احرص على حلمك أكثر من حياتك

في أغلب قصص النجاح التي قرأناها، ستجد لبطلها حلم يتمسك به بكل قوة، يبذل لتحقيقه الغالي والنفيس.

في المقابل ستجد الحياة ترميه بكل ما لديها من مشاكل وصعاب، وتضع في طريقه من يؤكد له أن حلمه هذا ضربا من الخيال ولن يتحقق، وربما بعض الأعداء وسارقي الأحلام.

لا جديد في كل ما سبق، أو في قصة روبرت لي دنهام، الأمريكي الأسمر الذي وعد أمه صغيرا وعدا فأوفى به.

جاء ميلاده في سبتمبر 1932 وانتقل صغيرا مع عائلته إلى مدينة نيويورك، وحين أتم دراسته الثانوية ألتحق بسلاح الطيران الأمريكي، ثم عاد إلى حي بروكلين ليلتحق بقسم شرطة المدينة.

في صغره، وحين كان رفاقه يلعبون في الأزقة، كان روبرت يشغل نفسه بالبحث عن زجاجات اللبن الفارغة الملقاة في الطرقات ومستودعات المخلفات، ليعيدها إلى المتاجر في مقابل مالي زهيد.

كذلك كان يعمل في تلميع أحذية المارة، وكان يعمل في توصيل الجرائد وطلبات محلات البقالة.

الوعد للأم

عملت أمه في غسل الملابس للآخرين كمصدر لدخل الأسرة، وحين كان يرى تعبها وعدها بأنه يوما سيكون لديه عمله التجاري الناجح مما سيغنيها عن هذا العمل المضني، لكن حتى والدته كانت تزجره وتذكره بدروسه، فقبله لم يحصل أحد من رجال العائلة على وظيفة أفضل من عامل يدوي أجير، ولذا كانت تعيد على مسامعه أنه لن يقدر يوما على فتح عمله التجاري الخاص.

التعليم الجامعي ليس لأي فرد، لكن لا بأس

ويبقى التعليم الجامعي غالي الثمن، ولذا لم يتوانى روبرت بعد إنهاء تعليمه الثانوي عن الالتحاق بسلاح الطيران الأمريكي، وفيه حيث تعلم طهي الطعام للضباط، وفيه أيضا حيث أدرك أنه يريد فتح مطعمه الخاص.

هذا الإدراك ترسخ لديه بعدما ترك سلاح الطيران ليعمل على مر سنوات أربع في عديد من المطاعم والفنادق، وحين فكر في افتتاح مطعمه الخاص، عرف قبلها أن عليه تعلم بعض أساسيات إدارة الأعمال، ولذا سجل في مدرسة أعمال ذات دروس ليلية، لتمويل مصاريفها تقدم للعمل في شرطة نيويورك.

على مر 15 سنة، كان روبرت يعمل نهارًا في الشرطة، ومساءً يعمل في وظيفة جانبية كنجار، مع حرصه على حضور دروس مدرسة الأعمال.

حياة كلها إدخار

كما يقول روبرت بنفسه، فلقد قضى 10 سنوات من عمله في الشرطة دون أن ينفق فلسا ولا مليما على الترفيه، لا سينما أو سفر في إجازة أو رحلات، كانت حياته عمل ودراسة وادخار، حتى جاء عام 1971 وفي رصيده مبلغ 42 ألف دولار.

لقد سيطر حلمه عليه، وكان لتحقيق هذا الحلم شروط، منها رأس المال ومنها العلم.

سنة تنفيذ الحلم

لقد كان هذا العام وقت تنفيذ حلمه: افتتاح مطعم في حي بروكلين، لكن ما أدخره لم يكن كافيا، وحين دق أبواب البنوك طلبا للقرض، رفضوه.

والحال كذلك، قرر روبرت تجربة دق أبواب تلك السلسلة الناشئة من مطاعم الوجبات السريعة، والتي حملت اسم ماكدونالدز، لكن حتى هؤلاء، كانوا مستعدين للتعاون معه على شرط، أن يفتتح مطعما داخل مدينة نيويورك، إذ إنه في هذا الوقت من التاريخ، لم يسبق لمحل من محلات ماكدونالدز أن فتح أبوابه هناك.

الإلتزام بشروط تحقيق الحلم

ليس هذا وحسب، كان على روبرت توفير مبلغ 150 ألف دولار فوق مدخراته لافتتاح هذا المطعم، وهو ما فعله بعد تفكير عميق، هداه إلى أنه قد أنفق من حياته وعمره، وتعلم بالتجربة وفي المدرسة، ما يؤهله لتجربة تنفيذ حلمه.

فوق أن معظم أصدقائه حذروه من مغبة هذه الخطوة الخطيرة، فالمطعم يقع في حي هارلم الذي اشتهر بالعنف والإجرام الشديد.

رغم كل شيء، تمكن روبرت من اقتراض المال وافتتح الفرع الأول لمطاعم ماكدونالدز في حي هارلم في نيويورك.

كانت الشهور الأولى كارثة كبرى، إذ شهد المطعم معارك بين عصابات المنطقة، وحوادث إطلاق نار، وسرقات، الأمر الذي طرد عملاء المطعم، كما أن العاملين معه كانوا يسرقون منه.

بل إنه حين طلب روبرت من إدارة ماكدونالد مد يد العون، رفضوا حتى الذهاب إلى مطعمه، خوفا من دخول هذا الحي الفقير العنيف المخيف.

لكل مشكلة حل

جلس روبرت ليفكر فيما زج بنفسه فيه، على أن وفائه لحلمه منعه من الاستسلام، ولذا قرر إيجاد حلول لمشاكله، بداية من انتشار الجريمة بين الشباب والصغار من أبناء الحي، وفكر كيف يستبدل العنف والجريمة لدى هؤلاء الشباب بشيء آخر، وبدأ بأن تحدث مع هؤلاء الخارجين عن القانون، وتحداهم ليصلحوا من حالهم ويعملوا من أجل مستقبل أفضل لهم، وساعدهم بأن عرض توظيف هؤلاء ‘المجرمين’ ليعملوا في مطعمه.

من جهة أخرى، طبق روبرت نظاما أكثر صرامة لمراقبة صناديق إيداع المال، ليوقف السرقات الداخلية.

على صعيد معاملة الزبائن، كان روبرت يعطي بنفسه للعاملين معه دروسا أسبوعية في كيفية معاملة العملاء والزبائن وخدمتهم.

لخدمة المجتمع من حوله، قدم روبرت رعاية مالية للفرق الرياضية وقدم منحا دراسية للشباب الصغير ليذهب إلى مقاعد الدراسة.

إن مع العسر يسرا

بمرور الوقت، تحسنت الظروف حتى أصبح هذا المطعم أكثر مطاعم ماكدونالدز ربحا، يحقق أكثر من مليون ونصف دولار في العام.

بعدما كان العاملون في ماكدونالدز يخشون زيارته، ذهب راي كروك أكبر مدير في ماكدونالدز، بنفسه ليشاهد بعينه هذا النجاح، ومضى روبرت ليفتتح المزيد من المطاعم ويوظف المزيد من العاملين.

من الجهة الأخرى، لم تعد والدة روبرت بحاجة لغسل أي شيء، فلقد بر بقسمه لها!

في شهر مايو 2011 كانت نهاية حياة هذا الحالم الأسمر.

لدى ماكدونالدز اليوم أكبر عدد من مطاعمها في مدينة أمريكية في نيويورك.

إقرأ أيضا: قصة الحلم الأوليمبي

26 ردود
  1. نسيم رحالي
    نسيم رحالي says:

    عبرة ذات فائدة لكونه عمل جاهدا و باسرار على تحقيق حله و وعده لامه
    لكن كان عليه ان يعيش على الاقل ايام من حياته في الترفيه التي كانت ستزيد من مدى معنوياته .
    المهم طريقته في تغيير العنف و الجريمة جد مميزة و مبادرة جد رائعة , فقليل من يفكر في مثل هذه المبادرات عربيا .

    رد
    • أحمد العسال
      أحمد العسال says:

      الحياة بدون هدف مثل الأنسان بدون روح فنحن فى هذه الحياة نعيش من أجل تحقيق هدفنا لذلك لابد من الأصرار و الأصرار لتحقيق الهدف ولا يوجد مستحيل وانا اشكر صاحب هذه المواضيع الأكثر من رائعة وربنا يخليك لينا ونشوف قصص ومواعظ اكثر واكثر .

      رد
  2. أبوالجود عرفات
    أبوالجود عرفات says:

    قصة رائعه وأجد هذا الحالم الاسمر أكثر نجاحا من مالك ماكدونالدز نفسه , ذلك أنه تحدى ظروفا استثنائيه وتغلب عليها ولم يقتصر نجاحه على المال فقط بل تعداه إلى مجتمعه فأصلح فيه . شكرا لصاحب المدونه وجزاه الله عنا كل خير .

    رد
  3. sara
    sara says:

    من جد عندة قوة تحمل لو انا مكانه بتلاقيني خلالاص رميت كل شي ورايا واترفهت بال ببقيه الفلوس
    سبحان الله مااعرف الناس كيف يكون عندها زي كدة من صببببببببر وقوة تحمل
    مع اننا نحنا مسلمين المفروض يكون عندنا اكثر قوة تحمل لااننا نعرف العمل يضاعف الحسنات بس ماتدري صراحة انا بس يوم مااقرر ابداء شي استمر كم يوم …. شوف كم يوم مو كم اسبوع او كم شهر او حتى كم سنه واقول بنفسي سارة خلاص اساسا مابيكون فيه فايدة عل ايش تتعبي نفسك @@ يالله من جد ابغى يكون عندي حياة اللزم نفسي فيها بشي واحققه مهما كان
    ان شاءالله

    رد
    • sultan
      sultan says:

      ابتعدي عن ترديد العبارات التي تتقتلين بها نفسك بنفسك كـ( انا مكانه بتلاقيني خلالاص رميت كل شي ورايا واترفهت بال ببقيه الفلوس ) ولن تبتعدي عن طريق النجاح .

      حددي حلمك وهدفك فبدون ذلك أنتِ تهدرين وقتك دون فائدة .

      رد
  4. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    جميع من قام بخذلانه وذلك بثنيه عن حلمه
    في الامس
    تمنو ان يكنو معه اليوم
    سبحان الله دائما يخاف الانسان من المجهول
    لكنه يقنع حين يرى بوادر النجاح
    التي لا يفوز بها غير الجسور
    ودمتم سالمين

    رد
  5. محمد نبيل
    محمد نبيل says:

    من كانت له غاية , فلن يُعدم الوسيلة.

    إن الناجحين يملكون مقومات النجاح قبل أن يصبحوا ناجحين , ومن أهم ما يملكون :

    الإبداع – الفكرة – الطموح – قوة الإرادة – الصبر – التعلم والتطوير الذاتى.

    بارك الله فيك أخى الكريم.

    رد
  6. احمد عبد اللطيف
    احمد عبد اللطيف says:

    من الجميل أن نرى هذه الأمثلة الواقعية أمام أعيننا كى نبدأ بالسير فى طريقنا لكن يلزمنا الهدف و العزيمة و الدعم و لا أخفيك سراً أن الهدف اصبح باهتاً و العزيمة باردة و الدعم مفقود لا أتحدث عن نفسى و لكن عن كثير من الشباب فجمعت هذه القصة بين الهدف و العزيمة و إن تأخر الدعم فى البداية لكنه جاء فلك جزيل الشكر على هذا العطاء التى تقدمه سائغاً للقارئين

    رد
  7. محمد العتيبي
    محمد العتيبي says:

    طموح واصرار وعزيمه وتحدي الصعاب.
    اعجبني اكثر تغييره لمجتمعه وحل مشاكله من جريمه وسرقات.

    شكراً شبايك على اختيار القصه والاسلوب الاروع.

    رد
  8. عمرو النواوى
    عمرو النواوى says:

    قالها لي يوماً صديقي وأستاذي د. نزار ..
    عامل حلمك على أنه أحد أبناءك ..
    هل رأيت يوماً أب يتخلي عن ابنه أو لا يتعهده بالرعاية والعناية أو يعرضه للأخطار أو يلقي به في المهالك .. أو يهمله وتركه للحياة تقذفه أينما كان .. هذا هو ولدك .. هذا هو حلمك.

    رد
  9. عاطف عبدالفتاح
    عاطف عبدالفتاح says:

    أخي شبايك
    جزاك الله خيرا عني خير الجزاك
    شجعتني على عمل مدونة مفيدة والحمد لله عملت مدونتين حتى ولو لازالوا صغار
    والآن ادرس جديا عمل مشروع صغير ليدكون مصدر دخل لي غير الوظيفة

    بارك الله فيك تمد إلينا دوما يد الأمل والعمل

    رد
  10. رشيد الطالب
    رشيد الطالب says:

    السلام عليكم ورحمة الله

    صراحة مقال روعة , المشكل الذي نعانيه في الغرب هو غياب التمويل الحلال, فاغلب المشاريع تحتاج الى قروض الابناك على استعداد هنا في الغرب لتقديم الاموال و لكن بالربي, فيضل الاقتصار فقط على المشاريع الصغيرة الني تحتاج الى تمويل صغير

    شكرا اخى رووف

    أخوك رشيد من كندا

    رد
  11. مولاي عبد الله
    مولاي عبد الله says:

    قرأت التدوينة منذ مدة وعدت للتعليق.مبدع كالعادة أستاذ رؤوف.
    بالفعل المبدعون عادة ما يكونون حالمين يجابهون الحياة والصعاب.ويتمسكون بأحلامهم مهما كانت الظروف.
    ملاحظة مهمة:
    “ماكانت كلمة النجاح لتملك تلك الرنة لو كان النجاح سهلا”

    دمت سالما وناجحا أستاذ رؤوف وأنت وكل قراء مدونتك الرائعين

    رد
  12. fatmah
    fatmah says:

    العمل الدراسة الادخار \رأس المال+العلم
    قصة نجاح رائعه استمتعت بقرائتها
    شكرا لك.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *