ظاهرة سبعة زائد/ناقص اثنين

,

بعدما اخترع جراهام بل الهاتف/التليفون، وبدأ يضع أسس الاستخدام التجاري له، سأل أهل عِلم النفس: ما أقصى عدد من الأرقام يمكن للإنسان العادي تذكره بدون تداخل أو أخطاء. أشار عليه علماء النفس أن تجاربهم تشير إلى الرقم سبعة.

سبعة أرقام هي متوسط عدد الأرقام التي يستطيع كل فرد منها تذكرها دون الوقوع في أخطاء كثيرة. ماذا يحدث بعدها؟ عند زيادة عدد الأرقام عن سبعة، تبدأ نسبة الأخطاء والغلطات عند طلب أرقام الهواتف في الارتفاع بمعدل كبير.

هذا الرقم السحري: سبعة، جعل دكتور جورج ميلر من جامعة هارفرد يعكف على دراسته (لمدة سبع سنوات!)، فأجرى دراسات على عديد من البشر، ركز فيها على اختبار قدرة الناس العاديين على التذكر، أو ما أسماه الذاكرة ذات المدى القصير، ووضع نتائج بحثه في دراسة سماها الرقم السحري، زائد أو ناقص اثنين (7 +/- 2)، والتي نشرها في عام 1956.

وجد ميلر أن الإنسان العادي يمكنه تذكر (أن يختزن في عقله الواعي) سبعة أرقام بسهولة، وستة حروف، وخمس كلمات، ووجد كذلك أن هذه الأعداد من الأشياء (المدركات) التي يستطيع الإنسان تذكرها تعتمد على مدى سهولة نطق هذا الفرد لها بصوت عال. فمثلا، إذا كانت الكلمات المطلوب تذكرها قصيرة وسهلة وشائعة الاستخدام، لاستطاع الفرد منا تذكر عدد أكبر منها، والعكس بالعكس.

ليس هذا وحسب، بل إن الدراسات الحديثة أوضحت أن هذا العدد يقل في صغار السن (خاصة غير البالغين) وكبار السن، ويزيد عند شباب البالغين. دراسة ميلر اشتملت على النغمات، الألوان، مدى ضخامة الصوت، وغيرها من الأشياء التي عرضها على عينات مختلفة من الناس في البداية، ثم طلب منهم التعرف على وتحديد ما يسمعونه/يرونه من الأشياء التي سبق وعرضها/أسمعها لهم.

دون الدخول في تفاصيل علمية كثيرة، كيف يمكن لنا أن نستفيد من هذه الظاهرة/ الدراسة/ النظرية؟

لنقل أنك تصمم مواقع انترنت، وفق هذه الدراسة، عليك تحديد سبعة عناصر/أفكار/أشياء تعرضها في الصفحة الواحدة. لنقل أنك تريد وضع قائمة تصفح لموقعك، إذا اخترت مسميات صغيرة سهلة النطق شائعة الاستعمال، فيمكنك أن تكثر حتى تسعة عناصر لا أكثر، وإذا كانت أسماء القوائم غير شائعة الاستعمال، لا تزد عن خمسة.

لنقل أنك مهتم بالتسويق والإعلانات، عندما تعلن عن منتج جديد/غريب على الناس، لا تستعمل أكثر من خمسة فقرات (كل فقرة من 5 إلى سبعة كلمات سهلة دارجة شائعة) للتعريف بالمنتج. عندما تنسق وترتب مكونات الإعلان عن ذات المنتج، لا تجعله يزيد عن خمسة عناصر/مكونات. إذا كان منتجك معروفا ومنتشرا، فلا تزد عن تسعة مكونات/عناصر في الإعلان.

لنقل أنك تكتب بحثا/ دراسة/ أطروحة ماجستير/ رسالة دكتوراة، فلا تجعل الأبواب تزيد عن خمسة إذا كان موضوعك غريبا على الأذهان، سبعة إذا كان تقليديا، تسعة إذا كان سهلا محببا إلى النفس. هل المادة التي تتحدث عنها كثيرة – لا يكفي معها هذا العدد؟ قسّم كل باب إلى سبعة أبواب فرعية، وقسم الفرعية إلى خمسة ثانوية، ولا تزد عن هذا الحد – اجعل لكتابك جزءا ثانيا.

على أن هذه النظرية لا تمضي بلا عيوب، فلقد خلص الباحثين والدارسين إلى أن هذا المدى (5 -7 -9) هو نتاج الدراسات التي أجريت على المتحدثين باللغة الإنجليزية، وأن اللغات الأخرى جديرة بأن تعطي مدى آخر من الأرقام. هل أضعت وقتك في القراءة؟ هل لو افترضت أن اللغة العربية أصعب بعض الشيء من الانجليزية، وعليه فربما كان من الأفضل التزام المدى من 5 إلى 7، هل أكون قد جانبت الصواب؟

بالطبع، تلقى مثل هذه الدراسات النفسية العديد من هجمات التشكيك فيها، ذلك أن البشر عنصر ديناميكي دائم التغير، لا يمكن إخضاعه لدراسات تعطي نتائج محكمة، فالشخص العادي المستريح السعيد سيحرز نتائج أفضل من المتعب الحزين، وهكذا، لكن إذا رجعنا للوراء قليلا، ونظرنا للصورة العامة، وعممنا الكثير من الافتراضات، فسنحصل على مردودات إيجابية.

على من يريد دراسة التسويق أن يغازل نظريات علم النفس وأن يدرس سلوك الأفراد من البشر، وأن يعلم أنها نظريات مساعدة لا حاكمة، وأن يستأنس بما لديها لتقوله، ولذا أرجو أن نترك التشكيك في صحة النظرية، إلى طرق تطبيقها في الحياة العلمية.

السؤال الآن، هل لديك مشاهدات من الواقع تتفق مع هذه الدراسة؟ أو الأفضل: هل لديك تطبيقات محتملة تشاركنا بها؟

الدراسة تستحق القراءة لمن أراد على الرابط الأول هنا أو الثاني هنا.

أصدر الدكتور عبد الدائم الكحيل كتابا سماه “إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم” بعد عشر سنوات من البحث المتواصل في كتاب الله تبارك وتعالى، والذي قدم فيه البرهان الرياضي على وجود نظام رقمي مُحكم يشمل جميع حروف القرآن وكلماته وآياته وسوره، ويعتمد هذا النظام المذهل على الرقم سبعة، وهو يلقي المزيد من الضوء لمن أراد التبحر في أسرار هذا الرقم.

23 ردود
  1. ahmed saad
    ahmed saad says:

    هو انا مفيش في دماغي حاجة حاليا ممكن اشارك بيها
    بس الموضوع دا انا خدتة في علم النفس وانا في ثانوية عامة
    وفعلا المادة دي كانت من ضمن الاسباب اللي حببتني في التسويق
    شكرا شبايك علي مواضيعك الشيقة

    رد
  2. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    عندما شاهدت موضوعك اخ شبايك تذكرت قصة النجاشي وحوار جعفر بن ابي طالب
    احكم انت على السبعه +_

    فتقدم منه جعفر بن أبي طالب وقال :
    أيها الملك,
    كنا قوما1 أهل جاهلية ,
    2 نعبد الأصنام
    3ونأكل الميتة,
    4ونأتى الفواحش
    5ونقطع الأرحام,
    6 ونسيئ الجوار,
    7 ويأكل القوى منا الضعيف

    وبقينا على ذلك حتى بعث الله إلينا 1رسولاً 2منا 3نعرف4 نسبه 5وصدقه 6وأمانته 7وعفافه…

    فدعانا إلى 1الله,
    2لنوحده
    3ونعبده
    4ونخلع ما كنا نعبد نحن واَباؤنا من
    5دونه من
    6الحجارة
    7والأوثان

    وقد أمرنا
    1 بصدق الحديث 2وأداء الأمانة 3وصلة الرحم 4وحسن الجوار5 والكف عن المحارم 6وحقن الدماء

    ونهانا عن 1 الفواحش 2وقول الزور 3وأكل مال اليتيم 4وقذف المحصنات

    ذكر كيف كانو بقوة اللفظ في سبع كلمات بترتيبها تعافها النفس
    وذكر من جاء بالرسالة عليه السلام كلمات معرفه به وبصفاته
    ثم بين لم جاء بموجز يلغي ما سبق مما كانو عليه
    ثم اخبرة بما امر وكلها امور ترقى اليها النفس البشريه

    هذا ما خطر ببالي
    طبعا الامثله من التاريخ الاسلامي لتطبيق مثل هذه النظريات

    ودمتم سالمين

    رد
  3. RedMan
    RedMan says:

    والتي نشرها في عام 1956.

    سأكون مشككاً هذه المرة … نظرة بسيطة على من كان شبابه في عام 1956 و من يعيش شبابه 2007 ستجد الفرق واضح في مستوى الذكاء و الذاكرة .

    لا اذكر أين سمعت هذا الكلام أو قرأته (( كان البشر في أوئل القرن العشرين يعتمدون كثيرا على الحفظ السماعي و حتى منتصف القرن كان ذالك هو الدارج و يعزى ذالك لكون المذياع هو الاكثر رواجاً فكانت الذاكرة سمعية أما في اواخر القرن العشرين اصبحت الذاكرة بصرية أكثر منها سمعية ذالك لأنتشار التلفاز و المطبوعات الملونة بشكل كبير )) .

    و من هنا تجد أن الشباب في هذه السنوات ذاكرتهم غير قادرة على استذكار الاصوات و الروائح بنفس القدر الذي هي قادرة فيه على استذكار الصور …

    من هنا كان لتسويق منتج معين عبر المذياع في عام 1956 يجب أن تذكره في سبع او خمس نقاط … أما في القرن العشرين مع عصر السرعة يجب أن تقدم بوستر اعلاني يحمل سبع الوان أو سبع افكار رسومية ….

    د محسن النادي اعجبني جداً مثالك على الموضوع بارك الله فيك ….

    رد
  4. Gardenia
    Gardenia says:

    دائماً ثريّ جداً أيها الأخ شبايك
    أفدتني فعلاً ..
    أعتقد أنّ التجربة لو طبقت عربياً لاختلفت في رقم أو اثنين، ويبقى المفهوم والهدف لا يختلف كثيراً

    أعجبني تحليل الأخ د محسن النادي
    شكراً لك ولما تكتب

    رد
  5. حسن عبيد
    حسن عبيد says:

    موضوع جميل ، أو بالأحرى غريب ، بعيداً عن قناعتي به أو عدمها ، لإانى أرى أن اللغة العربية ستحقق نتائج أفضل ، لمن يتقنها طبعاً ، صحيح أنها ثاني اصعب اللغات تعلماً ، واصعبها اتقاناً ، لكن بعد التعلم ينقلب الإنحراف ، ونلمس أنه لا مجال للغة أ نتافسها ، فهي الأسهل بالتعبير والأوفر بالمصطلحات ، “وسعت كتاب الله لفظاً وغـــــــاية وما ضقت عن آيٍ به وعِظات ”

    بعديداً عن العربية ، لم نكن نواجه مشاكل في حفظ 9 أرقام ، ولكن بعد اضافة رقم عاشر – لزيادة السعة – بدأت المشاكل تظهر ، ليس لحد الصعوبة ، بل أنني نسيت أرقاماً كنت قد حفظتها 🙂

    رد
  6. قارئ
    قارئ says:

    لم ألحظ إلا في الفترة الأخيرة انتشار القول بأن اللغة العربية ثاني أصعب لغة تعلما، وهذا يختلف مع معارفي العامة السابقة. والأهم أنني لم أمر بتقرير مثل هذا من قبل. هل يمكن إيراد الدراسة المصدر، لمن يعلم منكم؟

    رد
  7. محمد
    محمد says:

    مقال عميق جداً.. ((على من يريد دراسة التسويق أن يغازل نظريات علم النفس وأن يدرس سلوك الأفراد ))) مقوله صحيحه مئه بالمئه..استخدام الاطفال في كثير من الاعلانات اكبر دليل على ذلك.. اتذكرون اعلان ماكدونالدز الشهير الذي فاز بأفضل اعلان قبل اربع او خمس سنوات وهو عباره عن طفل في ارجوحته داخل المنزل يضحك عندما يستطيع رؤية شعار ماكدونالدز ويبكي عند غيابه.. تحياتي لكم

    رد
  8. شبايك
    شبايك says:

    عذبي
    مشكور على الزيارة

    د. محسن
    لديك كذلك سبعا من المثاني: سورة الفاتحة، أيام الأسبوع السبعة …

    ردمان
    بل يجب أن نختلف يا طيب، يجب أن نفهم أولا النظرية، ثم نفكر هل نتفق معها أم لا، واتفق معك فيما ذهبت إليه… لكن روح النظرية تبقى …

    حسن
    النظرية تعمل في المدى من 5 إلى 9، وأنت تقع في نهاية مداها – لكن السؤال هذا سيبقى: هل ستستمر أنت على هذه القدرة من الحفظ، بعدما تنغمس في مشاغل العمل وإعالة الأهل والأولاد ومدارسهم وأصدقائهم وطلباتهم … أشك يا طيب 🙂

    قارئ
    أضم صوتي إلى صوتك، فأنا حتما أود قراءة المزيد عن هذه الدراسة

    محمد
    يا طيب، هذا الإعلان كلما تذكرته تبسمت – لقد تفوقوا على أنفسهم في هذا الإعلان!

    رد
  9. أحمد غربية
    أحمد غربية says:

    مؤخرا بدأت شركة الاصالات المصرية في زيادة عدد خانات أرقام الهواتف من سبعة إلى ثمانية.

    إذا أضفنا احتمال زيادة الخطأ البشري كما جاء في تدوينتك إلى الأخطاء التقنية التي تحدث أحيانا فيمكننا أن نتخيل أننا سنقضي أوقاتا أكثر في مكالمات لا نريدها!

    تذكر في الأفلام القديمة عندما كان الشخص يرفع سماعة الهاتف و يطلب من العامل إيصاله بالشخص المطلوب بالاسم؟!

    رد
  10. عالية
    عالية says:

    بارك الله فيك اشرت و الاخوة الى ورود الرقم 7 في القرآن و السنة و هذا دليل ان لها سر

    اذكر ان ارقام الهواتف ايام طفولتنا كانت 6 ارقام فقط ثم تم زيادتها الى 7

    اعجبني رد الاخ ردمان 🙂

    شكرًا شبايك .

    رد
  11. د/ ممدوح عز
    د/ ممدوح عز says:

    أعتقد أنه إذا أجريت هذه الدراسة مرة أخري هذه الأيام فسيقل العدد الذي يستطيع كل منا تذكره نتيجة إعتمادنا بشكل كبير علي التكنولوجيا الحديثة و التي تريح عقولنا و تجعلنا لا نحتاج إلي التذكر !

    فنحن الآن نسجل الأرقام علي ذاكرة الموبايل و نستخدم الآلة الحاسبة و الكمبيوتر و يستخدم قليل منا عقله و ذاكرته و لذا تقل قدرتنا علي التذكر .

    هل تشاركوني هذا الرأي؟

    رد
  12. أبوبكر الزغبي
    أبوبكر الزغبي says:

    جزاك الله خيرا بأن تذكرنا بمواضيعك القديمة.

    بالفعل لقد قرأت هذا الموضوع من قبل ولكن لم أستفد فيه في هذا الوقت

    ولكني اليوم أظنني سأستفيد به وسأخبرك بأول استفادة إن شاء الله

    جزيت خيرا يا طيب 🙂

    رد

Trackbacks & Pingbacks

  1. […] 7 عناصر (هل تذكر مقالتي عن نظرية 7 زائد/ناقص اثنين؟ أنصحك بقرائتها مجددا). إذا خالفت هذه القاعدة ربما مل الزائر و فر من موقعك بلا […]

  2. […] ظاهرة سبعة زائد/ناقص اثنين […]

  3. يقول efleg.com:

    ظاهرة سبعة زائد/ناقص اثنين…

    بعدما اخترع جراهام بل الهاتف/التليفون، وبدأ يضع أسس الاستخدام التجاري له، سأل أهل عِلم النفس: ما أقصى عدد من الأرقام يمكن للإنسان العادي ت…

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *