جورج إيستمان – مخترع كاميرا كوداك -ج3

لهذه التدوينة جزء أول و ثان.

بعد هذه البداية الصعبة، بدأت الأمور تسير كما المراد لها، حتى جاء عام 1880 وقد أصبح قوام الشركة 6 موظفين بالإضافة إلى جورج، أنتجوا أكثر من 4 آلاف لوح تصوير جاف في السنة. كانت عوائد الشركة تأتي من تظهير الصور الملتقطة على الألواح الجافة التي يبيعها جورج (أو ما اصطلح على تسميته الأفلام فيما بعد). مع هذا النجاح جاء المنافسون واستعرت المنافسة، الأمر الذي دفع جورج للتفكير في تقديم المزيد من الجديد، وكان باكورة أفكاره هذه أول كاميرا تصوير من إنتاج شركته في عام 1888 واختار لها اسم كوداك.

صورة مقر كوداك في العاصمة لندن في عام 1902

صورة مقر كوداك في العاصمة لندن في عام 1902

كان جورج أول من فكر في لف الأفلام بشكل دائري حول عامود يسمح للفيلم بالحركة الانسيابية. (ليس هناك قصة وراء اختيار اسم كوداك، فهو قرار جاء في لحظة صفاء نفسي، من رجل يحب حرف K، وأراد اختيار اسم يبدأ وينتهي بهذا الحرف!). كانت الكاميرا صغيرة الحجم بمعايير تلك الأيام، تكفي لالتقاط 100 صورة، وكانت نقلة نوعية في عالم التصوير الفوتوغرافي، وبيع منها أكثر من 73 ألف وحدة على الرغم من سعر بيعها الباهظ – 25 دولار أمريكي!

كانت آلية العمل أن يشتري العميل الكاميرا، ثم يلتقط ما حلا له من صور، ثم يعيدها إلى جورج لكي يظهر ويطبع له هذه الصور، ومعها الكاميرا وبداخلها فيلم جديد لاستعمالها مرة أخرى. مضت الأمور على ما يرام حتى مقدم عام 1893 والذي شهد انتكاسة للاقتصاد الأمريكي، كما رحل أفضل خبير كيمائي لدى جورج لكي يؤسس شركته الخاصة به، لكن جورج تمكن من العثور على بديل له أفضل منه، ساعده على اختراع فيلم تصوير فوتوغرافي أفضل ساعد الشركة على الاستمرار في العمل.كان التصوير الفوتوغرافي وقتها حديث عهد بعامة الناس، لكن كوداك أنفقت بسخاء في مجال الإعلانات لنشر هذا الأمر الجديد، وكانت أشهر دعايات كوداك: أنت اضغط الزر، واترك البقية علينا أو  You press the button, we do the rest. بعدها أطلقت الشركة كاميرا صغيرة موجهة للصغار أسمتها براوني، سعرها دولار واحد، وبدأت الشركة تدخل معترك صناعة التصوير السينمائي، واستمرت تعزف معزوفة الأرباح.

للأسف الشديد، لم تمض حياة جورج ناجحة، فرغم أنه اشتهر بالأعمال الخيرية الكثيرة والتبرعات السخية، إلا أنه تقاعد في عام 1925 من إدارة شركته، وسقط فريسة لمرض عضال في عموده الفقري، منعه من الحركة ومن السير، الأمر الذي نال منه بشدة، جعله ينهي حياته وعمره 77 سنة برصاصة أطلقها على قلبه، تاركا رسالة انتحار مفادها: لقد انتهى عملي فلمَ الانتظار.

على الجانب:
* طبعا الانتحار وسيلة من وسائل الهروب من المشاكل، مرفوضة في الدين، لا تأتي بأي خير. ذكري لها هنا لأنها حقيقة في قصة الرجل، لكنها كذلك سقطة لا تقلل من كفاحه ونجاحه، ولعل مرضه الأخير نال من عقله فجعله يقدم على خطوة بائسة مثل هذه، ولذا لا أريد أن أحمل مسؤولية قارئ يرى في هذه النهاية أي نفع!
* وصلتني رسالة على البريد، يرى صاحبها أن الكفاح الفلسطيني ضد المحتل الصهيوني هو الذي أشعل / ساعد على إشعال / ساهم في إشعال الثورات العربية، فأمام كل صورة من ثورة عربية عرض صورا مماثلة لوقوف الشعب الفلسطيني ضد المحتل، وأراني متفقا مع هذه النظرة، ولا أقل من كلمة شكر لهذا الشعب المكافح رغم كل شيء.
* تأبي الدماء العربية إلا أن تسيل في مزيد من البلدان، وهذا الاجتماع في الثورات العربية يجعلني أوقن أكثر بأن الساحة تـُعد لأمر عظيم من الله عز و جل، فالحرية توفر بيئة تسمح للإبداع والابتكار بالانتشار، وهي الخطوة التي تسبق النهضة، ولابد لهذه من ثمن، ندفعه بالدماء.

14 ردود
  1. محمد الدهيمي
    محمد الدهيمي says:

    ذكرت أن :

    ان التصوير الفوتوغرافي وقتها حديث عهد بعامة الناس، لكن كوداك أنفقت بسخاء في مجال الإعلانات لنشر هذا الأمر الجديد

    ذكرتني هذه الكلمات بما حدث لدارسي علوم الحاسوب في فترات سابقة ، كيف تحولت نظرة المجتمع لهم من أشخاص يدرسون شيئا لا فائدة منه في وطننا إلى أشخاص لا يمكن الاستغناء عنهم !!

    أربط بين ذلك و بين تخليك / توقف مؤقت / ” أي كلمة مناسبة ” / عن فكرة التسويق للجميع ؟
    أرى أن الأمر أدعى للاستمرار أليس كذلك ؟

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      بكل تأكيد أدعى، لكن ما يوقفني هو أن جمهور القراء لا يشعرني بما يكفي بأنه يرغب في مقالات التسويق، وأنا لا أريد أن أفرض شيئا على جمهور القراء!

      رد
  2. مبتسم
    مبتسم says:

    عمل دؤوب ،، ومثابرة من جورج.

    كانت عوائد الشركة تأتي من تظهير الصور الملتقطة على الألواح الجافة التي يبيعها جورج (أو ما اصطلح على تسميته الأفلام فيما بعد)

    اعتقد هناك مشاريع قد لاتكون مجدية بحد ذاتها ولكن الخدمة اللاحقة هي المربحة للمشروع. وهذا الجانب مغفل بشكل كبير في العالم العربي.

    خذ مثلآ.

    أسعار السيارات يتفاوت هامش ربيحتها بين الوكلاء. فهناك من يقبل بهامش 5% ربح مقابل 35% من الصيانة وقطع الغيار. فاجمالي الربح المحقق على مستوى المشروع بشكل كامل هو 40% مجزأ

    ولكن الصيانة مرتبطة بالخدمة الجيدة للعميل. (خدمات ما بعد البيع) وهي ما لانجدة “إلا ماندر” في عالمنا العربي”

    أتمنى أن نشاهد مع الثورات العربية ثورات فكرية وصناعية وتجارية.

    رد
  3. لعروسي
    لعروسي says:

    السلام عليكم
    تدونة مميزة، قطفت منها ثمرتان.

    الأولى من قولك: “كما رحل أفضل خبير كيمائي لدى جورج لكي يؤسس شركته الخاصة به، لكن جورج تمكن من العثور على بديل له أفضل منه”. فيه إشارة إلى أن النجاح في مجال لا يعني بالضرورة الإلمام بكل جوانبه، إنما العثور على الأشخاص المناسبين ومعرفة كيفية التعامل معهم تعوض النقص.

    والثانية انتحاره، دليل على أن الاجتهاد في إنجاح مشاريعنا يجب أن يوازيه تغذية للروح، حتى إذا ابتلي المرء في حياته بفشل أو مرض أو غيره وجد من الزاد ما يمنعه من سلوك الطريق التي سلكها جورج إيستمان.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      فتح الله لك… ما أسعد كاتب يقرأ له أمثالك يا طيب… لا تحرمني من هذه اللمحات الجميلة في المستقبل 🙂

      رد
  4. فهد
    فهد says:

    اكثر شيء عجبني في هذه التدوينه هي الصوره (صحيح لم نرى صوره شخصيه لجورج)
    سبحان الله كل هذا النجاح والكفاح وبالاخير انتحار

    شكرا استاذ رؤوف متابعين بشغف .. هل انتهت القصه:(

    رد
  5. محب روفائيل
    محب روفائيل says:

    الانتحار قبل كل شىء هو جبن ، فأحيانا قبل أن تختار الموت يجب عليك ان تكون شجاعا ، لكن قبل الانتحار يجب عليك أن تكون جبانا !!

    رد
  6. The Hope
    The Hope says:

    قصة رائعة من بدايتها مع ابن الهيثم حتى وصولها إلى إيستمان .. ومن يدري إلى أين ستمتد !!

    أعجبني :
    – صبر ابن الهيثم ومثابرته وحرصه على الفائدة حتى في سجنه !!

    – أن الأمر بدأ صدفة لأجل رحلة لم تتم .. ولكنها كانت البداية لرحلة أخرى أهم !!

    – صبر جورج لثلاث سنوات من أجل تجربة لايعلم إن كانت ستنجح أم تفشل!!

    – هذا المقطع :
    “حتى جاء يوم رفض البنك الذي يعمل فيه جورج ترقيته كما كان يستحق، ولذا سارع بتقديم استقالته واستأجر طابقا بأكمله في مبنى ليكون مقر شركته الجديدة، وهناك حيث بدأ في تصنيع ألواحه الجافة. لم تكن البداية وردية، إذ اشتكي الكثيرون من فساد تلك الألواح الجافة وعدم عملها وفق المتوقع منها، الأمر الذي اضطر معه جورج إلى استبدالها أو إعادة ثمنها.”

    ملاحظات :
    – عندنا في الإسلام أن الله إذا أحب عبدا ً ابتلاه وخصوصا ً عندما يكبر في العمر ليكون كفارة لذنوبه أو رفعا ً لدرجته في الجنة حتى أن بعض الناس في الجنة يتمنون لو أنهم قرضوا بالمقاريض لما يرون مما أعده الله لأهل البلاء في الدنيا, فهي كمكافأة نهاية الخدمة , ولكن أكثر الناس لايعلمون!! فالحمدلله على نعمة الاسلام.

    – شخصيا ً اعتقد أن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام :
    “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت”

    ربما يكون هو التفسير الأقرب لما يحدث الآن في بلداننا العربية , ولعل الله يعد هذه البلاد لخلافة على منهاج النبوة يتحقق فيها وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بدخول الاسلام لكل بيت على هذه الأرض وانتشار العدل والرحمة والخير والبركات وفتح روما معقل النصرانية في أوروبا وتحولها للإسلام..
    ولا يشترط في هذا الفتح أن يكون حربا ً فهناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن انتشار الاسلام وأعداد المسلمين بالمعدل الحالي سيحول المسلمين من أقليات في بعض دول أوروبا إلى أغلبيات ربما تقلب نظام الحكم فيها خلال أقل من جيل (40 سنة)!!

    كل الشكر أخي رؤوف على هذه القصة المحفزة .. أعطيتني دفعة معنوية جديدة ^_^

    رد
  7. lebanon cat
    lebanon cat says:

    بتعرف شبايك عن مين بدي تكون التدوينة القادمة عن العالمةمريم الاسطرلابي مخترعة الاسطرلاب و عن البيروني و يعقوب بن إسحق الكندي و غياث الدين الكاشي لاني احس انهم لم يأخذوا حقهم في الحديث فأرجو بطريقتك الممتعة أن تحكي لنا عنهم

    http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%B7%D8%B1%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%8A

    http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%AB_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B4%D9%8A

    http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D8%A5%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D9%82_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D8%AF%D9%8A

    http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A

    رد
  8. احمد
    احمد says:

    أفضل مافي القصة هو دفع عجلة التقدم للأمام مع تحقيق مصالح شخصية , في رأيي النجاح الحقيقي هو أن تقدم شيء ينتفع به الأمة من ثم تحقيق المكاسب الشخصية

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *