كيف يجب أن تتصرف الشركة رائدة السوق؟ ضوابط وموانع

,

لهذا الملخص جزء سابق تجده هنا.

كيف تتصرف الشركة رائدة السوق؟
الفصل التالي من الكتاب يعرض رؤية المؤلفين لطريقة تصرف أول السوق في فئة ما، حيث رأوا من واقع خبرتهم أن الشركة الأولى في مجال ما، والتي أعلنت عن نفسها في مجالها قبل أي منافس آخر، فكانت الأولى في دخول عقول المشترين، حصة هذه الشركة من السوق تكون ضعفي الشركة الثانية في الترتيب، وأربعة أضعاف الثالثة (هذه الحصص تقريبية). في أي مجال، ستجد الاسم التجاري الأول في عقول الناس يبيع أكثر من الثاني. في بعض البلاد العربية تأتي تويوتا كأول سيارة في ترتيب أفضل السيارات في عقول المشترين في هذه البلاد. ثم تأتي نيسان أو هوندا أو فورد. بشكل تلقائي، ستجد أن أرقام مبيعات الشركة الأولى ضعف الشركة الثانية في الترتيب داخل عقول المشترين.

مشكلة المشاكل تقع حين يظن الأول أنه قادر على كسر القانون الذي جعل منه الأول، بمعنى، نعرف كلنا أن شركة زيروكس هي أول وأفضل شركة تصنع ماكينات تصوير الورق. ماذا حدث حين دخل العملاق آي بي ام معترك تصنيع ماكينات تصوير الورق؟ فشلت بجدارة في تحقيق حصة مربحة من سوق بيع تلك الماكينات، حتى اضطرت لبيع القسم كله لشركة كوداك في عام 1988. آي بي ام أكبر وأفضل وأحسن على أصعدة كثيرة حين نقارنها بشركة زيروكس، لكن زيروكس كانت الأولى في مجالها وتحصنت بقوة في هذه المرتبة، ولذا من الصعب جدا زحزحتها عنه، ولو كنت آي بي ام.

الشيء ذاته فعلته شركة كوداك في الماضي حين باغتتها شركة بولارويد بإنتاج الكاميرا الفورية التي تطبع الصور الملتقطة فورا. مجال جديد تماما وأسرعت شركة جديدة لكي تكون الأولى فيه، ولذا حين دخلت كوداك هذا السباق، خسرته ولم تتمكن من بيع كاميرات فورية كثيرة رغم كل الجهود التسويقية.

على الجهة الأخرى، هناك مواقف أخرى تجد فيها أول وثاني السوق قريبين جدا من بعضهما في نظرة الناس وتقييم المشترين لهما، مثل مشروبات بيبسي و كوك. مرة تتقدم هذه ومرة تتأخر، لكن المشكلة تكمن في عقول المستهلكين، فهم لا يحبون أي سؤال له أكثر من إجابة، ويفضلون الإجابات الواضحة بدون أي خلاف أو غموض. في مثل هذا الموقف، على من يريد أن يكون الأول أن يعطي هؤلاء المترددين أسبابا وجيهة ليجعلوه الأول داخل عقولهم.

أخطاء قادة السوق
كم مرة شاهدت فيها إعلانا يزعم صاحبه أنه الأول في مجال ما؟ لقد عرفنا السبب وراء زعم مثل هذا، لكن صاحب مثل هذا الإعلان لم يقرأ كتاب التسويق حتى نهايته، فحين يتباهى أحدهم في إعلانه بأنه الأول في مجال ما، رد فعل المشاهد سيكون الظن بأن القائل غير واثق من نفسه ولذا لجأ لمثل هذه الإعلانات ليؤكد لنفسه ذلك، لكن المشاهد له رأي آخر. على الصعيد النفسي، أي إعلان يحوي كلمة الأول سيكون له مردود سلبي، إما أن يكون الزعم صحيحا وفي هذه الحالة سيتساءل الناس لماذا يكرر الأول حقيقة أنه الأول؟ حتما لأنه يواجه صعوبات جمة وهذا أمر مقلق. أو أن يكون الزعم كاذبا والكذب لا يذهب بعيدا بصاحبه. حين تجد أحدهم يصيح أنا قوي ويكررها، ما الذي سيتبادر إلى ذهنك؟ لماذا التكرار ولماذا هذه المعلومة تحديدا، ثم ستظن به الظنون، ولن تصدقه، ما لم ترى الدليل القاطع.

كانت كوكا كولا تستخدم جملة أنها الشيء الحقيقي The Real Thing ما يجعل أي شيء آخر تقليدا. كان يمكنها أن تقول أنها الأولى، لكن ربما كانت الأولى لرخص ثمنها أو أنها تبيع أعدادا كبيرة من منتجاتها، أما كونها الشيء الحقيقي فهذا أثقل في ميزان تقدير المشترين.

العدو الأول لأي ناجح هو النجاح السريع، إذ يفقده صوابه ويظن أنه عبقري لا يعرف الخطأ إليه سبيلا. حين تظهر توجهات جديدة في السوق، يسارع أول السوق للسخرية منها ويقلل من شأنها، وهذه بداية النهاية. حين لمع نجم محركات الاحتراق الداخلى الدوارة (محرك فانكل – Wankel) في فترة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، سارعت شركة جنرال موتورز الأمريكية لصناعة السيارات واشترت ترخيص استخدام هذا الاختراع الجديد ودفعت 50 مليون دولار. ما حدث بعد ذلك أن هذا المحرك الجديد لم يحقق نجاحا تجاريا ملموسا، فهل رمت جي ام نقودها في الماء؟

يمكنك قول ذلك، لكن الأدق أن تقول أن الشركة حافظت على استثمارات قدرها أكثر من 8 مليار دولا في هذا الوقت، بأن أنفقت 50 مليون دولار فقط. لو كان هذا الاختراع الجديد أثبت كفاءة وأزاح المحرك البخاري الذي نعرفه عن عرشه، وكانت جي ان أول من اشترى حق استغلاله تجاريا، فهي ستكون بذلك الأولى في السوق الجديدة وكانت ستحافظ على مكانتها وأرباحها. على الجهة الأخرى، لو تجاهلت جي ام هذا المحرك الجديد واستغله منافسوها، وأثبت نجاحه، لكانت هذه نهاية جي ام!

الخطأ القاتل التالي في الخطورة هو حين تظن الشركة أن قوتها نابعة منها لا من منتجاتها، والعكس هو الصحيح، فقوة الشركة نابعة من مدى قوة منتجاتها في السوق، والذي يعتمد بدوره على الموقع الذي تحتله هذه المنتجات في عقول ومخيلات الناس. نعرف جميعا شركة زيروكس بأنها من ابتدع ماكينات تصوير الأوراق، فقط، ولذا حين حاولت زيروكس دخول معترك تصنيع الحواسيب، فشلت في ذلك وخاصمتها المبيعات وفارقتها الأرباح، لأنها لم تكن الأولى في هذا المعترك، رغم أنها أهدت العالم مخترعات مفيدة للغاية، مثل الماوس والواجهة الرسومية وأهدتهما بكل سرور لستيف جوبز والذي أخذهما وبنى عليهما نجاح امبراطوريته ابل.

ألتو Alto صنعته زيروكس في عام 1973 وجعلته يعتمد على واجهة رسومية متقدمة ووفرت له الماوس والتشبيك عبر ايثرنت مع طابعة ليزر في نظام متكامل قائم بذاته. رغم كل التطور التقني لم يبع منه ولو وحدة واحدة

ولعل الخطأ الأخير يكون تجاهل أي رائد وقائد للسوق لعدوه الأول: التغير. عادات الناس تتغير، وتوجهات السوق تحبك اليوم وتتجاهلك غدا، وتتغير الأذواق ويهجرك المعجبون ويفر منك المشترون. ولمواجهة هذا المظهر الطبيعي للحياة، تجد كبار الشركات تدفع بمنتجات جديدة في الأسواق، تحت اسم جديد وإدارة مختلفة، وتجعل المنتج الجديد الثاني في السوق بعد منتجها الأول. بذلك، تباعد بينها وبين المنافسين، فهي تضمن المركز الأول والثاني، وكذلك تجعل هناك مسافة أمان، حتى إذا تغيرت أذواق الناس، أو تغيرت السوق، فانقلبت ضد المنتج الأول، سارع المنتج الثاني ليحل محله ودفعت الشركة بمنتج جديد ليكون الثاني وتحافظ على حدودها الآمنة مع المنافسة.

ذلك يفسر لنا لماذا تملك شركة واحدة عدة أنواع من صابون الغسيل، ولهذا نجد عشرات الأنواع من شامبو الشعر قادمة من شركة واحدة، ولهذا تجد الشركات الكبيرة تأكل / تندمج مع / تبتلع الشركات التالية لها. إنها الحرب الاستراتيجية من أجل البقاء طويلا في أذهان المشترين!

وهنا حيث أقول: فاصل ثم نواصل.

على الجانب:
أعتذر لتأخري الطويل في الكتابة، حيث أني فهمت السبب الذي من أجله قال الشاعر العربي: سئمت تكاليف الحياة…

13 ردود
  1. عبدالسلام المودن
    عبدالسلام المودن says:

    رائع استمتعت بالقراءة وانا اقراء واحاول اسقاط هذا المنظور على الواقع الذي اعيشه شيئ رائع لم اتفطن له

    مثال موقع الهوتفايل لم كان يدعم نظام الارباح فارباحه لم تتجاوز 15 لكل 1000 تحميلة و ترتيبه على العالم كان 300 و هناك مواقع اخرى كانت تدفع 40 دولار ولكن تجد ترتيبها 4000
    الاول في السوق يستفيد من بعض الاشياء
    ثقة المستخدمين
    الاخلاص
    وتعاطف اي حب دعم الافكار الجديدة و التي تكون غريبة وهي ماتجلب لها هالة اعلامية كبيرة ينالها الثاني فقط لمقارنته مع الاول ام الاول فيحضى بالاعلان له و بمقارنته مع الاخرى
    وهناك المزيد من الامثلة التي لاحصر لها
    بالنسبة لتاخرك في التدوين فهو جيد بالنسبة لي حيث اتلهف كل مرة لقراءة التدوينة التالية والتي تعطني القدرة على اكمال التدوينات الكبيرة لاني امل دائما من المقالات الكبيرة ههه انشاء الله اتخلص من هذا العيب انا لها ان شاء الله

    شكرا على التدوينة

    رد
  2. محمد امين
    محمد امين says:

    فهمت السبب الذي من أجله قال الشاعر العربي: سئمت تكاليف الحياة…

    ——–

    ههههههه
    شيئا فشيئا اخي شبايك
    ننتظر التدوينة القادمة ….

    تحياتي

    رد
  3. إيمان
    إيمان says:

    حديثا بدأت أتابع هذه المدونة وأعتقد كما قال بعض الأخوة سابقا أنها أفضل المدونات العربية
    *****
    بالنسبة لموضوع الأول والثاني في السوق..لا أدري لماذا قفز إلى ذهني هذا المثال لكن أردت أن أتشاركه معك أخي رؤوف وأحببت أن أعرف رأيك به

    المنشد سامي يوسف كان هو أول من أصدر ألبوما وصور كليبا باللغتين العربية والإنجليزية، وحقق نجاحا منقطع النظير.
    لكن بعده ظهر المنشد ماهر زين وصعد بسرعة الصاروخ وبرأيي الشخصي فقد أزاحه عن القمة تماما وأصبح هو رقم واحد في سوق الأناشيد الإسلامية، ويمكنك التأكد من ذلك عن طريق صفحتيهما على الفيسبوك لترى الفرق في عدد المعجبين.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      أظنها من ضمن خواص البشر، فنحن هنا نتكلم عن بشر لا منتجات صلبة لا حياة فيها. ولعل هذا يجعلها تقع ضمن نطاق الحالات التي يكون الأول و الثاني متقاربين جدا، وعلى من يريد أن يكون الأول أن يبذل المزيد من الجهد ليتميز…

      رد
  4. عاطف عبدالفتاح
    عاطف عبدالفتاح says:

    أشكرك أستاذي شبايك
    ولكن كيف أن نحدد موقعنا في السوق مع وجود هذا الكم من المنافسين
    فالشركة الصغيرة ليست بالأول والثاني ولا حتى العاشر

    رد
  5. رضوان
    رضوان says:

    بارك الله فيك اخ رؤوف

    يجب التجديد ومتابعة أذواق الناس والتغيرات

    حين اصدرت شركة ابل جهاز الايفون كانت نوكيا متربعة على عرش شركات تصنيع الجوالات واكثر اجهزتها مبيعا صدر في تلك الفترة.
    لم تقرا نوكيا السوق ولم تؤمن بتقنية اللمس. والاغرب انها ثلاث سنوات قبل صدور الايفون انتجت جهاز لمس جديد ولكن حين تجربته وعرضه على عينه من الناس لم يتقبلوه فتم الغاء المشروع. وحين حقق الايفون النجاح راوا انه مجرد لفتره قصيره ومحدود. وزاد خطائهم ان جهازهم ال- ان 95 حقق وحطم اعلى المبيعات.
    سامسونج عرفت اتجاه السوق واصدرت عشرات الأجهزة التي تعمل باللمس. وبتكنولوجيا متعددة.
    وحين دخلت نوكيا مجال شاشات اللمس فشلت في القراءة ثانيه .
    فقد استعملت تكنلوجيا في شاشة اللمس غير تكنولوجيا ابل. لأنها كانت الافضل اذا استعمل الجهاز للاتصال كهاتف. وابل استعملت تكنلوجيا افضل للألعاب. نوكيا فاتهم ان الأجهزة اليوم للألعاب والتصفح. وليس مجرد هاتف.
    وفشل اخر كان رهانها على السمبيان الذي لم يكن ملائم لشاشات اللمس فاصدروا اجهزه لمس فشلت بسبب السيمبيان لآنه غير ملائم للمس بشكل كامل. وحين قاموا بتغييره هذه السنه كان القطار قد فاتهم.
    ارى الموضوع ليس تطور التكنلوجيا وانما قراءه للأفكار والتغيرات

    رد
  6. رياض
    رياض says:

    أخي رؤوف أسأل الله تعالى أن يبارك في جهدك الرائع في إفادة الجميع وإلهام وإلهاب الحماس فينا.
    كم استفدت منك ومن مقالاتك.
    أسأل الله تعالى أن يكرمكم وأن يبارك جهدكم

    رد
  7. صلاح الدين من الجزائر
    صلاح الدين من الجزائر says:

    هذه أول مرة أشارك فيها معك يا رؤوووووف ،بعدما كنت في قائمة المشاهدين والقراء الصامتين هل تعلم انك صاحب فضل كبير عليا ولولا كتبك ومقالاتك لكنت في…لك مني فائق الشكر والتقدير أنت قدوة لي

    رد
  8. مولاي عبد الله
    مولاي عبد الله says:

    تجنني إحدى شركات الإتصالات الخلوية هذه الفترة.بتكرارها الممل للإعلانات في الجرائد أنه الأولى وطنيا.

    غير أني أظن مسوقيهم من الذكاء بحيث قرأوا ختى آخر الكتاب.فهم دائما ما يضيفون لعبارة “أن نكون رقم 1 يعني 17 مليون مشترك+ يضيفون إليها كلاما آخر (عير مهم في العادة)” وأظن ذلك له تأثير على نفسية العميل فهم لا يعطونه سببا للك بأنهم كاذبون بل يعطونه سببا وجيها -نسبيا- لكي يقتنع بأنهم الأوائل والأفضل.
    ————–
    ف4:مشروبات بيبسي وكوكا.
    ف8:8مليار دولار.

    —————
    ملاحظة جانبية بشأن مقولة سئمت تكاليف الحياة.
    أظننا لا نمل تكاليف الحياة ونسأمها بكل ما فيها.بل تصرفات الناس معنا وأمور الحياة اليومية ومشاغلها. والحل الأمثل هو تقبلها والتماشي معها. وأيضا بكل تأكيد أخذ قسط من الراخة والإبتعاد عن تكاليف الناس 🙂 ولا أقصد بهذا الإبتعاد عن التدوين والكتابة، فهناك نحن من سنسئم تكاليف الحياة بدون تدويناتك التي تعطينا الأمل.
    أستاذنا،بارك الله فيك وفي جهدك ووقتك.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      قصدي بتكاليف الحياة وسئمي منها، هو أنها كثيرة متكاثرة لا تعرف التراجع، ورجائي أن أجد الوقت والذهن والجو لقراءة الجديد فأكتب ما يفيد.

      رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *