دون فولتاجيو – سعر بيع ثابت لمدة 30 عاما
دون فولتاجيو ملياردير أمريكي ربما لم تسمع عنه حتى الآن لأنه رفض زيادة سعر بيع منتجه الشهير مشروب الشاي الأخضر أريزونا.
بلغ التضخم حاليا مستويات مرتفعة مؤلمة. ارتفعت أسعار كل شيء (عدا المرتبات) من وقود لكهرباء لكل شيء. كان سعر كوب الشاي الكرك الصغير في الخليج 1 درهم أو ريال. مع ارتفاع سعر كل شيء زاد سعره ليكون أقل شيء 1.5 درهم أو ريال. هذا الكوب مضرب المثل في أرخص شيء يمكن لك أن تشتريه من أي مطعم ما.
إلا أن القصة اختلفت في حالة شركة مشروبات أريزونا AriZona Beverages الأمريكية والتي اشتهرت بمنتجها الشاي الأخضر المعلب البارد ذي سعر البيع الثابت 99 سنت أمريكي منذ بدء بيعه منذ 30 عاما (وقت كتابة هذه السطور في 2022).
ضجت جماهير تويتر حين اشتكى أحدهم قائلا إن الأسوأ قد حدث، ثم نشر صورة لعلبتين من مشروب الشاي الأخضر أريزونا، واحدة ذات سعر 99 سنت والأخرى ذات سعر 1.29 دولار. هذا المشروب البارد اشتهر بمقاومته لزيادة سعره، ولذا حين يحدث ويزيد سعره فالأمر جلل خطير!
بسرعة رد عليه حساب الشركة الرسمي موضحا أن الأولى مقومة بالدولار الأمريكي، والثانية مقومة بالدولار الكندي، ومع سعر التحويل يبقى السعر ثابتا: 99 سنت أمريكي.
لماذا لم تسمع عن هذه القصة أو عن مؤسس الشركة دون فولتاجيو Don Vultaggio حتى الآن؟
(والذي لا تملك صفحته على ويكيبيديا ترجمة عربية)
لعل السبب أن شركته لا زالت حرة، لم تبع نفسها للشيطان، فهي لا تتبع بيبسي أو كوكاكولا وليست مضطرة للربح بأي وسيلة لترضى عنها بورصة أسهم أو مستثمرون.
يجيب مؤسس الشركة العجوز المخضرم دون فولتاجيو على السؤال: لماذا لا يزيد من سعر علبة الشاي الأخضر الباردة رغم الغلاء والتضخم قائلا:
الرجل العادي لا يحتاج لأن أزيد عليه سعر البيع أنا الآخر مثلما فعل بائع الخبر وبائع الوقود. علي أن أتعامل مع غلاء المواد الخام وتكاليف الإنتاج – مثلي مثل من يشتري منتجاتي. إذا زدت أسعاري قصمت ظهر عملائي ولن يفوز أحد نتيجة لتلك الزيادة.
تبلغ مبيعات الشاي الأخضر للشركة واحد مليار دولار سنويا، تمثل 25% من إجمالي مبيعات الشركة التي تنتج مشروبات أخرى بأسعار أغلى وفي عدة أحجام.
كيف حافظ فولتاجيو على سعر البيع دون زيادة؟ كيف استطاع منع المنتج من أن يحقق خسائر مؤلمة بدون خفض الجودة؟ عن طريق الخطوات التالية:
زيادة المبيعات بكل شكل ممكن حتى يمكن لهامش الربح الهزيل أن يكون أكبر.
زيادة سرعة الإنتاج وجعل آلات قليلة تنتج بسرعات عالية منتجات كثيرة.
عدم ترك وحدات كثيرة تقف طويلا في المخازن لضمان استمرار الربحية.
استخدام الطاقة المتجددة والألواح الشمسية لمد الآلات بالكهرباء اللازمة.
استخدام القطارات في الشحن عوضا عن الشاحنات لخفض تكلفة الشحن.
توصيل الشحنات ليلا لخفض تكلفة النقل والوقود.
استخدام نسبة ألمنيوم أقل في العلبة لخفض التكلفة.
صفر إنفاق على الإعلانات
لا تنفق الشركة أي شيء على الإعلانات. مقابل ذلك، تعتمد الشركة على علب مشروباتها للدعاية والإعلان، بالإضافة إلى منتجات مكملة مثل مأكولات معلبة وعصائر وحلوى وقهوة وملابس خفيفة وفانلات تلفت الانتباه.
التسويق بالمديح
أصبحت الشركة مضرب المثل في المنتجات التي تتحدى التضخم وزيادة الأسعار. حتى أن إشاعة غير صحيحة عن زيادة سعر منتجها الشهير جعلت الإنترنت تضج ولم تهدأ حتى قرأت رد الشركة بأن السعر لم يزد وسيبقى ثابتا رغم كل شيء.
عودة إلى عالمنا الجشع، حيث ستجد كل مدير وكل مؤسس يسارع لزيادة أسعاره حين تزيد أسعار المدخلات – ولا عيب في ذلك إذا بذل كل جهد ممكن لخفض تكلفة الإنتاج دون الجودة.
لا شك عندي أنه حين يرحل دون فولتاجيو ذو السبعين ربيعا ويخلفه أبناؤه – ربما كان أول قرار لهم زيادة السعر. حتى وإن حدث ذلك، فسيذكر التاريخ أن الرجل قاوم لأكثر من 30 عاما إغراء زيادة سعر بيع منتجه الذي منحه الشهرة والنجاح.
هنا يجب توضيح نقطة ذات أهمية كبيرة. سعر البيع 99 سنت لا زال يحقق له هامش ربح. ليس مثل قبل – لكنه يبقى ربحا رغم كل شيء.
لا تظن القصة تطلب منك ألا تزيد سعر بيعك ولو خسرت نتيجة ذلك.
بقاء كل شركة في السوق مرهون بتحقيقها أرباحا بشكل أو بآخر. إذا فشلت في تحقيق ربح توجب زيادة سعر البيع لتحقيق الربح. هذه حقيقة إدارية لا خلاف عليها.
على الجهة الأخرى، يجب ألا تجعل زيادة سعر البيع أول وأسهل قرار تتخذه لمعالجة زيادة تكاليف الإنتاج. ابحث أكثر عن وسائل وأفكار لا تضر الجودة وتخفض التكلفة.
دون فولتاجيو هنا استمر يحقق أرباحا عند سعر 99 سنت رغم كل شيء ولهذا توجب علينا الحديث عن كيف نجح في فعل ذلك.
في الوقت ذاته، دون فولتاجيو لديه منتجات أخرى ذات هامش ربح أكبر وأكثر راحة ذات مقاومة أعلى لارتفاع تكاليف الإنتاج.
تقدير مجلة فوربس الأمريكية لثروة دون فولتاجيو وأبنائه يبلغ 4 مليار دولار، جاءت كلها من مشروبات أريزونا.
سعر المشروب المماثل من الشاي الأخضر في السوق الأمريكية 1.79 دولار. شاي كوكاكولا الأخضر سعره 1.99 دولار بينما بيبسي تبيع مشروبها المماثل مقابل 2.09 دولار أمريكي.
بالحديث عن التضخم، هل تريد رعاية المدونة؟ هناك رابطين في العامود الأيسر، اختر أحدهما وفاجئنا!
وجود منتجات أخرى مساندة تدعمه في الحفاظ على سعره منخفضاً إضافة إلى ما ذكرته من عوامل أخرى مثل زيادة الانتاج و إلخ. و أيضاً هذه حركة ذكية بأن أجعل لي منتج في يد المستهلك البسيط و ينتشر بين هذه الطبقة لتشتهر الشركة و المنتجات الأخرى. وهنا علي أن أذكر و اشكر مطاعم البيك في السعودية و الاي عندما أدخلها ارى الغني و الفقير ياكل منه و خصوصاً الوجبة الأساسية وهي البروست و الذي حاولت إدارة البيك أن تبقي سعره منخفضاً قدر المستطاع وأن يكون سعره في متناول الجميع. أذكر بأني كنت أشتريه عام ١٤١٨ه ب ٩ ريال و بريال ببسي و أتقاسم الوجبة مع صديقي. سعره الآن في عام ١٤٤٣ه ب ١٧ ريال مع الضريبة. أي خلال ٢٥ سنة زاد السعر ٦ ريالات تقريبا بدون الضريبة، في ظل التضخم العالمي و المحلي و الضرايب على التجار.
البيك حالة جميلة من الوطن العربي تستحق الدراسة و أنا متأكد هناك حالات شبيهة تستحق الدراسة أيضاً.
شكرا لك أستاذ رءوف على مشاركة هذه المعلومات الرائعة
مقال جيد استاذ رؤوف ولكن عتابي على بعض الفقرات التي كانت تتنافى مع المنطق والواقع، المقالة تحاول إظهاره بصورة البطل المخلص النقي وسط الرأسماليين الأشرار وكأن زيادة الأسعار سببها الوحيد هو الجشع والرغبة في التربح، التضخم هو شر لا بد منه لأنه ناتج عن مسببات عديدة أحياناً تكون لأسباب طبيعية لا تدخل فيها للبشر، وبالتالي عندما يصر شخص على نفس السعر على مدار 30 عام ويخالف قوانين الطبيعة والاقتصاد فهذا الموضوع بالتأكيد له أسباب ما، ماذا مثلاً عن الأجور هل من المنطقي أنها ثابتة طوال 30 عام؟ الإهلاك ومصاريف تجديد المعدات وغيرها؟ أسعار الخامات والمنتجات الوسيطة؟
نعم بعضها مثلما أشرت إلى تخفيض حجم الألمونيوم أو عدم وجود ميزانية تسويق ودعاية، أيضاً المبيعات الضخمة وزيادتها السنوية يساهم في تعظيم الأرباح بشكل يغطي على المصاريف، لكن من غير المنطقي أن تكون هذه فقط الأسباب كلها، ربما هو يتربح أكثر من منتجات أخرى (كما هو واضح أن لديه منتجات أخرى) وربما يجعل مشروب أريزونا هو بمثابه flagship لباقي منتجاته وتقوم بالدعاية لها حتى ولو كان المنتج يخسر، ربما يكون له أعمال أخرى تؤمن له عائدات مستمرة، لا أؤمن بصورة الأشخاص القديسين وهذه الصورة المثالية فنحن لا نعيش في المدينة الفاضلة بكل تأكيد ولا الأمور مجرد قرارات تتحدى الواقع والظروف.
وأخيراً: لا أؤمن بفكرة إعتبار هذه الشركة مثال أو نموذج يمكن تعميمه لأنها تتمتع برفاهية قد لا تتوفر للأخرين، فهناك شركات مثلهاولكن عانت من انخفاض نسبة المبيعات وهذا بالتأكيد سيجبر أي شركة مهما كان نوعها على ضرورة رفع سعر منتجها بشكل يغطي هذه المصروفات، هناك الكثير والكثير من الظروف تجبر أي شركة على تغيير سعرها ولو طفيف مثل الأوبئة والحروب والنزاعات أو الأزمات كلها أسباب طبيعية لا يمكن التحكم فيها مطلقاً.
أشكرك يا طيب وكلامك صحيح وأعتذر إن كان كلامي أظهر الرجل بصورة البطل، في حين كان هدفي جعل عدم زيادة السعر هو البطل.
الرجل كما قلت، ملياردير ولديه أصول وحسابات بنكية لا ندري لها نهاية، لكنك ستوافقني حين أقول أن الرجل كان بإمكانه زيادة السعر وعدم الإكتراث، ومرة أخرى لم يكن ذلك ليؤثر على ثروته الطاغية. الرجل أيضا لم يبع شركته إلى عمالقة صناعة المشروبات مثل بيبسي أو كولا، ولو فعل لربح المزيد من الملايين.
اختياري لهذه القصة كان هدفه إطهار أن هناك خيارات أخرى غير زيادة السعر، خيارات تعتمد على التفكير الذكي خارج أي صندوق.
كما قلت أنت، قرار عدم زيادة سعر البيع لن يناسب الشركات الصغيرة بسهولة – لكني أعرف كذلك أن مرونة الشركات الصغيرة على اتخاذ القرارت السريعة أكبر من تلك في الشركات الكبيرة. في بدايتها، أوبر لم تملك أي سيارة تاكسي لكنها اليوم أكبر مشغل لها. قس على ذلك الكثير.
ختاما، فقرتك الأخيرة هي مكمن الخطر يا طيب…
الشعور بأنه لا يمكن عمل شيء وأن زيادة الأسعار أمر حتمي – مبرر يعيطك إحساسا زائفا بأن الأمر كذلك فعلا، حتى يأتي منافس – لم يستسلم للأمر الواقع – بفكرة غير متوقعة وينافسك في الأسواق ويجبر غيره على الخروج – أو التقليد…
ولهذا السبب ذكرت هذه القصة. هناك دائما حل غير متوقع وغير مسبوق – صعب الوصول إليه لكن ليس مستحيلا.
فما رأيك الآن؟