كتاب ذاناك نورم

لا تخفض سعر بيع غير المستغل

, ,

على سبيل المثال، حين يكون لك مساحة غير مستغلة في مخزنك، ستجد نفسك مدفوعا لأن تعرض تأجيرها لعملائك بسعر رخيص جدا. مثال آخر، لنقل أنك تؤجر أسطول سيارات نقل وشحن، في بعض فترات العام لا يعمل هذا الأسطول بكل سعته، فتندفع لتقدم سعرا متدنيا للغاية لكي تصل إلى أقصى درجة استغلال لكل مواردك، فهذا هو الهدف الأكبر لكل نشاط تجاري، لا شك في ذلك. لا تفعل.

في سياق كتابه The Knack يقول مؤلفه نورم برودسكي أن لديه 4 أسباب تبرر عدم استغلال السعة غير المستغلة في ممتلكات شركتك عبر تخفيض سعرها. نعم، في بعض الحالات القليلة سيكون قرار مثل هذا مبررا، لكن في بقية الحالات العامة والمعتادة والمتكررة، سيكون لقرار مثل هذا عواقب غير محمودة (هذا المثال ليس مقصودا فيه البيع المباشر للمشتري النهائي، مثل المطاعم وغيرها، المقصود به تعامل الشركات مع بعضها). دعنا نقرأ أسباب نورم:

1- تكلفة رأس المال:

في كل مرة تقوم بها بعملية بيع، فأنت فعليا تقـرض عميلك حتى يسدد فعليا مقابل ما اشتراه. في عالم الأعمال، تبيع الشركة، ولا تقبض ثمن ما باعته إلا بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة.

فعليا أنت تحبس مالك عن متاجرتك به حتى يعود إليك من هذا المشتري، مع الأخذ في الاعتبار خطر عدم قبضك لهذا المقابل لأي سبب كان.

في مقابل كل هذه المخاطر والتكاليف، يجب أن تحقق هامش ربح كبير وكافي يبرر هذه المخاطرة والتكلفة، ليكون صافي الربح المتحقق منها كافيا لكي تتمكن من الاستمرار في مجال تجارتك.

هذه الطريقة في التفكير وإدارة المبيعات ذات أهمية حيوية وقصوى، ومن يهملها سيحكي لك عن أهميتها بعدما خسر تجارته وخرج منها.

2 – تكلفة الفرصة الضائعة:

لنقل أنك خفضت سعر تأجير أسطول شاحنات النقل لديك، ونجحت في استغلال كل طاقة متوفرة لديك بسعر قليل، ثم جاءك عميل جيد يدفع سعرا مرتفعا للحصول على خدماتك، فاعتذرت له ورددته خائبا، سيذهب إلى غيرك وربما لن يعود، أو سيعرف عن أسعارك المنخفضة ولن يدفع مثل ذي قبل.

3- أنت منافس جديد ضدك:

حين تخفض أسعارك، فأنت فعليا تصنع منافسا جديدا لك، وهو أنت!

من دخل معترك التجارة سيقول لك أن الأسعار ستصل بشكل تلقائي إلى أدنى سعر لها (في حالة المنافسة الحرة وانعدام الاحتكار). أي أن طبيعة الأسعار أن تهبط لأدنى مستوى ممكن لها، بسبب دخول منافسين جدد في السوق يقدمون أسعارا أقل.

حين تخفض سعرك، فأنت فعليا تجعل من المستحيل بمكان العودة إلى مستويات أسعارك السابقة والتي كانت تحقق لك هامش ربح أكبر وأريح.

4- ستخسر العملاء الجيدين:

حين تخفض أسعارك، فأنت فعليا تطرد العملاء الذين كانوا يدفعون أسعارك المرتفعة والمريحة.

أي شركة ناشئة تحتاج إلى عملاء جيدين، يقبلون دفع أسعار مرتفعة للحصول على خدمات متميزة. هامش الربح المتدني يجعل أي شركة ناشئة معرضة للخسارة المؤلمة بشكل كبير ولأي سبب طارئ.

هامش الربح المرتفع يحقق لك مساحة حماية ضد تقلبات السوق وضد الأزمات التجارية العالمية والأمراض والأوبئة غير المتوقعة.

حين يعرف عملاؤك بأسعارك المنخفضة، سينظرون إليك على أنك خائن ومستغل، ولن يقبلوا التعامل معك ما لم تعوضهم عما سبق ودفعوه لك من قبل، وحتى ساعتها لا يمكن أن تضمن ولائهم لك، ولا أسوأ من عميل جيد تحول إلى ناقم عليك.

قبل أن تعلنوا الثورة على محدثكم، يقول المؤلف أن هناك حالات قليلة يمكن فيها تخفيض أسعارك، لكن مقابل شروط يقبلها عملاؤك الجيدون.

من أمثلة هذه الشروط تقديم سعر متدن للغاية فقط في أول سنتين من تقديم الخدمة، في مقابل توقيع عقد خدمة مدته 10 سنوات وفيه شروط جزائية لمن ينهيه قبل موعده.

كذلك حين تكون بحاجة ماسة للمال وللنقد، فتقدم سعرا منخفضا مقابل الحصول على المال الآن، وهذه حالة خاصة غير متكررة يفهمها العملاء المخضرمون.

إذا طلب عميل معاملة بالمثل، فستطلب منه توقيع عقد مماثل، أو الدفع الآن نقدا، وهي طلبات منطقية ومقبولة ومفهومة، لا مجال للتنازل عنها.

هناك بدائل كثيرة عن خفض السعر، مثل تقديم قيمة إضافية لسعرك الثابت تختلف باختلاف كل عميل (مثل هدية أو شهر خدمة مجاني)، لكن في مقابل شروط خاصة وملزمة حتى لا يطلب جميع العملاء هذه المزايا بشكل أساس وبدون زيادة في السعر فتخسر وينخفض ربحك.

المشكلة في عالم التجارة العربية اليوم أن الغالبية (إن لم يكن الكل) يقلد ولا يفكر ويتدبر.

إذا خفضت سعرك مثل المنافس، وقدمت هدايا إضافية مثله، فإذا خسر المنافس فستخسر مثله.

ما يحدث فعليا في المنافسة العربية (إلا من رحم ربي) هو أن المنافس يطعن نفسه بخنجر ويترك دمه ينزف، فتجد بقية المنافسين من يطعن نفسه بسيف أو بساطور أو بمنشار آلي وينزفون مثله، وكلهم يدعو الله أن يطيل في أجله وأن ينزف أكثر من غيره، ولا عقل أو حكمة تبرر هذا.

إذا حدث وخفضت سعرك، فيجب أن يكون لديك مبرر قوي يقبله عملاؤك الجيدون.

لا تجعل عملائك يعتادوا السعر المتدني ذي هامش الربح الضئيل.

عليك أن تتعلم رفض بيع خدماتك ومنتجاتك بثمن بخس. التجارة الناجحة تعني تحقيق أرباح فعلية، لا أرقام مبيعات كبيرة.

تعلم متى يجب أن تقول: لا، آسف، لا أقبل، أنا أرفض البيع بهذا السعر…

نورم برودسكي رجل عصامي أمريكي نيويوركي، له باع طويل جدا (30 سنة) مع النجاح والفشل في مجال الأعمال التجارية، بثروة تقارب 110 مليون دولار، وهو كاتب له عامود منتظم في مجلة .Inc الأمريكية التي تعني بالناجحين من رجال الأعمال.

14 ردود
  1. djug
    djug says:

    هناك أمر آخر يمكن إضافته إلى القائمة فوق، و هو أنه لدى تأجير (آلات مثلا) بسعر أقل، فإن قيمة تلك الآلات ستنخفض مع مرور الوقت (نظرا لاستغلالها)، و قد تحصل لها أعطاب لن تغطيها أثمان التأجير، و في مثل هذه الحالات يكون عدم تأجيرها أفضل

    لكن و لتجنب الوقوع في مثل هذه الحالات، فإنه من الأفضل عدم الاستثمار (في آلات أو مساحة تخزين) إضافية إلا إذا كانت هناك احتمالات كبيرة للاستفادة منها ماديا، يعني الاستثمار فيما يعود بالنفع بشكل مباشر، و توسيع الاستثمارات لاحقا

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      وجهة نظر سديدة وصحيحة بدون جدل، لكن كذلك لا تنس أن التاجر مهما كان حذرا، ستمر عليه فترات لديه سعة زائدة لا يدري ماذا يفعل بها!

      رد
  2. بسام
    بسام says:

    فكرتني بعمي .. عنده توكيل بست .. واحد نزل قدامه السوق .. جديد .. فرخص السعر .. قام عمي مرخص السعر .. فضلوا قصاد بعض .. لحد ما عمي بقي ياخد الكرتونة من المصنع مثل ب 21 يبعها ب 20.75 . دا في الحرب التسعرية .
    لكن المشكلة إن البقاء يبقي للأقوي .. في الحجات دي يا شبايك . فمثلا .. يعني لو شركة اتصالات معندهاش سيوله كفاية للخسارة هتدمر بسرعة .. فلازم عليها إنها تنزل .
    علي العموم أفكار الكاتب منطقية … ولكن برضوا مش في حالات نادرة .. يعني ممكن كل فترة تعمل أصلا خدمة جديدة للعملاء المميزين .
    وأحيانا المساحة الأخيرة تتباع بسعر أعلي نتيجة الطلب الزيادة عليها .. مش شرط اصلا يقل ..وأنا فاكر تدوينة المليون بكسل . اللي باع اخر شوية بسعر علي جدا جدا .
    تحياتي ليك يا أخ رؤوف .

    رد
  3. ] د محسن النادي
    ] د محسن النادي says:

    قبل مطالعة التدوينه
    جاء شخص لغرض ما ويريد تبخيس السعر
    قلت بالحرف الواحد
    خذه بلا مقابل لكني لا اقبل ان انزل بالسعر نهائيا
    فلم يقبل بعرضي
    ولم ابعه بسعري

    كنت غير نادم رغم ان ربحي هامشي في السعر الذي عرضه الشخص
    ويمكن ان اكسب زبون كما يقال
    لكنه سيكون زبون فاشل سوف يحول امثاله في المستقبل
    فلم انا اتعب وهو ياخذ كما يريد؟

    ثم طالعت تدوينة رءوف فعرفت اني محق برفضي

    ودمتم سالمين

    رد
  4. أبو عبد الله
    أبو عبد الله says:

    هناك مثال ناجح جدا وهو بخلاف ما قال كاتب الكتاب.
    وهو شراء تذكرة السفر بالطائرة حيث تبدأ الأسعار متدنية ثم ترتفع شيئا فشيئا وهذا يعلمه الكثير.
    لذلك فيظهر أن ما قاله الكاتب لا يشمل جميع أنواع التجارة. بل قبل كل شيء لا بد من تحديد إستراتيجية تحقيق الربح باستقراء لواقع السوق و غيرها من الأمور.
    و هذه الإستراتيجية مرتبطة إرتباطا وثيقا بحالة المشتري و بالمستوى الذي تريد الشركة أن تتعامل فيه مع الزبون.
    كما أن إرتفاع الأسعار لا يكون مبررا من شركة لم تستثمر في شركتها الإستثمار الجيد أو لم تكن في مستوى ذلك السعر المرتفع.
    و الله أعلم.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      لكن كذلك لا تنس أن تذاكر السفر تنخفض بشدة في يوم السفر وساعات قبل إقلاع الطائرة، بحسب مدى امتلائها 🙂

      على أن هذا المثال ليس ما يقصده مؤلف الكتاب، فلا تنس أن غالبية مواضيع المدونة هي للمشاريع الناشئة والصغيرة، ومثال الطائرة بعيد جدا عنا 🙂

      رد
  5. عمرو النواوى
    عمرو النواوى says:

    تذكرت – وأنا أقرأ تدوينتك هذه – تدوينة سابقة كتبتها عن مبرمج لتطبيقات آى فون قام بعمل تجربة في بيع منتجه، فزاد في سعره تدريجيا من 2 دولار حتى وصل إلى 99 دولار وكلما زاد السعر زاد الطلب عليه ..
    الناس عادة تشتري بالسعر المرتفع ظنا منها بعض الأمور .. مثلا:-
    1- المنتج تم الإنفاق عليه جيداً في إعداده وتجهيزه، لذلك سعره مرتفع.
    2- المنتج خامات صنعه مرتفة السعر لأنها خامات أصلية، لذلك سعره مرتفع.
    3- صاحب المنتج يقدم منتجات جيدة على الرغم من ارتفاع ثمنها (السمعة) لذلك إذا قدم منتج جديد مرتفع السعر سأشتريه وكلي ثقة في أنه لن يقل جودة حتى لو كان سعره مرتفع.
    وغيرها الكثير مما لا أتذكره الآن .. ولكنه يحفز ويدفع أكثر إلى الشراء بسعر مرتفع على الرغم من توافر نفس المنتج بسعر منخفض .. ربما هي غريزة الشك. 🙂

    رد
  6. امين عقل
    امين عقل says:

    السلام عليكم
    في مثل بيقول .اكسب قليل تبيع كتير تكسب كتير .دي نقطه ارجو التوضيح

    في حاله الشركات او التجاره الجديده صاحب الشركه عايز قاعده كبيره من العملاء من خلال تخفيض السعر وهو فعلا راضي عن مستوي الربح اللي بيكسبه من الزبون
    وفي شيئ تاني زي المثال اللي حضرتك ذكرته بخصوص شركه الاتصالات مش معني ان شركه الاتصالات الجديده خفضت السعر انها بتخسر بالعكس هيه بتكسب عملاء جدد وفي نفس الوقت بتكسب في المعقول

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *