إذا كنت تعرف ما تريده

لاحظت في بعض التعليقات على مقالتي السابقة عن قصة المثابر ماكسي فايلر، التساؤل عن جدوى الاستمرار في المحاولة لمدة ربع قرن من الزمان، وقبل أن أرد على هذه الأسئلة، أود أن أشارككم جملة مكتوبة أعلى مدخل جامعة بيركلي في كاليفورنيا، قالتها الفيلسوفة الانجليزية جورج إليوت، والتي يقول منطوقها الإنجليزي: It is never too late to be what you might have been والتي يمكن أن تكون ترجمتها أن الوقت لا يتأخر أبدا لتكون ما كان يمكن لك أن تكونه.

هذا يقودنا للحديث عن أحد أهم نعم الله عز وجل على عبيده من البشر، نعمة معرفة ما الذي يريده الواحد منا في هذه الحياة، وما الذي يريد أن يكون عليه، بمعنى، هل تعرف المجال الذي تحبه فعلا، وتكون مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل أن تعمل فيه؟ هل أنت مستعد لترك بلدك وأهلك والسفر لتلقي العلم أو للانخراط في مهنة غير متوفرة في محيطك؟ هل أنت مستعد للاستمرار في المحاولة حتى تفارق الروح الجسد، وتكون سعيدا بذلك وقتها؟

ماكسي فايلر أحب مهنة المحاماة، وأحبها لأنها تعيد الحقوق إلى من سُـلبت منهم، وهو أراد الجانب النبيل من مهنة المحاماة، ولعلي نسيت أن أقول أن ماكسي لا يترافع في جميع القضايا، مثل قضايا الإفلاس وما في حكمها، وعندما بحثت عن تعليق ماكسي على عدم نجاحه في 48 اختبارا، وجدته يقول أنه مؤمن أنه نجح في كل اختبار، لكن المصححون هم من لم يوافقوا على نجاحه، ذلك أن إجاباته كانت تميل إلى طريقة الدفاع النبيل عن الحق، بدون استعمال الإطناب الذي اعتادت عليه بقية جوقة المحامين.

إذا كنت تعرف في داخلك ما الذي تريد أن تكونه، وتعرف هدفك في الحياة، ذلك الهدف الذي لو كان تحقيقه يعني أن تتنازل عن كل ما تملكه، لفعلت عن طيب خاطر، هدف يجعلك في أحلك الظروف تبتسم وتشعر بالسعادة لأن حصيلة يومك في النهاية جعلتك تقترب من تحقيق هذا الهدف، فأنت ساعتها تملك كنزا من كنوز الدنيا، فلا شيء يعادل نفسا راضية من داخلها بما يفعله صاحبها.

هل مارس ماكسي المحاماة بعد مرور 25 سنة في الاختبارات؟ لقد مارسها كل يوم من أيام الاختبارات والاستعداد لها، لقد كان يكتب المرافعات وافتتاحيات القضايا لغيره من المحامين، ثم لأبنائه الذي امتهنوا المحاماة، هل مارسها بعدما نجح في الاختبار وحصل على الإجازة وسنه 61 عاما؟ لقد بحثت ولم أجد خبرا يدل على وفاة ماكسي أو تقاعده عن العمل في وقتنا الحالي، ولذا سأفترض أن نجمه لا زال يسطع في سماء المحاماة ورد المظالم وحفظ الحقوق.

لا تعارض بين ما فعله ماكسي، وبين الحكمة القائلة إذا باءت كل محاولتك بالفشل، اذهب إلى مجال آخر وحاول فيه، فليس الأمر عنادا أو رغبة في أمر خيالي لا يمكن حدوثه، ماكسي كان لديه رغبة عارمة في الممارسة النبيلة للمحاماة، وهو بذل من عمره ربع قرن من الزمان – عن طيب خاطر –لتحقيق حلمه هذا، وهو حلم مشروع، قابل للتحقق، وحصل عليه في النهاية.

إذا كنت حقا تعرف ما الذي تريده، فهنيئا لك، لكن لا تفـرّط في هذه النعمة وتتركها تضيع، ولو بذلت عمرك في الحفاظ عليها، فكم لدينا من أقوام ونساء عاشوا رؤية غيرهم لهم، ولم يغامروا ويجازفوا بخوض غمار تحقيق رؤيتهم هم. ماكسي فايلر لم يندم لحظة على 25 سنة من المحاولات، فهل أنت مستعد للتضحية مثله؟ عندما ترقد على فراش الموت، وتسترجع ما فعلته في هذه الدنيا، هل تريد أن يقال فعل كما قيل له، أم فعل ما أراده في حياته وعاش رؤيته ومات راض عن نفسه، أم مات وهو يحاول بلوغ هدفه؟ الأمر إليك.

31 ردود
  1. الشرق
    الشرق says:

    صحيح اخي شبايك

    المبدأ مهم جدا فالحياة فانية ولا ننسى ان الهدف الاساسي الذي خلقنا من اجله هو عبادة الله ولا تنسى نصيبك من الدنيا.

    رد
  2. نواف
    نواف says:

    في يوم .. عرفت ما الذي أريده بالضبط
    اكتشفت أني كنت أسير في الطريق الخاطئ! .. اكتشفته متأخراً للأسف!
    كنت وقتها في سنتي الأخيرة في الجامعة .. عندها قررت تركها .. وأن أمضي في طريق هدفي
    واجهت الكثير من الانتقادات والمشاكل بسبب هذا القرار
    لكن لم أتراجع عنه أبداً .. لأني أحب أن أعيش كما أريد لا كما يريدوا!
    وبعد 3 سنوات من المحاولات
    انا على بعد بعضة أسابيع -إن شاء الله- من تأسيس شركتي .. والتي ستكون البداية الحقيقية لحلمي بإذن الله
    اسأل الله التوفيق ..

    اشكرك استاذ رءوف على مقالتك .. فقد أنارت طريقي خصوصا التي تتعلق بالمشاريع

    رد
  3. ماهر يحيى عطية
    ماهر يحيى عطية says:

    لقد سعدت ببقية حكاية هذا المحامي النبيل الذي لم نكن نعرف بقية قصته .
    وأنا سعيد لأنني قلت في تعليقي الأول أن المحامي أثبت بنجاحه أن إختبار ممارسة المحاماة راسب.
    وأنا مثله في كثير من الجوانب إلا أنني لم أنجح بعد في نظر الناس ولكني والحمد لله ناجح في نظر نفسي.
    ربما بقي لي أربعة عشر عاماً حتى أصل لعمره وبالتالي أنجح ههههه. وربما سبقني أبنائي مثله.

    رد
  4. عماري عمران
    عماري عمران says:

    لا أدري لماذا نسأم من كلمة المثابرة، لا أحد يسمع خبر أولئك الذين سئموا من المحاولة، أما أولئك المثابرون فهم الخالدون.. الذي يكرر المحاولة 25 مرة ليصل لهدفه، آمن أن ذلك الهدف هو بغيته، ورسالته.
    المحاولة بحد ذاتها تجربة تهيئك لتكون على استعداد كامل عن الوصول.

    رد
  5. حــســـن
    حــســـن says:

    المثابرة و المصابرة و شحذ الهمة لبلوغ هدف ما رغم العثرات و العوائق شيء لاشك جميل ، و لكن قليل هم الذين يمتلكون مثل تلك الإرادة الفولاذية التي يمتلكها صاحبنا فايلر.
    و لكن سؤالك الأخير ، لمن تفكر فيه يجعل كل صعب هين ، فساعة الموت هي ساعة الحقيقة التي نعرف فيها إن كان طريقنا الذي سلكناه و أهدافنا التي رسمناها ، أهدافا صحيحة نابعة من ذواتنا ، أم أنها لم تكن إلأ اتباعا لفلان أو علان.

    رد
  6. جوهري
    جوهري says:

    أعتقد أن الكثير منا يعرف جيدا ما يريد. لكن المشكلة هي في السعي للوصول لما نريد. والإصرار وإعادة المحاولة تلو المحاولة.
    الكثير منا ييأس من أول محاولة وينتظر أن يأتي له ما يريده بدون أي جهد يبذله.

    رد
  7. قبطان
    قبطان says:

    السلام عليكم
    الاكيد ان هذه التدوينة قد انارت جزءا من هذه الشخصية التي يحتذى بها في الصبر و المثابرة….ولو اني اعتقد ان اي واحد منا قد يعرف هذه التفاصيل لو تكبد عناء البحث في جووحل او غووغل لكن اسلوب الاخ شبايك هو بحد ذاته متعة للقارئ.

    رد
  8. حمد الشايع
    حمد الشايع says:

    Yeah. It’s never too late 🙂

    اعجبني اصرار ماكسي ومحاولاته التي لم تتوقف الا بحصولة على مايريد،
    كنت في الجامعة، في آخر ترمين قد صابني الملل والضجر منها، وفي آخر ترم لم يكن لدي سوى مادة واحدة وكانت المادة مقسومة على جزأين انهيت الجزء الاول في الفصل السابق وآخر جزء كنت ادرسته لوحدة في آخر ترم. ولأنها مادة وحيدة وفي الترم الاخير جمعت كل طاقتي وجهدي لإنهاء هذه المادة بدرجة جيدة ترفع معدلي، وبعد انتهاء الاختبار والذي كنت متأكداً من حلي له بشكل استثنائي ظهرت النتيجة .. وكانت مفاجئة لي .. F ..راسب!! لوهلة بسيطة اصابني اليأس خصوصا انه يجب علي ان اعيد دراسة المادة بجزئيها، وكل جزء في ترم، اي انني احتاج سنة اخرى حتى انتهي.. حسيت وقتها ان حياتي الجامعية انتهت ، ولكن بعد مراجعة الجامعة اتضح وجود خطأ حسابي من قبلهم ادى لعدم اجتيازي المادة، والحمدد لله قاموا بتعديله ولم اضطر لإعادة السنة 🙂
    الشاهد:ليتنا كماكسي ، فالانسان لايجب ان ييأس ابداً.

    شكرا لإيراد القصة

    رد
  9. رولا /سورية
    رولا /سورية says:

    اولا بحب اهنيك سيد رؤوف على المدونة الرائعة و ربنا يزيدك من علمه كمان و كمان
    بصراحة بهذه المقالة حطيت ايدك على الجرح بس شو الفايدة اذا كانت الهمة ضعيفة.
    بطلب من حضرتك مقالة عن علو الهمة و كيف نصل اليها.
    صدق سيدنا عمر بن الخطاب بقوله:لا تصغرن هممكم فاني لم ار اقعد عن المكرمات من صغر الهمم
    و لك جزيل الشكر

    رد
  10. بسام
    بسام says:

    أعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة ويمارس مهنة المحاماة، هناك الكثير من المقالات الانجليزية التي تتحدث عن تجربته.
    إذا كان الهدف الذي حددناه يستحق كفاحنا ، فما يمنعنا إذا من المحاولة للوصول إليه ، ولوبعد حين؟

    رد
  11. لما
    لما says:

    رائع .. الحمدلله اعرف ما اريد .. واراه يتحقق امامي شيئا فشيئا ،، الحمدلله .. احساس رائع وشعور يومي بالتفاؤل ..

    رد
  12. أنا-الريس
    أنا-الريس says:

    لا..اعلم..لم..اعترض..بعض..الناس..وهذا..حقهم
    ولكن..بعض..الاشخاص..في..هذه..الدنيا..الم..يحققوا
    احلامهم..واهدافهم..ماتوا..وهم..احياء..احيانا
    الواحد..بيلتبس..عليه..لما..أنا..هنا..وماذا
    فعلت..من..أجل..نفسي..وهناك..اخر..يفضل..أن
    يأكل..ويشرب..وينام..ويصحو..ليأكل..ويشرب..وينام
    ودواليك..أري..ان..مغامرته..تستحق..المغامرة
    رغم..طولها..انما..هي..مغامرة..تستحق..العناء

    رد
  13. حسين - فلسطين المحتله (48)
    حسين - فلسطين المحتله (48) says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بسم الله الرحمن الرحيم

    صحيح جداا ما قلته

    لكن اخر جمله يجب ان تكون: هل تريد ان تلقى الله وانت تنجز رسالتك التي ستسأل عنها ؟ ام قضيت حياتك في تنفيذ ما يمليه عليك الناس.

    فالاولى طريق الحق والاخرى طريق الضلال والشتات

    رد
  14. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    الاخوة الكرام
    متلازمه الامتحان هي الحاله التي يعتقد فيها الشخص انه هو الصح وباقي العالم على خطأ
    فيكتب في الامتحان كل شيء يتعلق بالماده الا تلك التي يريدها المصحح
    مثل قصيده شعريه معينه مطلوبه في الاختبار يحضر حصاحبنا ديوان شعر الشاعر
    ويحفظه عن ظهر الغيب
    ومن ثم
    لا يحفظ تلك القصيده المطلوبه

    وقد ذكر الاخ رءوف ان الرجل كان يكتب ما يعتقد ان شيء نبيل وواقعي وهو ناجح في نظر نفسه
    لكنه ليس كذلك في نظر المصحح

    المثابره حلوه
    على ان لا تتحول لمرض
    ودمتم سالمين

    رد
  15. mohamed mustafam
    mohamed mustafam says:

    انا معاك في كل كلمت بتقولها ارف ماذا تريد وانطلق بتحقيق حلمك مهما صادف من عقابات

    رد
  16. أمونة المزيونة
    أمونة المزيونة says:

    كلام جميل

    فعلا لا أجمل من المثابرة

    يارب حقق لنا جميعاً أحلامنا

    رد
  17. AHMED
    AHMED says:

    كم هو جميل أن تحاول رغم الظروف الي تقف حاجز أمام ماترغب به …
    فلو كان لديك هدف ولديك الأيمان والإصرار فسيأتي ذالك اليوم الذي ترى نفسك فيه محققا ذاك الهدف …
    ولكن متى هذا اليوم …. لاأعلم
    لكني أعلم أنه كلما زادة حلكة الظلام كلما اقترب الفجر ….

    دمتم بود

    رد
  18. وليدوف
    وليدوف says:

    السلام عليكم

    هذه قصة رائعة ضرب فيها ماكسي أروع الأمثلة في الصبر والمثابرة ..

    ولاننسى النبي نوح عليه السلام الذي لم يتوقف لمدة ٩٥٠ سنة وهو يدعو قومه ولم يثني عزيمته خذلان الناس له ..

    وأنا ورغم أني كنت أعرف ما الذي أريد أن أكونه ، فأنا مطور تطبيقات ويب .. وأجدني أنجذب للعالم الإلكتروني والمشاريع التقنية بشكل عجيب ..

    بالرغم من ذلك درست دراسة أخرى لاعلاقة لها بمجال اهتمامي وشغف حياتي ، لأسباب اجتماعية وأسرية قاهرة ، وزد عليها سنة أخرى بحثت فيها عن وظيفة بعد تخرجي في هذا المجال ولم أجد ..

    ومع ذلك لم أجد الوقت متأخرا بعد سبع سنوات أضعتها في مجال ليس لي فيه ناقة ولا جمل .. ورجعت لشغف حياتي وسأمضي قدما منذ الآن ولن يثنيني شيء سوى الموت عما أريد تحقيقه ..

    شكرا لك أخي رؤوف على هذه القصص الرائعة ..

    رد
  19. ريم حسن
    ريم حسن says:

    لنكن منطقيين!

    أن لا يبتئس طوال الـ ٢٥ عاماً… هذا أمر محال!!

    ما يميز هذا المحامي أنه لم يستسلم لما واجهه من صعاب، بل ثابر حتى وصل لهدفه..

    وهو بالفعل يستحق هذا الوصول..

    شكراً لتعقيبك القيم أستاذنا..

    رد
  20. الجميلي
    الجميلي says:

    كلام زي الفل والله يعيننا على بلوغ أهدافنا في المستقبل وفي حياتنا ولا ننسا هدفنا الأسمى في الحياة اد قال تعالى -ما خلقت الانس والجن الا ليعبدون- وهادا هو أفضل هدف و أسمى هدف في الحياة…

    والله المستعان

    رد
  21. عبدالله بن عمر
    عبدالله بن عمر says:

    ذكرتني هذه الحكاية برجل أعرفه جيدا.. كان مدسا في مدرسة ثانوية، وكان يطمح أن يكون أستاذا جامعيا، وتقدم هذا الرجل إلى خمسة وعشرين مسابقة وظيفية لاختيار أعضاء لهيئة التدريس في إحدى الجامعات..
    وتكلل الجهد بالنجاح بعد عشر سنوات من المحاولات الفاشلة..

    إنه “طول النفس”، الإصرار الذي نفتقده أحيانا رغم علم الواحد منا أن هذا هو الطريق!

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *