مئة يوم من الرفض، أو كيف تفشل في أن تفشل وتشتهر بسبب ذلك – الجزء الأول!

حين زار العاصمة بكين، ألقى بيل جيتس محاضرة على طلاب صينيين حكى فيها عن قصته مع تأسيس شركة مايكروسوفت. كان من ضمن الحضور طالب صيني انبهر جدا بشخصية بيل جيتس وبكلامه، الأمر الذي جعله يحلم بأن يكون عصاميا حين يكبر ويخترع تقنية جديدة ويؤسس شركته التي ستشتري مايكروسوفت حين يبلغ من العمر 25 عاما. هذا الحلم سيطر على بطل قصتنا بقوة حتى أنه كتب رسالة إلى أسرته شرح فيها حلمه هذا وطلب منهم شراء كمبيوتر له لكي يتعلم البرمجة ويشرع في تحقيق حلمه هذا.

بعدها – ودون أن يطلبها – جاءته الفرصة ليكمل دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية في برنامج تبادل الطلاب، وبعد مشاكل وعقبات كبيرة في أوائل أيامه في ولاية لويزيانا استقر الأمر له وبدأ يتقن الإنجليزية ويكمل دراسته الثانوية، حتى دخل جامعة يوتاه وعمره 17 عاما ليدرس علوم الحاسب أو Computer Science.

عقلك حين يكون عقبة تسد طريقك للنجاح

في أحيان كثيرة، حين تكف الدنيا عن معارضة ومعاندة الواحد منا، وعوضا عن أن ينطلق لتحقيق أمانيه، تجد عقله يضع أمامه عراقيل وموانع وسدودا… في حال بطل قصتنا هذه، كان الخوف الرهيب المرعب من الفشل، والرغبة العارمة في نيل قبول المقربين والمحيطين له بمثابة حائط الصد الذي أوقف سيل أفكار المشاريع الجديدة التي كانت تختمر في العقل المتوهج لهذا الشاب من أن ترى النور.

الأفكار حين يقتلها الشك فيها

خطرت أولى الأفكار اللامعة لبطلنا في بداية خطواته في الجامعة، حين كان يتطلع في صوره القديمة وهو يتزلج على الجليد، فقال في نفسه، لماذا لا يكون هناك حذاء رياضي لديه في أسفل منه عجلات تبرز وتغور في باطن الحذاء ليكون بمثابة حذاء التزلج الخاص – لكن بدون ثلج! أسرع البطل واخرج دفتر الرسم وبدأ يرسم تخيله لشكل الحذاء وآلية عمل العجلات وكيف ستدخل وتخرج وكل هذه التفاصيل الفنية…

هذه الأحذية يسمونها في عالمنا اليوم Roller Shoes أو الأحذية ذات العجلات. هذه الأحذية ذات علامة تجارية مسجلة في عام 1999 في ولاية تكساس الأمريكية لأمريكي اسمه روجر آدامز، سجلها بعد عامين من ورود هذه الفكرة لبطل قصتنا.

احرص على من تعرض أفكارك

حين سيطرت الفكرة عليه، سارع بطلنا إلى عمه تحديدا والذي كان بمثابة قدوته ومثله الأعلى والرجل الذي يريد تشجيعه ليواجه الدنيا، خاصة وأن هذا العم كان يعيش في الولايات المتحدة ويعد أقرب أقربائه إليه من حيث المسافات.

أراد بطلنا أن يحصل على موافقة عمه على هذه الفكرة وأن يبارك رغبته في تحويلها لفكرة مشروع تجاري ناشئ. إلا أن هذا العم عارض الفكرة بقوة وعنف، وأمر بطلنا أن يكون صينيا أصيلا – موظفا يفني عمره في الوظيفة حتى القبر، وألا يفكر في أفكار غبية مدمرة مثل إنشاء عمله الخاص وتأسيس شركة ناشئة تنتج أحذية ذات عجلات!!!

(ولعله كذلك أسهب في شرح كيف أنه لا يمكن لكل الناس أن تكون أصحاب شركات وأن الوظيفة ليست عيبا وأن العصامية همُ بالليل وعارُ بالنهار – وكيف أن الوظيفة هي أفضل شيء في الدنيا بعد قراءة مدونة شبايك وأن الرضا لمن يرضا – أو، حسنا، لعله لم يفعل! ماذا كنا نقول؟ نعم…)

توالت الأيام حتى أصبحت شهورا وسنينا، حتى جاء يوم قرأ فيه بطلنا عن الشركة التي نفذت فكرته التي راودته – الحذاء ذي العجلات – وحققت منه الملايين من الأرباح… الأمر الذي زاد من بؤسه وحزنه العميق، إذ جرت السنوات ولم يحقق بعد حلمه بتأسيس شركة أكبر من مايكروسوفت، بل كان أقصى ما حققه من إنجازات في حياته حصوله على وظيفة مرموقة لا أكثر، رغم امتلاء دفاتر رسوماته بالكثير من الأفكار الجديدة الواعدة التي خاف من تنفيذها، وخاف من رفض الناس لها، خاصة عمه!

الصراع الداخلي

دارت معركة حامية الوطيس داخل عقل البطل، الطرف الأول لها قصص نجاح العصاميين الذي خاطروا من أجل تحقيق أفكارهم ورغبته العارمة في أن يفعل مثلهم ويحقق فكرته ويبدأ شركته، والطرف الآخر لها الخوف المصحوب بالشلل من رفض الناس لهذه الأفكار ولمن يطبقونها. كان الشعور المسيطر عليه أنه خان أحلام ذلك الشاب الصغير الذي كتب هذه الرسالة الواعدة لأهله وكيف أنه سيؤسس شركة أكبر من مايكروسوفت…

ما زاد الطين بلة، استمر البطل يبذل جل جهده لينال رضا عائلته، متمثلا في الانتقال من وظيفة إلى أخرى أفضل منها، وأخذ يدفن أحلامه وخططه لتأسيس شركته. بمرور الوقت، بدأ يدرك أنه لا يحب مجال دراسته الذي كان يظنه السبيل لتحقيق أحلامه، وعوضا عنه بدأ يحب دراسة إدارة الأعمال والتجارة حتى حصل على شهادة MBA.

في أول يوم عمل في وظيفة جديدة، طلبوا منه تقديم نفسه من خلال الإجابة على أسئلة بسيطة، كان أحدها: ماذا كنت لتفعل في حياتك لو لم تعمل؟ بعفوية وطلاقة قال: كنت سأصبح عصاميا يؤسس شركته، فجاءه سؤال مباغت: ولماذا لم تفعل؟

ذات يوم عاد من عمله وأغلق عليه باب غرفته وانفجر في البكاء. أمر لا يشتهر الرجال الصينيون بفعله.

راقبت زوجته سحب الحزن تخيم عليه، خاصة وأنها كانت حاملا في ابنهما الأول، ولذا عرضت عليه حلا جميلا…

تستطيع قراءة عرضها في الجزء الثاني من خلال هذا الرابط.

عيد مبارك وعساك من عواده.

على الجانب:

في عام 2000، أسس روجر آدامز شركته هيليز Heelys لإنتاج الأحذية ذات العجلات، هذه الشركة كانت قيمتها السوقية في 2007 قرابة المليار دولار بعد طرح أسهمها في البورصة. مؤخرا، أخذت القيمة السوقية للشركة في الانخفاض بعد التراجع العالمي للطلب على هذه الأحذية – ربما بسبب المنافسة والتقليد، كما استقال مؤسس الشركة من مجلس الإدارة وباع حصة كبيرة من أسهمه فيها ولم أجد له ذكرا في تأسيس شركات أخرى.

11 ردود
  1. Alaa
    Alaa says:

    شوقتنا جامد…..فى إنتظار الجزء الثانى على احر من الجمر
    كل عام والجميع بخير وصحه وسلامه

    رد
  2. مطر
    مطر says:

    انا حالي نفس حال هذا الصيني
    لدي افكار ليست مدونة بل أحفظها في خاطري
    اخشى ان يرفضها عمي (الزمن)
    اولها نفذت في مجال الرياضه يافطة الوقت والتغيرات في كرة القدم
    وكانت فكره في سنة ١٩٨٥
    عندما كنت طالبا في الثانويه العامه
    انا في انتظار التدوينة الثانية

    رد
  3. أمجد الصبياني
    أمجد الصبياني says:

    ‏‎أستاذ رؤوف، بعدما قرأت هذا الجزء تذكرت قصة حصلت معي تشبه بطل قصتك مع عمه.
    انتشرت في السعودية و لا اعلم عن وجودها في دول أخرى أفياش أو مقابس كهربائية بها (لمبتين) تشير أحدهما إلى فولتية ٢٢٠ و الأخرى إلى فولتية ١١٠.
    قبل وجودها في السوق فكرت في ‏‎نفس هذه الفكرة، و ذهبت لمكتب براءات الاختراع في الجامعة و قابلت مدير القسم و سألته عن إمكانية قبولها. فوضح لي بأن من ضمن اللجنة الأستاذ بروفيسور فلان. فممكن عرضها عليه و إذا أعطاك الضوء الأخضر اعمل على المستندات و نتوقع قبولها في اللجنة ليتم دعم البراءة من الجامعة..

    ‏‎ذهبت إلى الأستاذ بروفيسور فلان و شرحت له الفكرة، و قال هذه الفكرة غير جيدة فعمل الضوء بشكل مستمر يجعل الفكرة غير اقتصادية من ناحية الاستهلاك الكهربائي.

    في الحقيقة لم أقاتل من أجلها بل شربت كلام البروفيسور و أقنعت نفسي به.

    لكن ما النتيجة؟

    ‏‎النتيجة هي ما ذكرته في قصة بطلنا الصيني..
    “توالت الأيام حتى أصبحت شهورا وسنينا، حتى جاء يوم قرأ فيه بطلنا عن الشركة التي نفذت فكرته التي راودته – الحذاء ذي العجلات – وحققت منه الملايين من الأرباح… الأمر الذي زاد من بؤسه وحزنه العميق”

    فقد وجدت الفكرة منتشرة في السوق السعودي

    ‏‎ماذا تعلمت من هذا الدرس؟
    إذا آمنت بفكرتك فاسعى و قاتل لتحقيقها. قد يكون أنت من يصنع المستحيل.

    شكرا لك أستاذ رؤوف، و في انتظار بقية القصة?

    رد
  4. أحمد الجندى
    أحمد الجندى says:

    دائمًا ياأستاذ شبايك بتاخدنا من معترك ومطحنة الحياة التى تكاد تغرقنا وتغرق احلامنا معنا الى شط جميل نسترخى امامه فى اجازة صيف بعد عام حافل بالعمل والإنجازات فى مشاريعنا الخاصه ،بجد شكرا جزيلآ على جرعات الحماس اللى بنستمدها من خلال مقالاتك الجميله المحفزه..وكل عام وحضرتك بخير

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *