لا تقلل من شأن البدايات الصغيرة

,

في عام 1999 حانت الفرصة للمدرب الرياضي جيسون فيد Jason Feid العامل في مدرسة نورث اطلبورو North Attleboro الإعدادية في ولاية ماساشوستش كي يحصل على معدات رياضية للمدرسة، لكن المقابل كان جمع تبرعات لجمعية القلب الأمريكية للتوعية بمخاطر السكتة القلبية وأمراض القلب ولتمويل أبحاث علاجها. على سبيل تشجيع طلاب المدارس الأمريكية وتوعيتهم بأهداف جمعية القلب الأمريكية، في مقابل كل دولار يتبرع به هؤلاء الطلاب، كانت الجمعية تكافئهم بشراء معدات رياضية لمدارسهم، تشجيعا لهم على ممارسة الرياضة، والإلمام بمسببات أمراض القلب.

كانت الفكرة واعدة للمدرب، فهو سيخرج فائزا على أي حال، فالطلاب سيعرفون معلومات مفيدة بشأن مرض عضال، وفي الوقت ذاته ستذهب التبرعات لشراء آلات رياضية يحتاجها الطلاب. استعان جيسون بزميله المدرس جون دمبسي لمساعدته على تنظيم جمع التبرعات، حيث ساهم معهما 30 طالبا في فعاليات حفل أقيم على ملعب كرة السلة، والذي انتهى بجمع مبلغ 630 دولار فقط.

شعر جيسون بخيبة أمل كبيرة، فمبلغ التبرعات كان أقل من توقعاته بكثير. رغم ذلك، وفي الموعد ذاته من العام التالي، جاءت الدعوة لجيسون كي ينظم ويدير الحفل ذاته مرة ثانية. تعجب جيسون من هذه الدعوة، وهو من جمع مبلغا هزيلا للغاية. لم يتردد جيسون أو يرفض، فهو كان يدرك في قرارة نفسه أنه قادر على فعل ما هو أفضل من العام الماضي. هذه المرة اشترك 160 طالبا في الخطة الجديدة التي وضعها جيسون وأضاف لها فعاليات أكثر، وكانت النتيجة جمع تبرعات قدرها 2732 دولار.

في العام الثالث اشترك 353 طالبا في تنظيم الفعاليات، جمعوا معا تبرعات قدرها 16811 دولار. شهد العام الرابع تفاعلا أكبر وأشمل، إذ شارك 522 طالبا، والذين أحضروا معهم ذويهم وأصدقائهم ومعارفهم وجيرانهم، الأمر الذي انتهى بهم وقد جمعوا تبرعات قدرها 30722 دولار. في العام الخامس اشترك 793 طالبا والذين جمعوا 58709.24 دولار. خلال عشر سنوات، جمع طلاب هذه المدرسة ما مجموعه 535 ألف دولار من التبرعات، وأما أكبر قدر من التبرعات جمعوه في عام واحد فكان 102 ألف دولار.

في عام 2011 وقف جيسون ليخاطب الطلاب ويهنئهم على ما جمعوه من تبرعات، ورغم أن المبلغ هبط إلى 60 ألف دولار – ربما بسبب الأزمة المالية التي عصفت بأهل البلاد، لكنه شد على أيديهم وذكرهم بأن هذا المبلغ سيذهب في القنوات الصحيحة، فلا شيء أغلى من صحة الانسان. يشارك كثيرون في هذا الحفل السنوي، ولكل واحد قصة يرويها، فهذا خسر صديقه الشاب وهذه شاهدت والدها يمر بأزمة قلبية، فمرض القلب لا يوفر صغيرا ولا يترك سليما، وبفضل الله يمكن مقاومة أمراض القلب بالتغذية الصحية الخضراء وممارسة الرياضة بشكل دوري والرضا بقضاء الله والتسليم لحكمته.

على أن المال ليس الجائزة، بل العلاقات الاجتماعية التي يبنيها كل من يحضر هذا الحفل، فمن سيفوت فرصة إسقاط مدرسه في خزان ماء إن هو أسقط الكرة في السلة من مسافة بعيدة، ومن سيرفض إبراز قوة عضلاته أمام زميلاته وزملائه. هذا التفاعل القوي جعل مسؤولي جمعية القلب يحضرون الحفل ليراقبوا عن قرب أسباب نجاحه، وليشاركوا بما لديهم من معلومات عن هذا المرض وطرق مقاومته.

من 28 ألف مدرسة أمريكية، تأتي مدرسة جيسون في المقام الأول بأكبر قدر من التبرعات السنوية، ولأكثر من عقد من الزمان، الأمر الذي جعل جيسون مطلوبا لإلقاء الكلمات التي يشرح فيها سر نجاحه، وكيف نجح في إلهام الطلاب وذويهم وأقاربهم للمشاركة في جمع التبرعات. لم تعد مسؤولية جيسون قاصرة على طلاب فصله أو مدرسته، فهو يحاضر في شرق البلاد وغربها، شارحا مخاطر أمراض القلب، وضرورة العمل على التوعية بها، وما الأشياء الممكن عملها لخدمة هذا الهدف النبيل.

يقف جيسون ويحكي لهم كيف أن 630 دولار في العام الأول، وصلت به إلى ما وصل إليه. إن الانسان ليشعر وكأنه ملك الدنيا حين يعلم أنه قد ساهم في تغيير حياة انسان آخر للأفضل، فما بالك بتغيير حياة الصغار للأفضل، وجعلهم يغيرون حياة غيرهم بدورهم. لا تقلل من شأن أي بداية صغيرة، فما يهمنا هو أين ستنتهي.

18 ردود
  1. khadija
    khadija says:

    كلام اكثر من رائع “المهم اين ستنتهي”, العجلة, تشتث الافكار والتذمر في نظري هم أخطر اعداء النجاح.
    التركيز على الهدف والاستمرار في المحاولة افضل بكثير. ومن يدري ربما تفصلك ثواني على النجاح فلا تتعجل

    رد
  2. رشيد الطالب
    رشيد الطالب says:

    السلام عليكم
    في موضوع التبرعات , كنت شاركت في العديد من المناسبات في كندا لجمع التبرعات للمساجد الاسلامية او الجمعيات الخيرية, الغريب في الامر المبالغ المهمة التي تجمع رغم فقر الجالية الاسلامية في كندا, و يجمع في بعض الاحيان 160 الف دولار في ليلة واحدة…

    المشكل الذي يغلب على هذه التبرعات انها توجه الى بناء الحيطان و نسيان الانسان, فتبى المساحد رغم تواجدها بكثرة و يغفل بناء المدارس الاسلامية التي تكون النشء المسلم, لانه اصبح المسجد مشروعا استثماريا مربحا في الغرب, لما يتدفق على المسجد من اموال العطايا و الصدقات و الهبات, فحين تفتقر المدارس الاسلامية للدعم و المساندة…

    ثورتنا يجب ان تقوم على من اكرمه الله و جعله خليفة في الارض ليعمرها

    رد
  3. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    البدايات الصغيره ذكرتني برجل كنت اراه وانا صغير
    يركب دراجته ويقوم بتوزيع المواد الغذائيه
    حدث ان التقيت بقريب له سالته عنه
    قال
    اليوم هو كبير في العمر لكنه يشرف على توزيع المواد الغذائيه
    يعمل اولاده بنفس المهنه
    سالني هل تعرف العمارات في المنطقه الفلانيه
    قلت نعم ما شاء الله تبارك الله
    قال هي له ولاولاده واحفاده
    كلها جمعت من شيء بسيط
    شاهد القصه
    ليس بالضروره ان يجعلك مشروعك الصغير مليونير
    لكنه يغنيك عن الوظيفه وهم الدين ويجعلك في بحبوحه من العيش
    لا ياس مع اي بدايه ولو كانت صغيره جدا
    ودمتم سالمين

    رد
    • حنان طه
      حنان طه says:

      هذا ذكرني أيضا بقصة رجل بدأ حياته بشكل بسيط جدا , حيث كا يعمل مع ابيه في محل حلويات في دمشق ثم تزوج و كان لا يملك الكثير, عندما مات ابيه سافر مع اخوته الى الأردن و فتح محل بالإشتراك مع اخيه هناك , بعد ان سافر اخيه الى منطقة اخرى, اشترى مزرعة صغيرة فيها خمس ابقار و عامل واحد ليساعده, ثم اصبحوا 50 ابقار و 5 عمال من ثم مئة بقرة و خمسون عاملا و من ثم ثلاث مئة بقرة و مئتا عامل و هو اول من ادخل الحليب المبستر الى الأردن. و هو الآن عضو في الكثير من الجمعيات الخيرية .
      “من يبدأ بالقليل يحصل على الكثير”

      رد
  4. وسيم الاصبحي
    وسيم الاصبحي says:

    كثيرآ من بدؤا مشوارهم بشئ يسير وقليل,ولكن مع الأصرار وعدم اليأس أستطاعوا الوصول الي ما يسمون أليه. ولنجعل الفشل دروس لنا , والقليل اليوم يحصد منه الكثير غدا , والنجاح هدفنا ولنعمل على الحفاظ عليه أذا حققناه وهذا أصعب مرحله لنا . أذكر مثل يقول (من السهل الوصول للقمه ولكن من الصعب المحافظه عليها ) .

    رد
  5. وسيم الاصبحي
    وسيم الاصبحي says:

    كثيرآ من بدؤا مشوارهم بشئ يسير وقليل,ولكن مع الأصرار وعدم اليأس أستطاعوا الوصول الي ما يسمون أليه. ولنجعل الفشل دروس لنا , والقليل اليوم يحصد منه الكثير غدا , والنجاح هدفنا ولنعمل على الحفاظ عليه أذا حققناه وهذا أصعب مرحله لنا . أذكر مثل يقول (من السهل الوصول للقمه ولكن من الصعب المحافظه عليها ) .

    رد
  6. IMAD
    IMAD says:

    تعجبني مدونتك……….

    متابع لها باستمرار

    قد تكون البداية صغيرة ولاكنها فاعله لانها تكون على خطى واثقه

    لك كل التقدير على هذه المدونة الاكثر من رائعة

    وصلت اليها صدفة ……… ولكنها حفزة لدي اشياء كثيرة

    رد
  7. محسن شاهين
    محسن شاهين says:

    دائما اى بدايه كبيره يجب ان تكون ضغيره ليتعلم منها الانسان الخطا الذى وقع فيه من المره الصغيره والذى اعاقه عن نجاحه فيها بشكل صحيح

    رد
  8. طيبة العايدي
    طيبة العايدي says:

    كل شئ يبدأ صغيراُ ثم يكبر كالحبة في الأرض بعدما تزرعها لا تراها لمدة أيام وبعد أن تكبر تشق الأرض وترفع رأسها بكبرياء وتثبت للعالم أنها اقوى من الريح ..

    هذه هي سنة الحياة..

    رد
  9. محمود حسن
    محمود حسن says:

    هذا يذكرنا بقول الرسول الكريم، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها” .

    رد
  10. ابوالقاسم ابراهيم المحسي
    ابوالقاسم ابراهيم المحسي says:

    في مجال التجارة تكون الارباح في القطعة الواحدة صغيرة جدا-1جنية-
    لكن حينما تبيع منها كمية كبيرة -1000قطعة-تكون الارباح الف جنية وهكذا
    مشوار الميل يبدا بخطوة واحدة….وكل الحوادث مبدءها من النظر..
    والنارمن مستصغر الشرر…..
    ودمتم صالحين..

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك ردًا