لي كا شنغ – من أفقر فقراء إلى أغنى أغنياء هونج كونج

لي كا شنغ (أو Li Ka-Shing) هو أغنى رجل في هونج كونج وثاني أغنى رجل في قارة آسيا في عام 2016، جاء ميلاده في 29 يوليو 1928 في إقليم كونجدنج جنوب الصين، وبدأت رحلته في الحياة حين هاجرت عائلته في عام 1940 من الصين التي كانت في حالة حرب مع اليابان إلى جزيرة هونج كونج، وهناك حيث مكثت العائلة. بعدها احتلت اليابان هونج كونج ثم مات والده بمرض السل، ليضطر عندها لي كا شنغ وعمره 14 ربيعا لترك مقاعد الدراسة والانخراط في العمل ليعول أسرته بعد رحيل والده.

لي كا شنغ – بداية صعبة كلها تحديات ومحن ومصائب

إلا أن مرض السل لم ينجو لي من ويلاته، إذ أدخله في حجر صحي لفترة حتى تم شفاؤه، وهي كانت فترة جدا عصيبة عليه، إذ فجأة مات والده وأصابه مرض عضال ودخل الحجر الصحي، مما اضطره في النهاية لهجران مقاعد الدراسة للعمل – رغم أن والده كان يعمل كمدرس ثم ناظر مدرسة وكان يغرس فيه حب القراءة والتعلم ومتابعة كل جديد في هذه الدنيا، الأمر الذي جعل لي يستمتع بالتعلم والقراءة، حتى أنه كان يشتري الكتب المستعملة ليتعلم المزيد، ثم بعدما ينتهي منها يبيع هذه الكتب أو يستبدلها مقابل المزيد من الكتب المستعملة. لماذا الكتب المستعملة؟ لأنه لم يكن يملك المال الكافي لشراء تلك الجديدة، على أن فقره لم يمنعه عن التعلم، بل جعله يسلك إليه طرقا بديلة لا أكثر.

الوظيفة الأولى – 16 ساعة عمل، يليها وظيفة ثانية

لي كا شنغ صغيرا، حليق الرأس.

لي كا شنغ صغيرا، حليق الرأس.

في البداية وجد لي كا شنغ وظيفة في مصنع بلاستيك جعلته يعمل لمدة 16 ساعة يوميا، وحتى بعد انقضاء هذه الساعات الطويلة، توجب عليه العمل في بيع ساعات اليد في محل عمه من أجل المزيد من الدخل، ذلك أن الفقر بلغ مبلغه بالعائلة حتى اضطرت لبيع ملابس والده فور أن توفى لتشتري بها لقيمات تسد جوعها. فوق ذلك، كان لي يحلق شعر رأسه بالكامل، ليضطر لحلقه مرة أخرى بعد 3 شهور، توفيرا للمال.

ميلاد شركة صناعات تشيونج كونج

بمرور الوقت، لمع نجم لي كا شنغ في مجال المبيعات انطلاقا من محل عمه، كما اكتسب خبرة كبيرة في مجال صناعة البلاستيك جعلته يترقى ويتولى المزيد من المسؤوليات في المصنع، واستمر كذلك حتى بلغ من العمر 22 عاما، قضاها في توفير المال وتعلم المزيد عن صناعة البلاستيك، ليقترض بعدها المال من الأقارب والمعارف ويضيفه إلى ما أدخره من أجل تأسيس شركته الخاصة التي خصصها في صنع اللعب البلاستيكية والأمشاط وعلب الصابون، وأطلق عليها اسم صناعات تشيونج كونج أو Cheung Kong على اسم أطول نهر في الصين (المعروف كذلك تحت اسم يانجتسي).

كم كان إجمالي رأس المال الذي جمعه لتأسيس الشركة؟ ما يعادل 6500 دولار أمريكي في ذلك الوقت (أو 50 ألف دولار هونج كونج في وقتها). في أول عام من تأسيس شركته، كان لي يقوم بعمل كل شيء بنفسه، حيث علم نفسه أصول المحاسبة وتقييد المعاملات في السجلات وحتى إصلاح تروس الماكينات في المصنع حين كانت تتعطل.

أول شقة اشتريتها لنفسي كانت وعمري 28 سنة، وكانت سعادتي بها كبيرة للغاية.
– لي كا شينج (لا زال مقيما في شقته هذه لليوم – مع تعديلات)

العلم ومتابعة التطورات العالمية شرط أساسي

لأن والده طالما علمه قراءة صحف ومجلات الأعمال، استمر لي يتابع ما تكتبه الجرائد والمجلات، في هذه الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، وهناك حيث لاحظ لي وجد طلب على الورود الصناعية المصنوعة من البلاستيك في إيطاليا، فسافر بعدها في رحلة تعلم إلى دول غرب أوروبا لمعرفة أفضل الطرق لمزج الألوان أثناء صنع البلاستيك للحصول على زهور صناعية أقرب ما تكون من الطبيعية.

’’كلما دخلت في صناعة ما، اشتريت كتبا ومجلات متخصصة في هذه الصناعةـ وحين أسست مصنعي للبلاستيك كنت أقرأ مجلة مودرن بلاستيكس Modern Plastics الأمريكية الشهرية ومنها تعلمت الكثير عن هذه الصناعة وهذا السوق.‘‘
– لي كا شينج

بعد عودته لمصنعه، قرر لي التحول من تصنيع اللعب البلاستيكية إلى الزهور الصناعية الفاخرة التي تضاهي الحقيقية وبأسعار زهيدة، وبعدما حصل على أمر شراء كبير من مشتري أجنبي، بدأ لي في التوسع وتوظيف العمالة الماهرة وبدأت أعماله تزدهر حتى أصبح أكبر مورد للزهور الصناعية في كل آسيا.

لقطة – علاقات الأعمال أفضل من خسارة صفقة

روى لي كا شنغ في برنامج تليفزيوني عن حياته، كيف أنه ذات يوم قام عميل ما بإلغاء صفقة ألعاب بلاستيكية كان قد طلبها، ووافق لي على إلغاء الصفقة ولم يطلب أي تعويض مالي أو تبرير، ذلك أنه كان يرى أن بناء علاقات أعمال متينة لهو أفضل من خسارة بعض المال، خاصة وأنه كان واثقا أن السوق سيطلب هذه البضاعة وأنه سيتمكن من بيعها دون مشاكل.

مرت الأيام والسنوات، وذات يوم دخل عميل أمريكي على لي وقال له أنه جاء إليه بناء على توصية قوية من مسئول في شركة تجارية ما. هذا المسئول كال المديح الشديد إلى شخص لي وكيف أنه رجل أهل للثقة وأنه يملك أفضل مصنع بلاستيك في هونج كونج، ما جعل هذا العميل الأمريكي يأتي إليه ويطلب الشراء منه، وهو ما تم.

هذا العميل الأمريكي كان من القوة بحيث أن مصنع لي استمر ينتج له هو وحده لمدة 6 شهور. السؤال الآن، من كان هذا الشخص الذي أخذ يمدح في لي ويوصي بالتعامل معه؟ لقد كان أحد الموظفين العاملين في الشركة التي لغت طلب الشراء من قبل من لي.

 

التدفق المالي هو أهم شيء عندي، وأنا لم أحصل على أي قرض شخصي في حياتي. – لي كا شنغ - الصورة من فليكر

التدفق المالي هو أهم شيء عندي، وأنا لم أحصل على أي قرض شخصي في حياتي. – لي كا شنغ

كلمة لي كا شنغ أقوى من العقود القانونية

في قصة أخرى، حدث أن طلب عميل من لي تصنيع منتج ما، وكان ربح لي من هذه الصفقة 20% من تكلفة التصنيع. بعد الاتفاق الشفوي، جاء تاجر آخر إلى لي وعرض عليه شراء المنتج ذاته مقابل ربح 30% إلا أن لي رفض أن يبيع له لأنه التزم مع العميل الأول بكلمة أعطاها له.

حتى لا يرده خائبا، طلب لي من العميل الثاني أن ينتظر عليه 9 شهور حتى ينتهي لي من بناء مصنعه الثاني الجديد الأوسع والذي سيكفل له تصنيع عدد أكبر من المنتجات. بشكل أو بآخر، علم المشتري الأول بما حدث ما بين لي والمشتري الثاني، وتأثر جدا أن لي تمسك بكلمته التي قطعها له، ولم يطلب منه حتى زيادة السعر. هذا المشتري الأول استمر عميلا لدى لي ربما حتى الآن. إن كلمة لي أقوى من أي شيء آخر، وهو رجل مشهور في السوق بالوفاء بما اتفق عليه.

هذه السُمعة الجيدة هي أحد أسباب نجاح هذا الرجل. هذه السُمعة لا تقتصر على معاملة العملاء وحسب، إذ يشتهر لي كذلك بحسن معاملته للعاملين معه، الأمر الذي جعل معدل رحيل كبار المدراء عن شركاته الأقل في هونج كونج كلها.

وعمري 30 عاما كان لدي من الثروة ما يجعلني أنا وعائلتي غير محتاجين للعمل طيلة حياتنا. – لي كا شنغ

دخول عالم العقارات والأراضي

بعد أعوام قليلة، أصبح لي كا شنغ أكبر مورد زهور صناعية في قارة آسيا جمعاء. وحين جاء عام 1958، فشل لي في تجديد عقد تأجير مقر شركته بسبب مبالغة المالك في ثمن الإيجار، الأمر الذي دفع لي لشراء أرض وبناء مصنعه فوقها. خطوة لم تكن في حسبانه، لكن أثرها كان عميقا إذ جعلته يدخل عالم شراء وبناء وتطوير العقارات والأراضي والمصانع انطلاقا من عام 1960، حيث اشتهر بأنه مشتر حاذق، يدرس خطوته التالية في عالم شراء العقارات جيدا، خاصة في حقبة الثورات التي ضربت هونج كونج في عام 1967 حين سارع الكثيرون لبيع ممتلكاتهم من العقارات بأسعار زهيدة هروبا منهم بحياتهم ومالهم. هذا البيع الجماعي هوى بأسعار عقارات هونج كونج، إلا أن لي كان يعرف أن هذا الهروب الجماعي هو عارض مؤقت وأن المظاهرات ستتوقف وتعود الأمور لنصابها، ولذا أخذ لي يشتري العقارات الجيدة وبأسعار متدنية.

لم أجد السعادة يوم أن أصبحت ثريا للغاية، وتعلمت أن المال لا يجلب السعادة ولا يضمنها. لهذا السبب أهب ثلث ممتلكاتي وأصولي لمؤسستي الخيرية. – لي كا شينج
(فعليا، بلغ مجموع ما أنفقه لي كا شينج على الأعمال الخيرية أكثر من 1.6 مليار دولار، أغلبها في مجال التعليم)

إلى العالمية وما بعدها

في عام 1971، أسس لي كا شنغ شركة صناعات تشيونج كينج، وبعد مرور 8 سنوات عليها، توسعت أكثر واستحوذت على شركة هوتشيسون وامبو (البريطانية الشهيرة وقتها) و شركة هونج كونج الكهربائية المحدودة وغيرها، وبذلك دخل لي عالم صناعة الشحن وإدارة الموانئ، حتى أصبح اليوم يتحكم بشركاته في قرابة 13% من صناعة حاويات الشحن في العالم، كما تستحوذ أسهم شركاته على قرابة 15% من تعاملات بورصة هونج كونج.

في عام 1979 كان لي أكبر مالك أراضي في هونج كونج. لي يستثمر ماله في كثير من المشاريع الواعدة، في عام 2005 استثمر في سكايب ليباع العام التالي مقابل 2.5 مليار دولار، كما استثمر سيري قبل أن تشتريها ابل، واستثمر كذلك 120 مليون دولار في فيسبوك في عام 2007 مقابل حصة قدرها 0.8% تعادل اليوم قرابة 900 مليون دولار.

ساعة يدي الحالية ثمنها قرابة 400 دولار، وهي عملية جدا وخفيفة، تعمل منذ 3 سنوات بدون تغيير بطاريتها، وهي مقاومة للمياه، تناسبني ولا أقلق عليها في يومي، كما أنها متقدمة 30 دقيقة على الوقت الحالي، ذلك أني أحتاج إلى 30 دقيقة لأصل إلى أي مكان في هونج كونج، وأنا أحب أن أصل قبل موعدي دائما.
– لي كا شينج (قبل هذه الساعة، كان لي يفاخر بأنه ساعته سايكو لا يزيد ثمنها عن 50 دولار)

إقرأ أيضا: رحلتهم من الطرقات والشوارع إلى الشهرة والثروة

لي كا شينغ Li Ka Shing يستيقظ قبل السادسة صباحا من كل يوم، ثم يمارس رياضته المفضلة الجولف، لمدة ساعة ونصف، كما يفرض على نفسه القراءة قبل أن يأوي إلى فراشه في كل ليلة. هذه العادات تطلب طاقة للحفاظ عليها، ويقول لي أنه يحصل عليها خلال يومه الذي يقضيه في العمل في مجالات يحبها تثير اهتمامه وتعطيه الطاقة والحيوية.

اليوم، في نهاية عام 2016 وعن عمر يناهز 88 سنة، تبلغ ثروة لي كا شنغ أكثر من 30 مليار دولار (تقديرا).

هذه القصة وردت مع تفاصيل إضافية ضمن محتويات باقة النجاح الإلكترونية التي يمكن شراؤها من هذا الرابط.

12 ردود
  1. أحمد سعد
    أحمد سعد says:

    قصة حافلة بالتجارب ..

    و أكثر ما لفت نظري بالمقال هو المقطع الذي ذكر به أن ( لي ) كان يقوم بعمل كل شئ بنفسه ..

    من المحاسبة و حتى الميكانيكا !

    فعلا .. كل البدايات الصغيرة تحتاج لهذا الجهد .

    رد
  2. سعيد
    سعيد says:

    ما شاء الله
    حقا الإنسان يمكن تغيير نفسه بنفسه
    ليس العيب أن تولد فقيرا لكن العيب أن تموت فقيرا المهم أن نموت ونحن نحاول أن نصبح أغنياء في الأشياء التي نحبها
    شكرا على شحنات الأمل سيد رؤوف

    وتحياتي للمتابع الوفي أحمد سعد

    (خارج الموضوع أتمنى عمل تحديث بخصوص مربع التعليقات مثلا تعديل على تعليق وعند التعديل بمكنك مشاهدة النص الأصلي لأنه بعض المرات نخطأ ولانستيطع تعديله)
    وفقكم الله

    رد
    • أحمد سعد
      أحمد سعد says:

      هذه المدونة منبر للتعلم الحر ، لا يمكننا إلا الوفاء لها .

      جزى الله خيرا من قام على إنشائها و من دعمها بالرأي و شارك فيها .

      تحياتي لحضرتك أخي سعيد ،،

      رد
  3. حميد
    حميد says:

    الرياديون هكذا حالهم دائما اتمنى ان يقرأ الجميع كتابا جيدا بعنوان الجميع قادرون يتحدث عن تأسيس سلسلة مقاهي جمهورية القهوة فيه الشيء الكتير
    شبايك متابعك مند مدة رغم أنني قليل التعليق

    رد
  4. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    كل بدايه نحت في الصخر
    ولكن
    اللي لفت نظري
    ساعته
    اولها ب 50 دولار والان 400 دولار
    رغم المليارات
    لا ساعه الماس ولا بلاتين
    تواضعه اساس نجاحه
    ………………………
    ودمتم سالمين

    رد
  5. حازم
    حازم says:

    قصة جميلة جدا
    من واقع اقرب للخيال
    فعلا كما قيل
    لا يوجد انسان عظيم الا مع ماضي صعب
    و يبرز عند الإنسان أهمية القراءة و المتابعة لكل جديد في مجاله و غير مجالات و تطوير الذات

    رد
  6. سليمان
    سليمان says:

    جزاك الله خيرا علي جهدك
    الحكمة ضالة المومن أينما وجدها فهو اولي الناس بها

    رد
  7. محى محمد
    محى محمد says:

    الوفاء بالعهد والكلمه هو مانفتقده دائما الف شكر والله لك ياشبايك وجزاك الله عنا خير الجزاء سؤال ماترتيب هذا الرجل عالميا

    رد
  8. سامي مختار
    سامي مختار says:

    ( الوسادة لا تصنع السيادة )
    مثل معناه أن الراحة لا تعطي الإنسان التميز والسيادة والراحة، فهي تعطيه راحة عاجلة مقابل شقاء وتعب عندما يكون أحوج ما يكون إلى الراحة

    رد
  9. صالح المري
    صالح المري says:

    القصص كثيرة ومحفزة ولكن العبرة هي من الذي يعتبر ويطبق في هذا الوقت الذي كله مشاكل من اليمين واليسار والأمام والخلف…من كل الأتجاهات.
    الصراحة اعجبتني هذه القصة جداً.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *