بعدما قرأت أكثر من تعليق يمدحه، اشتريت كتاب The Power of Habit: Why we do what we do أو قوة العادة: لماذا نفعل ما نفعله بحكم العادة وكيف نغيره لمؤلفه شارلز دوهيج، الصحفي بجريدة نيويورك تايمز الأمريكية. تعرف شارلز على علم العادات حينما كان يغطي أخبار الغزو الأمريكي للعراق من بغداد العاصمة، منذ 8 سنوات مرت، ومنذ هذا الحين وهو يتابع هذا العلم ويتحرى أخباره وجمع لنا ما وجده في هذا الكتاب الواعد.
أول شيء أبهرني في هذا الكتاب هي المعلومة التي ساقها المؤلف حين أخبرنا كيف أن الجيش الأمريكي حل مشكلة المظاهرات المصحوبة بأعمال عنف في العراق، حيث تبين أن الجيش الأمريكي كان يصور هذه المظاهرات، ثم يرسل هذه الأفلام إلى علماء وخبراء نفسيين متخصصين في دراسة سلوك الجموع والتجمعات من البشر. (طبعا مشكلة مثل مشكلة المظاهرات في بلدي مصر على سبيل المثال حلها معروف، الضرب والسحل والتعذيب والتنكيل لخلق حالة رعب وهلع من رجال الشرطة. صانع القرار الأمريكي كان له طريقة أخرى، ذكية).
تحدث المؤلف في بداية كتابه عن ضابط أمريكي متخصص في السلوك البشري الجماعي، والذي أوكل إليه حل مشاكل المظاهرات العنيفة في مدينة الكوفة، وكيف أنه بعدما درس شرائط الفيديو التي صورت مظاهرات سابقة منذ بدايتها وحتى نهايتها، ذهب إلى محافظ الكوفة وطلب منه طلبا بسيطا: منع باعة الأطعمة والمشروبات من العمل في الشوارع والميادين الكبيرة. في البداية، لم يفهم محافظ الكوفة الحكمة من طلب هذا الضابط الأمريكي لكنه نفذه.
ثم جاء بعدها يوم الجمعة، وتجمع العراقيون بعد الصلاة خارج مسجد الكوفة، وأخذوا يتجمعون في البداية ثم ارتفعت أصواتهم ثم علت الأصوات والحناجر واشتد وطيس المظاهرة، ولم يتدخل الجيش أو الشرطة، لكن هذه المرة لم يكن هناك بائع جائل واحد يبيع طعاما أو شرابا. بحلول الساعة السادسة، شعر المتظاهرون بقرص الجوع والعطش، وبدؤوا يرحلون الواحد تلو الآخر، حتى انفضت المظاهرة على خير.
وأما تفسير ما حدث فهو كالتالي، من واقع الشرائط والأفلام، لاحظ الضابط الأمريكي أن المظاهرات لها نمط متكرر، فكما أن الانسان له عادات يكررها ويصعب عليه التوقف عنها، كذلك جماعات البشر حين تجتمع، إذ يكون لها عادات جماعية من الصعب جدا الحياد عنها.
كانت المظاهرات المصحوبة بأعمال عنف تتميز بأنها تبدأ بتجمع الشباب في أماكن مفتوحة، وخلال عدة ساعات ينضم إليهم المزيد والمزيد من الناس. حين يبلغ العدد حدا معينا، يبدأ الباعة الجائلون في الظهور والانتشار والحركة والبيع، وفي نفس الوقت تبدأ جماعات أخرى من الناس تقترب لتشاهد فقط ولغرض المشاهدة لا المشاركة، ثم بعدها بقليل يتبرع أحدهم فيرمي حجرا طائشا أو زجاجة، ثم يستعر جحيم التظاهرات المصحوبة بأعمال عنف.
حين تكرر هذا السيناريو في أكثر من تظاهرة، قرر الضابط الأمريكي حذف عنصر أساس فيه، ألا وهو باعة الأطعمة والمشروبات. مهما كنت قويا أو شديدا، فبعد ساعات تقضيها في حر الشمس والصراخ والزحام، ستكون بحاجة ماسة لطاقة جديدة تعين أجهزتك على الاستمرار. بدون الوقود لن تذهب بعيدا. هذا الضابط تعلم عشرة أشياء أخرى من مراقبة هذه الأفلام، وهو استخدمها طوال فترة خدمته في العراق، والتي شهدت شبه انعدام للمظاهرات المصحوبة بأعمال عنف.
الآن، ما الجديد الذي نتعلمه من هذه القصة؟ للجماعات عادات، مثلها مثل البشر، وإذا راقبت تصرفات وحركات هذه الجماعات، أمكنك الخروج بأفكار تستخدمها لتوجيه زمام هذه الجماعات بشكل يصب في مصلحتك. هل فكرت في تصوير زبائن محلك؟ المترددين على شركتك؟ زوار موقعك؟ وحين أقول تصوير هنا، لا أقصد به التجسس – بل المراقبة عن بعد. أنت لا تصور لتعرف من دخل محلك، بل لتعرف ماذا فعل من دخل وكيف مشى داخل محلك وماذا اشترى. هل يرحل عميلك لأنه جائع؟ مرهق؟ هل تواجد تجمع مطاعم بجانب محلك فكرة جيدة؟
بهذه القصة أثار هذا الكتاب إعجابي، فحتى أنا حين فكرت في طريقة سلمية لفض مظاهرة ما، لم أصل لحل منطقي وهو ما يترك المجال سانحا لعشاق العنف والسادية والبطش. الآن، الإخوان في العراق، حين تخرجون في مظاهرة سلمية احرصوا على أخذ تموين كافي من الطعام والشراب، واضحكوا للصورة!
بالتأكيد لنا عودات – بمشيئة الله – مع قصص من هذا الكتاب.
magdy
دراسة ما حولنا هو السبيل لحل المشاكل … شكرا أخى رؤوف
سمير الأديب
يبدوا من الكتاب ذات موضوع رائع ولكن استمتعت كثيراً بالتدوينة
محمد الدهيمي
أنا منشغل جدا يأمر العادات هذه الأيام …سأتابع إن شاء الله
محمد حبش
عندنا في سوريا يتم قطع البنزين عن البلد فلاتجد سيارة تسير، وتقطع الكهرباء فالكل ينام .. وتقطع المياه فالكل ينشغل بالتخزين .. وينقطع الخبز فالناس طوابير .. وينقطع الغاز فالناس تنشغل بالبحث عنه .. وهكذا تمضي الايام *_*
شبايك
والله يا طيب إن الوضع في سوريا وفي غزة وفلسطين والصومال وبلاد المسلمين عامة، كلها أوضاع صعبة على القلب وعلى النفس – والأمل في الله كبير أن يعيد لنا سابق عز وسابق مجد
محمد رفعت
أحسنت جزاك الله كل خير
باديس لونيس
صرت اتابع مدونتك باهتمام متزايد…لاني ببساطة استفيد واستمتع
عمر
هذه المقالة ذكرتني بمقالة النوافذ المكسورة التي اعتقد انني قراتها في هذه المدونة حيث ان تغيير الاسلوب الذي تتصرف عليه جماعة ما يعود الى تغيير التصرف الذي يقوم به الشخص المسؤول.
يوسف
رائعة هي المقالة، والقصة هي الأخرى ظريفة! 🙂
جميل أن نعود لنقرأ لك كما كانت المدونة في سابق عهدها.. بالمناسبة.. العنوان الطويل جعل عيبا صغيرا في القالب الجديد للمدونة يظهر.. في قائمة كتبت في مثل هذا اليوم.. يظهر العنوان الطويل فوق التاريخ.. ربما لم تنتبه لهذا فأحببت أن أنبهك..
شبايك
أشكرك يا طيب والآن فريق التصميم على علم بهذه المشكلة الصغيرة وبمشيئة الله يعالجون ذلك قريبا 🙂
محمد كرم
العنوان ليس مبهر ( عنوان الكتاب نفسه ) ولكن فكرة التجويع هى من حفزتنى للقراءه وبصراحه الف شكر لك للترجمه فهناك افراد لا يملكون الوسيله او الطريقه لشراء مثل هذه الكتب بارك الله فيك وبارك الكاتب على مشاركة العلم .
فى الحلقات القادمه ارجو ان تتطرق الى لماذا تم اختيار لون الكتاب ان يكون اصفر .
شبايك
بخصوص اختيار الغلاف، حتى الآن لم يشرح المؤلف ذلك، لكن وفق ما عرفته إن لون الغلاف أصفر في أمريكا، أبيض في انجلترا، ولعله مختلف في بلاد أخرى.
محمد كرم
شكرا . ولكن اعتقدت ان لون الغلاف له تاثير على المضمون او لفت الانتباه للشراء . واعتقد انه مرتبط بشكل ما لان اللون مختلف حسب البلد
شكرا لردك
هشام
تقريباً في عام 2000 حضرت محاضرة كانت عن جمعية علماء المسلمين في الجزائر والاحتلال الفرنسي فكان من الأشياء التي استخدمها الاحتلال أنهم استخدموا نفس الأسلوب في العراق منعو بيع المرطبات في الملتقيات لكنهم فشلوا في منع الحاضرين من التجمع طبعاً الظروف تختلف باختلاف نوعية وعادات البشر،،،
دائماً مواضيعك رائعة،،، بانتظار المزيد
Zaid
مرجباً ،
أخوان أنا من مدينة الكوفة في العراق ، و المدونة غاية في الروعة .
أبو عبدالله
السؤال الأهم في الموضوع: كيف استطاعت القيادة الأمريكية منع الباعة الجوالين من الانخراط بين جموع المتظاهرين ….هذا لوحده كان ليسبب غضب الناس (الباعة على الاقل) وحثهم على العنف؟؟
نظرية الفكرة مقبولة ولكن حتى لو كانت من شاهد عيان فإني أشك في سهولة تطبيقها !!
لعل الاخ شبايك يفيدنا مشكوراً فيما لو اوضح الكاتب كيف تم هذا.
شبايك
فعلها محافظ البلدة وليس القوات الأمريكية، ويبدو أنه محافظ بارع في عمله ^_^
مرشد محمد
تدوينة جميلة تسلم يا رؤوف 🙂
بمناسبة تصوير زوار موقعك .. يوجد ما يسمى بالـHeat Maps و هي خريطة حرارية تسجل اين يضغط زوار الموقع في اجزاء الصفحة و الى اي مستوى ينزلون (سكرول داون) و غيرها من التفاصيل .. مثل دراسة سلوك زوار الصفحة الذين أتوا من جوجل .. و زوار سلوك زوار نفس الصفحة الذين اتوا من اعلان مدفوع مثلاً .. او فيسبوك ..الخ .. تكتشف امور كثيرة تجعل افتراضاتك في مهب الريح. اغلبها خدمات مدفوعة و منها موقع crazyegg.com
ايضاً شاهدت في محل من محلات دبي مول انهم يحسبون عدد الزوار .. يضعون جهاز عند المدخل يحسب عدد الداخلين و الخارجين .. يعني Google Analytics بشري نوعاً ما 🙂
يوسف جمال
فيه طريقة برضه تمت فى مصر بس كانت عملية جدا : علشان يفضو المظاهرة راحو جابو أكتر من واحد بيبيعو بطيخ و نزلوهم للميدان اللى فيه المظاهرة فى وقت واحد و باعو بأسعار رخيصة جدا جدا و طبعا الشعب المصر ى ((أكيل)) فالكل اشترى و بعد ما اشترو كل واحد أخد بطيخته و روح و كل مظاهرة و إنتو طيبين 🙂
mohamed
تدوينة جميلة واللي بيعجبني في الامريكان انهم بيشغله دمغهم اكتر من اي حاجه تانية علشان كدا امريكا متقدمة جدا بالفكر
Hassan alkaisi
فعلا الفكرة الرائعه , انا عادة اضع نفسي بمكان الزبون وافكر كزبون , وبعدها اطرح الفكرة
سابحث عن الكتاب واشتريه
استاذ رؤؤف في فترة المظاهرات اتقفنا على تقسيم الى مجموعتين مجموعه تستريح ومجموعه تأتي 🙂
عبدالعزيز فارسي
مقالاتك جعلتني أحب القرائه , و هذا الموضوع في قمت الروعه , مشكور جدا على الجهود عسى الله أن يجعله في ميزان حسناتك 🙂
محمد أبو طه
طريقة جميلة ومفيد وأصيلة في الشرع لكبح جماح النفس من الانفلات
فقد شرع الله تعالى على المسلمين الصوم في السنة شهرا كاملاً على الأقل لحمل النفس البشرية على التواضع والعودة للجادة بعد عام من الشطط .
والرسول صلى الله عليه وسلم قال ” من استطاع منكم الباءة فاليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” أي وقاية من الوقوع في المزالق والرذيلة .
فبارك الله فيك على هذه المدونه المفيدة وأنا من متتبعيك منذ وقت ليس بالقريب .
عبد الرزاق
تماما اخي رؤوف .وجب التحليل والدراسة بدل استخدام العنف والقمع
اشرف حسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
استاذ رؤوف بارك الله فيك على هذه التدوينات الرائعة وما تقدمه لنا من تجارب ونصائح نستفيد منها
في الحقيقة لديك الاسلوب والمهارة الكافية والثقافة التي تسحرنا فيها لمتابعتك والتعلم منك ..
شكراً جزيل لك ..
سامي
عجيب
كيف من الممكن لشيء بسيط مثل الباعة المتجولين يأثر على على مسار مظاهرة كاملة
تدوينه رائعه
عمر محمد
مدونة جبارة .. لك الاحترام سيدي العزيز
محمود حمودة
انتا خلاص عديت لو عملت اعلانات على المواقع لمدونتك الناس هتسيب الفيس وتقرا هنا
samia
عودتنا مدونة شبايك علي علي ترجمة الكتب القيمة و تحميلها