على أساس الفائدة للعميل، وليس التكلفة

,

في المفهوم التقليدي، يقف المرء ليبيع سلعة ما. هذه السلعة كلفت كذا لتصنيعها، ثم كذا لشحنها ونقلها وبيعها لهذا البائع الآخر، والذي يضيف هامش ربح مقبول ويبيعها للمشتري / المستخدم النهائي. ما يعيب هذا المفهوم، هو أن المنافسة تؤدي لخفض هامش الربح وبالتالي يجب على البائع بذل مجهود كبير، لبيع عدد كبير من السلع، بهامش ربح منخفض. زيادة درجة المنافسة، وهو ما يحدث في أغلب الأسواق اليوم، يؤدي لظهور كيانات كبيرة، تستطيع خفض أسعارها بدرجة تجعل من الصعب (إن لم يكن مستحيلا) على أي قادم جديد إلى السوق أن يبيع خدماته ومنتجاته. (لهذا المفهوم عيوب أخرى ليس هنا مجال ذكرها.)

ماذا يفعل مسؤول التسويق والبيع في موقف مثل هذا؟ مرة أخرى نغطس في الأمثلة الأمريكية، حيث واجهت شركة متوسطة الحجم مشكلة مماثلة، فهي كانت تعمل في مجال بيع شحوم تزييت (Lubricants) الآلات الثقيلة والمعدات العملاقة المستخدمة في شق وتمهيد وتعبيد الطرق وسفلتتها وغير ذلك. واجهت هذه الشركة منافسة قاتلة من شركات النفط والبترول، والتي كانت قادرة على تجيش جيوش جرارة من رجال المبيعات والخدمات لبيع مخزونها الطائل من شحوم التزييت.

كانت المنافسة على أساس السعر مستحيلة أمام هذه الشركات الثرية والقوية. وجدت هذه الشركة الأمريكية أن عليها تركيز تفكيرها وخدماتها على القيمة التي تقدمها للعملاء من خلال ما تبيعه، وبعد تفكير استراتيجي، توصلت إلى أن عملائها، وهم المقاولون، الذين ينفذون بأنفسهم مقاولات رصف الطرق، يستأجرون هذه الآلات والمعدات الثقيلة، وإذا حدث وتعطلت آلة واحدة لساعة واحدة، تكبد المقاول خسائر جمة، وإذا طال أمد التعطل، لربما خسر المقاول كل شيء، لأنه بدوره يعمل وفق المفهوم التقليدي وبسبب المنافسة الشرسة اضطر لخفض هامش ربحه.

في الأصل، هذا المقاول يشتري شحوم التزييت لأنه يخشى من تعطل هذه الآلات، ولذا قررت هذه الشركة بيع عقود صيانة لهؤلاء المقاولين، تضمن عدم تعطل أي آلة ثقيلة من آلات المقاول إلا لعدد معدود من الساعات خلال السنة كلها، وإجراء الصيانة الدورية اللازمة لكل آلة، والتي – كما ستتوقع – تعتمد على استخدام شحوم التزييت القادمة من هذه الشركة تحديدا. هذا النموذج مكن هذه الشركة من تحقيق مبيعات كثيرة، فالكل يريد ضمانة ضد المجهول.

xerox_914_ad_cutهذا المثال يجلب للذاكرة شركة زيروكس، والتي واجهت مقاومة عنيفة من السوق حين طرحت في عام 1959 باكورة ماكيناتها لتصوير المستندات والأوراق – زيروكس 914، وكان سعر الواحدة وقتها يحوم حول 4 آلاف دولار لكل ماكينة. في هذا الوقت، كان هذا الرقم مخيفا، يجعل أي مدير يرفض الشراء وضميره مرتاح.

عوضا عن منازعة مدراء المشتريات ومحاولة تغيير قناعتهم، عمدت زيروكس إلى تأجير ماكيناتها للتصوير، وفي أحيان أخرى بيع خدمة تصوير الورق للعملاء المحتاجين في شركاتهم ومحاسبتهم على الورقة المصورة مع تقديم الصيانة اللازمة وحتى الحبر، وبدلا من التسويق لماكينات تصوير الأوراق على أن سعرها 4 آلاف دولار، تحول التسويق والدعاية لها ليركز على أن كلفة تصوير الورقة الواحدة، وهي كانت وقتها 5 سنت أمريكي، وهو سعر زهيد جدا.

ما حدث بعدها هو أن الناس بدأت تعتمد على تصوير الأوراق بشكل كبير – لما لا والسعر زهيد، الأمر الذي خلق طلبا كبيرا على هذه الماكينات السحرية، التي تصور الورق بسعر رخيص.

مع دخول صفة الرخيص والزهيد انقلبت المعادلة، ومع إقدام الناس على تصوير الأوراق والمستندات حتى أصبح ذلك من ضروريات الحياة اليومية، بدأ الطلب يتحول ليكون مبررا على هذه الماكينات، وبدأ الانطباع السائد عن سعر البيع يتحول من غالي إلى استثمار جيد يوفر الوقت والمال، وربحت زيروكس الكثير بعدها، وبلغت مبيعاتها من هذه الماكينة أكثر من 600 ألف وحدة مباعة.

حين تفكر في تحديد سعر / ثمن / مقابل بيع خدماتك و منتجاتك، لا تجعل تكلفتك مركز تفكيرك أو نقطة انطلاقك، بل الفائدة التي يريدها ويبحث عنها عميلك. افهم جيدا ما الذي يريده العميل، هذا هو السر.

22 ردود
  1. baha
    baha says:

    هذا النموذج مكن هذه الشركة من تحقيق مبيعات كثيرة، فالكل يريد ضمانة ضد المجهول.
    افهم جيدا ما الذي يريده العميل، هذا هو السر.

    ومن خلال ذلك حاول ايجاد منافذ لتطوير الخدمات التي تقدمة بصورة تحل مشاكل العميل وتحل مشاكل البائع(بالارباح بالطبع تحل مشاكل البائع) فى نفس الوقت اي ان يربح العميل و البائع من الحلول المبتكرة المقدمة من المسوق المحترف

    تسلم استاذي على المقال الرائع

    رد
  2. baha
    baha says:

    تغلغل داخل المشكلة او المشاكل و حاول ان تحله من جذورها للعميل المحتاج وكلما كثر عدد العملاء المحتاجين للحل كثرة ارباح المؤسسة حاول ايجاد الحلول اترك العملاء ان يشاركو بالاضافة للخبراء( هم موظفين الصفوف الامامية للمؤسسات و المختصين فى المجالات المختلفة ) . اجعل اجتماعات دورية فى المؤسسة بغرض التطوير و الترقية للمؤسسة شارك موظفيك كقائد و ليس مدير.

    تسلم استاذي

    رد
  3. mohamed
    mohamed says:

    مقاله متميزه جدا كالعاده

    فعلا التسعير مشكله كبيره تواجه جميع الشركات , ويجب عمل دراسات كثيره جدا لذلك

    رد
  4. elsharqwy
    elsharqwy says:

    استمتعت كثيراً بهذا المقال
    فالكثير بالفعل لا ينظر للعميل الذي يأخذ منه السلعة بقدر ما ينظر هو نفسه لطاقته التي اخرجها فيها
    ربما تكون تلك الطاقات اكثر من قيمة السلعة فيُحبط

    الله يوفقك .

    رد
  5. محمد حبش
    محمد حبش says:

    يكون التفكير في استراتيجية التسعير ( تكلفة + هامش ربح ) مجديا في السلع النمطية وغير المميزة والموجودة في سوق منافسة كاملة .. هنا ينفع خفض هامش الربح للمنافسة

    اما التفكير بنمط الفائدة وهنا نقصد الندرة، في ماكينات التصوير والتي كان والدي يعمل بقطع تبديلها كان يباع مسنن بلاستيكي صغير جدا بأكثر من 20 دولار وهناك مسننات كلفتها أعلى في التصنيع وتباع بشكل ارخص، السبب أن هذا المسنن الصغير لو تعطل ستتوقف الالة بالكامل عن العمل وهو حرج ومهم جدا واعطاله كثيرة بالرغم انه لا يحوي مزايا نادرة فيه كمواد أو تعقيد تصنيع، أما المعقد الارخص فهو لأنه قليل التعطل وان تعطل لا يتسبب بتوقف كامل الماكينة انما خلل ببعض الوظائف

    طبعا هذا لم ندخل في حساب السعر امور معنوية مثل براءات الاختراع والعلامة التجارية والخبرة السوقية ولهذه كلها اسعارها

    رد
  6. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    حين تفكر في تحديد سعر / ثمن / مقابل بيع خدماتك و منتجاتك، لا تجعل تكلفتك مركز تفكيرك أو نقطة انطلاقك، بل الفائدة التي يريدها ويبحث عنها عميلك. افهم جيدا ما الذي يريده العميل، هذا هو السر.\
    هذا زبدة الكلام لاي عمل ناجح
    ودمتم سالمين

    رد
  7. sultan
    sultan says:

    كلام منطقي يوصل الانسان الى الانتاجية باعلى الدرجات ولكن يحاتج الى عقول مفكرة فالوقت الان ليس مثل زمان يجب ان نبحث عن الفرص لان المافسة قوية . شكرا لك

    رد
  8. محمد الفحام
    محمد الفحام says:

    اخى رؤواف سوف استخدم هذة المقولة فى موقعي بعد اذنك ” حين تفكر في تحديد سعر / ثمن / مقابل بيع خدماتك و منتجاتك، لا تجعل تكلفتك مركز تفكيرك أو نقطة انطلاقك، بل الفائدة التي يريدها ويبحث عنها عميلك. افهم جيدا ما الذي يريده العميل، هذا هو السر. “

    رد
  9. شريف أحمد
    شريف أحمد says:

    مقال رائع و متميز استاذ رؤوف , بالفعل شركتنا تعاني من هذه المشكلة بسبب الازمة الاقتصادية التي تعاني منها الشركات الاخرى و انا ارى بالفعل ان الحلول الموجودة في المقالة هي الحلول التي يجب ان يفكر فيها صاحب المنتج في ظل الوضع الاقتصادي القائم , شكرا لك استاذ شبايك مرة اخرى و جزاك الله خير ,,,

    رد
  10. رضوان
    رضوان says:

    اعتقد انه عند التسعير هل السعر شعبي او باهظ او فاخر يعتمد على السوق ودراسته وفهم المنافسين
    سأعطي مثال: شركه لإنتاج ورق الحمامات
    يمكنها تسعيره كأرخص منتج او سعر متوسط او غالي
    طبعا اذا غالي يجب اعطاءه مميزات انه غالي
    مثل التغليف والخ.
    وهذا يتعلق بالمنافسة وقوتها وعندها نقرر كيف يكون منتجنا من ناحيه بناء العلامة التجارية والسعر
    مثلا توجد منافسه في السعر فبإمكاننا الابداع مثلا منح جوائز لأصحاب المحلات او حتى الزبائن
    ولكن بحذر وليس تهور او بالإمكان عمل ما حدث في هذه القصة
    طلب احدهم دراسة جدوى لفتح مصنع ورق حمامات تواليت
    بعد دراسة للسوق وجدت الشركة ان السوق مليء ويكاد يطفح من المنتجات فعلى كل فئه تسعير توجد اربعه شركات معروفه
    فكان القرار لشركه غير مبدعه ان تقول للشخص الذي طلب الدراسة انه المشروع غير مجدي
    ولكن قالوا له انتظر وبعد تفكير
    قرروا ان المشروع مجدي جدي ومربح كيف؟
    لاحظوا ان الزبائن في المناطق السياحية ومحلات البيع في محطات الوقود
    حين يطلبون شراء ورق التواليت يتضايقون من الكميه فقد كان اما 16 لفه او 32 او 24 او 48
    والسائح او من اوقف في محطه وقود لا يحتاج الى 16 لفه
    فانتجوا عبوات 8 لفات و4 لفات و لفتين ورق.
    وسوقت في الاستراحات والمناطق السياحية. ولم يكن صعب أقناع اصحاب المحلات بان هامش الربح اكبر وان السعر لا يهم السائح كثيرا وانما كيفيه التنقل مع الورق وقالوا انه ان العبوات الكبيرة تأخذ مكان كبير فبإمكانك ادخال منتجات اخرى ومعروف ان هذا النوع من المحلات تكون مساحتها صفيره. وبعدها قرروا من اجل حماية انفسهم من التقليد وسرقه الفكرة تسجيل علامه تجاريه على طريقه لفتح واغلاق اللفة الواحدة وحمايتها من المياه.
    وسوق المنتج في البداية في هذه المحلات ولاقى نجاح والان اصبح يباع في كل مكان

    رد
  11. ريهام المرشدي
    ريهام المرشدي says:

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أعجبني التسلسل في المقدمة جدا أ/رؤوف أحييك عليه
    و مثال شركة زيروكس هو بالفعل ذكاء في التسويق … تعلمت شيئا جديدا فشكرا لك .

    رد
  12. أمينة
    أمينة says:

    السلام عليكم

    هذه المدونة فيها سحر يجعل كل قادم جديد يدمن العودة كرة تلو مرة. و ليس الأمر بسحر، و إنما هو جهد حقيقي و عصارة فكر و “قيمة” تقدم بأسلوب جذاب.. ليس عندي من تعليق سوى “بارك الله فيك”

    رد
  13. محمد صابر
    محمد صابر says:

    فعلاً استـــاذ بـــــارك اللـــــه فيـــــــك
    كلما قرأت مدوناتك تعلمت شيئًا جديدًا 🙂

    رد
  14. محمود صادق
    محمود صادق says:

    بارك الله فيك سيدى فمنك يستفيد كل من يحب أن يعمل بالمبيعات وكل من يعمل حالياً بالمبيعات لأن رجل المبيعات مندوباً أو مديراً يمر كل يوم بنوع من التشويش فى عقله عندما ينتهى يومه ويجلس ليتسائل ماذا حقق اليوم وفى الغالب ينتهى باليأس أو عدم الرضا عن ماحقق من مبيعات وعندما يجلس على الجهاز ويقرأ ماتكتبه من كتابات لك أو تسرد كتالات لأخرين يعود إليه الحماس ويتيقن من أن غداً سيكون أفضل بإذن الله وهذه ميزة العمل بالمبيعات الحساب اليومى ليعدل خطة الغد .
    شكراً جزيلاً لكم ولكل من كتب تعليق فالكل مستفيد حتى كاتب المقالات مستفيد من التعليقات .

    رد
  15. وسيم الاصبحي
    وسيم الاصبحي says:

    من الطبيعي لأي عميل عندما يشتري منتج أولا يريد من هذا المنتج أن يشبع الحاجه التي جعله يشتريها وهذا طبيعي جدا , ومنها لابد ان يتعرف المصنعون قبل أنتاجهم لأي منتج الفائده التي سوف تشبع حاجات العملاء وكذلك رجال التسويق عليهم معرفة ماالشي الذي سوف يسوقونه من فوائد هذا المنتج الذي سوف يشبع حاجات عملائهم .

    رد
  16. أنس البحاح
    أنس البحاح says:

    كلام مهم جدا ومثال مكمل للفكرة // مقالة مميزة تشكر عليها أستاذ شبايك.
    فائدة العميل من المنتج ( أساس ) ، أما التكلفة فيمكن طرحها بالاستناد على الفائدة والجودة ، عندها سيكون الربح ( تحصيل حاصل ).

    رد
  17. عمرو النواوى
    عمرو النواوى says:

    افهم جيدا ما الذي يريده العميل، هذا هو السر

    هذه هي الجملة التي يُبنى عليها المشروع من الأساس، وهي ما يجب أن نضعها نصب أعيننا قبل البدء أساسًا.

    ملحوظة: أوحشتنا كتبك الجديدة .. ألا يوجد شيء في الطريق؟

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *