أذهاننا عن عالم التسويق.

    رد
  8. قبطان
    قبطان says:

    السلام عليكم،
    كل ما استطيع أن أقوله في هذا السياق هو انه لنا في تجارب الذين سبقونا معتبر.. فبدل أن نحاول إعادة إختراع البكرة فيحسن أن نستفيد من تجاربهم لكي نربح عامل الزمن و المشاكل التي قد تعرض لها سابقوك ولو لم يكن هناك تطابق.
    لكن يبقى نفس السؤال دائما: كيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب؟
    هنا، أخ شبايك، أستإذنك لطرح فكرة شغلتني لعلك أو أحد من الأخوة هنا يساعدني. سواء كان هنا أو على شكل رسالة الكترونية. و شكرا جزيلا.

    رد
  9. مساعد
    مساعد says:

    لاااااااااا ..

    حزنت جدا لنهاية السلسلة .. كانت واحدة من أمتع السلسلات ..

    مارك جوينر لا يستحق كتاب واحد فقط ..

    و الشكرا بالطبع موصول لك ..

    رد
  10. أحمد درويش
    أحمد درويش says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    تعليقلاً على تعليق الأخ قبطان ، كيف نستفيد من تجارب الآخرين.؟
    الجواب رأيته أنا في مقالات الأخ شبايك، ليست القضية هي اختراع البكرة ولكن الاستفادة من الخطوط العامة التي فكر بها، فالمثال المطروح هنا (موضوع المقالة) شرح لنا الأخ شابيك كيف نستفيد منه، إعلان مبتكر ، صدق في التعامل ، الوصول إلى الشريحة المستهدفة بأقل كلفة ممكنة. والبحث عن جديد ، أول حل مشكلة موجودة ، أو إضافة شي مبتكر وعملي إلى شي موجود.
    واحب أن أشكر الأخ شبايك على نصيحة كان يقدمها لنا في نهاية كل كتاب أو سلسلة هي أن هذها الملخص لا يغني عن قراءة الكتب الاصلي، وهذا ما وجدته فعلاً عندما بدأت حالياً بقراءة كتاب التسويق من الألف للياء
    (marketing insights from a to z) .
    لا يمكنني شرح مقدار المتعة والفائدة الكبيرة ، وكمية الأفكار الجديدة التي تبدأ تضج وتتحرك داخل تفكيري.
    مرة أخرى الشكر للأخ شبايك على ما بيذله من مجهود عظيم وكبير جداً في ترجمة وتلخيص وفهم ونقل الفائدة في هذه المدونة الرائعة.
    والتي عندما وجدتها بالمصادفة على الانترنت بعد بحث طويل عن موقع عن التسويق وإدارة الأعمال يقدم الفائدة الجديدة والمتطورة بعيداً عن متاهة الاشتراكات، وتفعيل العضوية في المنتديات وروابط التحميل غير الصحيحة. كانت فرحتي به كفرحة كولمبس عندما اكتشف قارة أمريكا.

    رد
  11. محمد مصطفى
    محمد مصطفى says:

    اصاب الهدف ببحثه عن السلوكيات التسويقية التي صارة فيما بعد افكار او قل حيل تسويقية ينطلق منها الاخرون
    وكسر الجمود الذي يعتري علم التسويق شكرا شبايك انت رائع

    رد
  12. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    في كل مقاله اجد عندي نقص صغير
    اقوم بتلافيه
    لاجد ان حجم العمل يزداد مع الوقت
    ما تعلمته الان
    انني لم اكن اهتم بالقائمه البريديه كثيرا
    عندي اكثر من 4 الاف بريد مسجل طواعيه في موقعي
    برساله واحده متقتنه الصياغه
    قد يزورني الف منهم
    وقد وقد يكون من بين الالف 10 مهتمون بالشراء
    وقد ينفذ واحد منهم العمليه بشكل كامل
    لنجرب ونرى
    حسب الخطوات
    وسوف نطلعكم على النتائج لاحقا
    ودمتم سالمين

    رد
  13. oxyG3N
    oxyG3N says:

    لي فترة لم ادخل الى المدونة..اشتقت اليهـا فعلاً 🙂
    فكرة قوية وجميلة , حنزل الكتاب واستفد من السلسلة التي فاتتني .. شكراً على جهودك العظيمة 🙂

    رد
  14. بسام الجفري
    بسام الجفري says:

    بالامس سمعت خبرا من احد الاصدقاء… لا أدري هل هو صحيح ام مجرد إشاعة… ولكنه ذكرني بموضوع هذه التدوينه وبما فعله “جوزيف شوجرمان” حيث استغل حديث الساعة وقتها وهو وفاة الرسام بيكاسو حيث كانت إبداعات بيكاسو ضمن الرغبات الأولى لكثير من الناس وصنع البلاط المذكور…
    فما في الخبر الذي سمعته هو انه تم فتح معهد لتعليم اللغة التركيه في احد المدن العربية وقد أقبل عليه الكثير جدا جدا راغبين في التسجيل في ذلك المعهد!!!
    هنا اصحاب المعهد استغلوا حديث الساعة في هذه الايام وهو “مسلسل نور” التركي ففت-حوا هذا المعهد لتعليم اللغة التركيه مع ان اللغة التركية لم تكن ابدا من اللغات المرغوبه ابدا…
    ((وللعلم لسنا هنا لمناقشة هل هذا الفعل صحيح ام خاطئ وهل مسلسل نور جيد ام لا …. الخ ولكن لمناقشة الفكره التسويقية من حيث هي…))

    رد
  15. سيلا
    سيلا says:

    ((….تجد عباقرة وأفذاذ، لا في وضع الشهادات الأكاديمية على الحوائط والجدران،…))
    والله شهاداتنا ماأعطتنا فلسا…

    شكرا
    استاذنا.

    رد
  16. معتز حسين
    معتز حسين says:

    شكرا في البدايه علي معلوماتك القيمه

    تصر علي ان تكسر صمتي بمجهوداتك دائما

    بعد كل ما أري من قص ولصق علي أنترنت أتوقف هنا لأستجمع أنفاسي وأري كلاما حقيقيا في عالم مواز

    شخص يمكنه ان يتعب ويسهر دافعا بمجهوده تخيل مجهوده علي أنترنت

    بالنسبهه لموضوع التدوينه و ما أستفدته منها فهو كيفيه صنع قوائم بريديه

    مجرد الافكار تصنع اتجاه للعقل ومدي تفكيره

    علي الاقل هناك طريق بدلا من الميدان

    أتمني ان يلهمني ربي

    رد
  17. شبايك
    شبايك says:

    معتز
    أثلجت صدري يا طيب، نعم، أنا هنا لأعطي أفكارا لا حلولا مفصلة لهذا أو ذاك، إن إطلاق عنان العقل متعة لا تضاهى!!

    رد
  18. علاوي
    علاوي says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إنها لفرصة عظيمة وكثيراً ما تمر بنا مثل هذه الفرص

    ولكن لانجد لدينا (((( الفكر الإبتكاري ))))) لنكون طلب لمنتجنا

    أو لعله فكر تقليدي ولكن بصورة جديدة تجعل من المنتج شيء مرغوب لدى المستهلك

    أريد أن أتقدم إليكم بطلب خدمة في المجال التسويقي

    فأنا طالب في الجامعة أوشكت على التخرج من قسم إدارة التسويق

    وفي طور الإعداد للقيام بحملة ترويجية متكاملة وهناك خوف يتملكني من الخطأ ولذلك تجدوني من حيث أسير أسأل وأستفسر لعل وعسى أن أجد أي معلومة قد تفيدني في ما أنا فيه – كما قول أخواننا في مصر الشقيقة ((( اللي بيسأل ما يتهوش )))

    أرجوا منكم الإفادة والاستفادة وفتح باب في مدونتكم لمثل هذه التجارب لكي تعم الفائدة

    رد
  19. Mostafa el Gamal
    Mostafa el Gamal says:

    الفكره جمبله جدا ولكن الاجمل منها المبدء الاخير وهو (لا تنظر للعملاء المحتملين على أنهم أغبياء يجب سرقتهم، بل احرص على إبهارهم بمنتجات يحتاجونها فعلا.)
    ربنا يكرمك يا رءوف

    رد
  20. حواء
    حواء says:

    فكرة رائعه وتنفيذ أروع
    استمر أخى رءوف بارك الله فيك ووفق الجميع للاستفاده بما تقدمه فى مدونتك الرائعه

    رد

Trackbacks & Pingbacks

  1. […] فسيفساء بيكاسو في عالم التسويق، تجد عباقرة وأفذاذ، لا في وضع الشهادات الأكاديمية على الحوائط والجدران، بل في فهم كيف يمكن أن يحصلوا على مجموعة كبيرة من العملاء المحتملين، فيبيعون لهم شيئا يريدونه، ثم يبيعون لهم شيئا آخر يرغبون فيه، ويبقون هكذا، دون إفراط أو تفريط، كذب أو نصب، احتيال أو كذب. من ضمن هؤلاء نأخذ قصة جوزيف شوجرمان. (tags: فسيفساء بيكاسو) […]

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *