ما الذي يجب أن تعرفه عن الاتصالات المؤسسية

,

في عالم الأعمال، تعجز الكلمات عن شرح أهمية الاتصالات Communication. إنها الوسيلة التي تمكن الشركات والمؤسسات والجهات من نقل أخبارها ورسائلها إلى العالم الخارجي (والداخلي!).

((قبل أن تفر بحياتك من الملل، اذهب لنهاية التدوينة وستجد قصة طريفة عن أخطاء شركات ضخمة وخطايا رؤساء تنفيذيين وغيرهم… ذلك الجانب المظلم في سير الناجحين الذي لا يتكلم عنه أحد!))

الأخبار هنا تشمل العروض التسويقية والترقيات والاستحواذات والتقارير السنوية والربع سنوية، وكذلك الخسائر واستقالة كبار المدراء، وأيضًا المشاكل والكوارث والمصائب والفضائح وعيوب التصنيع والشكاوى التي تشتهر على الشبكات الاجتماعية.

نشر الأخبار / الاتصالات له وسائل كثيرة، أولها في الوقت الحالي موقع الشركة على الانترنت وحساباتها على الشبكات الاجتماعية والأخبار الصحفية التي تنشرها والإعلانات والمؤتمرات والمعارض والحفلات التي تشارك الشركات فيها وما قد يُستجد.

في رأيي الضعيف، أهمية العلاقات العامة – والتي يطلق عليها كذلك الأخبار الصحفية أو Public Relations – آخذة في النقصان، إذ تزداد أهمية مصطلح الاتصال المؤسسي أو Corporate Corporation بشكل تدريجي.

ما أهمية قسم الاتصال المؤسسي في أي شركة؟

لكل نشاط تجاري شروطه وواجباته. حين تكبر الشركة يكون لكل قسم فيها أخباره. لو تركت الحبل على الغارب ستجد معلومات متضاربة وأرقام مزيفة وضوضاء إعلامية تصيب المتلقي بالشك وفقدان الثقة. أن تخصص قسما بأكمله لهذه المهمة أمر حيوي.

هنا يأتي الدور الأهم لقسم الاتصال المؤسسي في كل شركة: ضمان خروج البيانات الصحيحة من المؤسسة للجهة التي هي بحاجة لها.

دوره كذلك وضع إطار تنظيمي لصدور الأرقام والإحصائيات بشكل دوري، على أسس علمية صحيحة، بما يفيد المؤسسة ويفيد العملاء وأصحاب المصالح من مستثمرين وزبائن ومدراء ومُلاك.

كل معلومة تصدر عن الشركة هي نوع من الاتصال مع العالم وتقع تحت مسؤولية قسم الاتصالات.

يرى البعض بأن قسم التسويق وكذلك قسم العلاقات العامة مكانهما أسفل قسم الاتصالات في الهيكل التنظيمي.

سبب ذلك أن كل معلومة تصدر من أي جهة في الشركة يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا على مصلحة الشركة، ولهذا يجب تنظيمها ووضع ضوابط لها.

هذه الضوابط تضمن صحة البيانات وصدورها في الوقت الصحيح وذهابها للجهة الصحيحة والالتزام بإرشادات العلامة التجارية وضمان أن يكون للشركة متحدث رسمي وحيد يتولى تحقيق الالتزام العام بكل الشروط والضوابط والأحكام.

باختصار شديد، يمكن تقسيم الاتصالات المؤسسية إلى:

1- الاتصالات الخارجية

وهذه تركز على خارج الشركة.

قد تظن – ومعك حق – أن الاتصالات الخارجية هي التسويق. إلا أنها أشمل وأوسع وأكبر من ذلك.

على سبيل المثال. حين تشك حكومة ما أن شركة ما تتهرب من دفع الضرائب، وتتسرب هذه الشكوك لوسائل الإعلام، سرعان ما سينخفض سعر أسهمها وتتراجع مبيعاتها. لا أحد يريد الاستثمار في أو شراء منتجات شركة لديها مشاكل مع الحكومة. قد تكون هذه المعلومة صحيحة أو غير صحيحة، ما سيحدد ذلك هو الشفافية والوضوح وسرعة نشر الأخبار الصحيحة من قسم الاتصالات في الشركة.

نشر المعلومات لا يعني النشر الورقي أو عبر انترنت وحسب. لديك الحفلات الجماعية للشركاء والوكلاء والموردين والمؤثرين، وكذلك المؤتمرات العلمية والصحفية والمعارض وحفلات إطلاق منتجات جديدة والكلمات التي يلقيها كبار مدراء الشركة في المناسبات والتجمعات وغيرها الكثير.

الاتصالات الخارجية ليس قاصرة على العملاء، بل تشمل كذلك الجهات الحكومية وعلاقات المستثمرين وغيرهم من أصحاب المصالح.

الاتصالات وإدارة الأزمات Crisis Communication & Crisis Management

حين تنوي شركة فصل عدد كبير من موظفيها لخفض النفقات، يجب عليها فعل ذلك بشجاعة ووضوح وشفافية، وأن تعلن للعالم لماذا فعلت ذلك وكيف تنوي تخفيف أثر ذلك على الموظفين والعملاء وما رؤيتها لنتيجة هذه الخطوة. إن لم تفعل ستجد لديها أزمة تشتعل أسرع من النار في الهشيم.

حين يسيء موظف ما معاملة عميل ما، ويذهب هذا الأخير للانترنت وينشر شكواه وتشتهر، هذه أزمة يجب معالجتها من قسم الاتصالات.

عندما يحدث خطأ ما في خط إنتاج ينتج عنه خروج منتجات غير صالحة للاستخدام أو معيوبة، هنا يجب على قسم الاتصالات تولي زمام الأمور ونشر الأخبار الصادقة والاعتراف بالخطأ الذي حدث ونشر الخطوات المتخذة لضمان عدم تكرار الخطأ وتعويض أي وكل من طاله هذا الخطأ.

عندما يقوم موظف ما بتسريب أخبار حقيقية من داخل الشركة، مثل توبيخ المؤسس لكل الموظفين أو تسريح الموظفين بطريقة مهينة أو الحديث في المراسلات الداخلية عن مخالفات أو أمور يعاقب عليها القانون أو السخرية من العملاء أو المنافسين. هنا يجب على قسم الاتصالات التدخل بسرعة لتكون دفة الأمور في يده لا في يد غيره.

يجب أن يكون لدى كل شركة استراتيجية عامة للتعامل مع الأزمات. هذه الاستراتيجية لا تهبط من السماء أو يأتي بها الخبير اللامع. هذه الاستراتيجية نتاج تقييم مستمر لأداء الشركة في التعامل مع الأزمات. لا توجد استراتيجية تعامل مع أزمات موحدة تناسب الكل. لكل شركة ظروفها الخاصة التي تحدد الاستراتيجية الأفضل والأنسب.

الأمثلة كثيرة (ومنها مثال صاحبنا ديفيد ماركوس في نهاية هذه التدوينة) والأيام حبلى بأمثلة غير متوقعة تندرج تحت هذه النقطة.

الاتصالات الداخلية

وهذه تركز على داخل الشركة.

أخبار الترقيات والعلاوات تندرج تحت هذا الباب. الإفطار الجماعي في رمضان وأفراح وأحزان العاملين هي من الاتصالات الداخلية. التغييرات في سياسات الشركة وتعديلات اللوائح الداخلية تكون هنا.

كذلك رسائل التوبيخ الديبلوماسية من مؤسس الشركة وكذلك رسائل التحفيز من أعضاء مجلس الإدارة.

هذا ربما كان التفسير الرسمي للاتصالات الداخلية.

التفسير الواقعي والحقيقي للاتصالات الداخلية هي منع الإشاعات وانتشار المعلومات غير الصحيحة.

حين يكبر عدد العاملين في الشركة، تكون للشائعة الأثر المدمر على المعنويات وتكون سببا لاستقالة البارعين من الموظفين الذي يكلف استبدالهم أموالا كثيرة وفقدان أرباح متوقعة. هذا الأثر يزيد مع تأخر الشركة في شرح حقيقة ما حدث والاستعانة بالأدلة والبراهين.

أسوأ شيء تفعله أي شركة هو الاستهانة بشائعة منتشرة بين موظفيها.

الأسوأ منه أن تصل الشركة إلى حالة تكون الشائعات فيها أكثر انتشارا من الأخبار الصادقة الصادرة من الشركة، وأكثر تدميرا.

في الشركات الصغيرة والمتوسطة، تكون الاتصالات الداخلية ضمن صلاحيات قسم الموارد البشرية، وهذه خطيئة إدارية ما لم يكن لدى الشركة موظف متخصص في الاتصالات على علم بطبيعة النفس البشرية وطرق التواصل المؤسسي الناجحة.

في أغلب الشركات – إلا ما رحم ربي – يكون الفارق بين الموظف والعبد باهتا غير واضح المعالم.

حين يكتب موظف الموارد البشرية رسائل الاتصالات الداخلية، ستجده في الأغلب يزيد الطين بلة وتتعقد الأمور الداخلية وتزيد الهوة بين موظفي قسم الموارد البشرية وبين الموظفين – الذين هم في الشركة من الأساس لأجلهم.

لا تتوقع الكثير من موظف تعيس حزين مقهور.

لا تتوقع أن تستميل وتوظف الماهرين وشركتك يفوح منها رائحة استعباد الموظفين وتنتشر تسريبات لرسائل التوبيخ لأي سبب كان.

اقرأ أيضا تدوينتي السابقة: اصطياد العقول واستمالة النوابغ

الاتصالات الداخلية ضد الجزر المنعزلة

المصيبة الأخرى التي تعمل الاتصالات الداخلية على منعها هي متلازمة الجزر المنعزلة أو Silos. حين يزيد عدد العاملين في شركة ما، ويزيد عدد فروعها، لا تدري يمينها ما تفعل شمالها.

لنفترض أن شركة ما، تعمل في عدة أنشطة. لأن قسم التسويق يقع بجانب قسم مبيعات المنتج الأول، ولأن العاملون في القسمين يعرفون بعضهم البعض، تجدهم يتعاونون معا لتقديم خدمات التسويق لهذا القسم المجاور. إلا أن للشركة أقسام أخرى في بلاد ومدن أخرى، وهؤلاء قد لا يعرف عنهم أعضاء قسم التسويق شيئا.

بسبب البعد الجغرافي، تجد الموظفون معزولين عن بعضهم البعض ولا يعرفون ماذا يفعل هذا أو ماذا يحتاج ذاك. عندها تصبح الشركة مجموعة من الجزر المنعزلة تماما عن بعضها.

قسم الاتصالات الداخلية وظيفته الثانية هي منع ظهور هذه الجزر. يكون ذلك بالمراسلات وبالندوات التعريفية والمسابقات الجماعية والتجمعات الدورية. في بعض الشركات يكون ذلك الدور منوطا بقسم الموارد البشرية، لكني أظن أن قسم الاتصالات المكان الأنسب والأكفأ.

اتصالات العلامة التجارية Brand Communications

هنا تركز الشركة على كل الاتصالات ذات العلاقة بعلامتها التجارية (البراند) و هوية الشركة. هذا يشمل مراقبة آراء الناس في العلامة التجارية والعمل على أن يكون هذا الكلام إيجابيا والتعامل بسرعة مع أي تعليقات سلبية على العلامة التجارية. كذلك العمل على ضمان أن تخرج اتصالات العلامة التجارية في صورة والوان موحدة.

هدف هذه الاتصالات أن يكون الكلام الإيجابي عن العلامة التجارية أكثر من ذاك السلبي، وأن يكون أكثر من الكلام عن منتجات المنافسين.

هذا القسم من الاتصالات يعمل كذلك على دفع العملاء لترك تعليقات إيجابية والحديث عن تجاربهم الإيجابية مع العلامة التجارية.

مجال الاتصالات كبير للغاية، يمكن كتابة مؤلفات وسلاسل من الأجزاء السمينة ولكن دعنا نقف هنا وننتقل لجانب طريف، أمثلة واقعية على ما سبق.

أمثلة واقعية على الأزمات التي قد تواجهها الشركات بسبب الاتصالات الداخلية:

مثال شركة باي بال وازدراء الموظفين

في عام 2014، أراد رئيس شركة باي بال، ديفيد ماركوس، تشجيع موظفي شركته على تنزيل واستخدام تطبيق باي بال على هواتفهم النقالة، من خلال إرسال رسالة بريد إلكتروني نصح فيها أي موظف لم يقم بتنزيل واستخدام التطبيق بالاستقالة من وظيفته.

بعدها قام أحدهم بتسريب هذه الرسالة للصحافة. انتشر الخبر وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض.

أصحاب المصالح المتشابهة، من هم على شاكلة ديفيد، وقفوا في صفه ورأوا أن من لا يشجع منتجات شركته لا يستحق أن يعمل في هذه الشركة.

غيرهم تساءل إذا كان موظفو باي بال أنفسهم لا يودون استخدام التطبيق ويواجهون مشاكل معه، فما بال عموم الناس والمستخدمين؟

أما الموظفون فوجدوا في صياغة الرسالة نوعا من التهديد والاحتقار وسببا كافيا للتفكير في الانتقال لوظيفة أخرى أكثر احتراما وأمانا.

[[الطريف في رسالته قوله إن على موظفي الشركة العمل بجهد وكد لبلوغ العظمة. الأمر الذي يذكرنا برسائل شركة سويفل لموظفيها حيث طلب المدراء من الموظفين العمل لساعات طويلة جدا دون انتظار مقابل أو تقدير ليكون ذلك ثمن وصول شركتهم للعظمة. الرسالة كانت عامة تناقلها الناس كدلالة على استعباد الشركة لموظفيها وتحفيزهم للعمل الزائد دون أي مقابل لزيادة أرباح الشركة وجعل مؤسسيها غاية في الثراء بدون مشاركة هذا الثراء مع العاملين الذين جلبوه. في نهاية الأمر، اضطر ناشر هذه الرسالة لحذفها والتحجج بأن الناس أساءت فهم قصده من هذه الرسالة!]]

في العام ذاته، 2014، رحل ديفيد ماركوس عن إدارة باي بال إلى شركة فيسبوك، بعدما اتهم الناس في البداية بأنهم لم يقرأوا رسالته كاملة وأن كلامه مقتطع من سياقه، وغيرها من التبريرات التي فشلت في إقناع الناس باستخدام تطبيق باي بال. بعدها اعتذر ديفيد وإدارة باي بال عن هذه الرسالة بشكل رسمي علني.

كيف يمكن لقسم الاتصالات إطفاء نار أزمة اتصالات مثل هذه؟

الاعتراف بأن ما حدث كان خطأ. يخرج المدير التنفيذي ليعتذر عما قاله ويقر بأن الكلمات خانته وأن سبب ذلك هو حماسته وخوفه على الشركة. يؤكد المدير التنفيذي على احترامه لكل فريق العمل في شركته ويشرح خطته لفهم أسباب عزوف الموظفين عن استخدام التطبيق بالجلوس معهم والاستماع إليهم. ثم يشرح خطته المعتمدة على الحوافز لتشجيع العاملين على استخدام التطبيق بدون أي عقوبات أو جزاءات على من لا يستخدمه. في النهاية يؤكد المدير التنفيذي شكره لكل فريق العمل، خاصة الذين لم يستخدموا التطبيق وأنه يضمن لهم ألا يصيبهم أي ضرر في حال أصروا على عدم استخدامه ويتعهد بذلك أمام الصحافة.

على الجهة الأخرى، يجب على الشركة أن تفهم سبب حدوث خطأ مثل هذا. بداية، يجب على المدير التنفيذي فهم حقيقة بسيطة: الموظفون ليسوا عبيدا يضربهم المدراء بالسوط إن عصوا الأوامر التنفيذية ويمنعون عنهم الأجر والوظيفة.

كان على صاحبنا ماركوس الجلوس مع الموظفين والاستماع إليهم وفهم السبب الحقيقي لعدم استخدامهم للتطبيق. من قراءة تفاصيل القصة، أرى أن ماركوس تسرع للحكم بأن الموظفين كسالى لا ينفع معهم سوى التهديد.

لليوم يبقى ماركوس المدير التنفيذي الذي قال لموظفيه استخدموا التطبيق وإلا اتركوا وظائفكم.

لا تكن مثل ماركوس!

على الجانب الآخر، مدونتي تبحث عن رعاة لها.

9 ردود
  1. محمد
    محمد says:

    قسم الاتصال المؤسسي فكره ممتازه ولكن إذا كانت مرجعيته للإداره فكأنك يازيد ماغزيت
    لأنه وبهذه الصوره لن يستطيع حل الازمات الناتجه من الإداره فيجب أن يكون مستقل بنفسه بطريقة إدارة نجم البحر وليس إدارة العنكبوت .

    رد
      • محمد
        محمد says:

        من جمال التجارب بعضها في ظاهرها تكون مريره ولكن ناتجها فوائد غزيره .
        ” لم يكن الأمر يتعلق كثيرا بكون الكلمات قد تجعلك تفهم الأحداث بشكل كامل ، بل إن تجاربك الشخصية مع الأحداث هي التي تمكنك من تتبع معاني الكلمات عن كثب “

        رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك ردًا