قصة أمل : كينيدي عيديدي

بقلب حزين أتلقى أخبار انتحار شباب عربي، أشعر وأني مقصر في نشر قصص الأمل، وأن لي قسما من المسؤولية عن فوز اليأس في معركة هؤلاء المنتحرين مع الحياة. لا أقبل التذرع بأن هؤلاء إيمانهم ناقص أو أنهم هم من أذنبوا، دليلي في ذلك أنه كان يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس في بيته ويغلق بابه ويدعو ربه وحده وليذهب الكفار إلى الجحيم، لكنه لم يفعل وأمره القرآن المرة تلو المرة بأن يدعو كل الناس للإيمان برحمة الله وللنجاة من النار. طبعا لا يترك الشيطان حيلة إلا واتخذها، ومن ضمن حيله أن يجعلك تقول هذه قصة نجاح في أمريكا حيث الثروات توزع على الجالس في بيته، أو في أوروبا حيث يجد العاطل مالا وفيرا لا يحتاج معه للعمل، وكل أحاديث الشيطان كذب، وكل هوى النفس كسل.

سامحني على المقدمة الطويلة، اليوم عثرت على قصة كينيدي عيديدي Kennedy Odede، شاب كيني نشأ في كيبيرا Kibera، أكبر أفقر حي في العاصمة نيروبي في كينيا – بل وفي إفريقيا كلها. كان كينيدي الابن الأكبر تلاه سبعُ من الإخوة والأخوات، وكان عليه إعالة العائلة طفلا فلم يتعلم حرفا ولم يعلمه أحد القراءة والكتابة. شاهد كينيدي بعينيه ماذا يفعل الفقر بالناس، من حيث الجريمة والبغاء، وعاصر فتيات عمرهن ستا من السنوات يضطررن للرذيلة مقابل تناول طعام يبقيهن أحياء، ورأى ماذا تفعل الأمراض التي تهاجم من ينتهج هذا النهج في الحياة، ولمس بنفسه سرعة انتشار مرض الايدز وكيف يقتل الحياة في أجسام المرضى به.

قصة أمل في حي كيبيرا

كان بيت الصغير كينيدي وعائلته عبارة عن كوخ صغير من الألواح المعدنية الصدئة، حتى طرده منه زوج أمه وهدده بالقتل إن هو عاد لأن الكوخ امتلئ عن آخره بالأولاد. هام كينيدي على وجهه وبدأ يوقن بأن حياته ما هي إلا سجن كبير، لا أمل فيه، صحراء هجرها النبت والماء. رغم ضغوط العصابات عليه لينضم لها، ورغم بريق الخمر والمخدرات التي تعطي البهجة الزائفة والعبودية الدائمة، ورغم مناقشة نفسه له بأن الموت أفضل من هذه الحياة شديدة البؤس، ورغم قتل صديق طفولته على يد الشرطة لأنه فقط بدا وكأنه مجرم، ورغم انتحار صديقه الآخر، ورغم اغتصاب اثنين من أخواته، رغم كل هذا البؤس الدرامي، ظل كينيدي الصغير يبحث عن أي أمل، أي بارقة تساعده على مجادلة كل هذه الأفكار السوداوية في داخل رأسه.

قصة امل في حي كيبيرا

قصة امل في حي كيبيرا

ثم حدث يوما أن جاد سائح أمريكي كريم على الشاب الصغير بكتابين كانا معه وهما: مجموعة مواعظ دينية ألقاها مارتن لوثر كينج، و الطريق الطويل إلى الحرية والذي كتبه نيلسون مانديلا. لكن كيف قرأ كينيدي؟ كان الفضل لرجل دين مسيحي تولى بنفسه تعليم كينيدي القراءة والكتابة. لأول مرة في حياته، وجد كينيدي نبع الأمل الذي يبحث عنه، وجد أن القرار بيده: إما الاستسلام لليأس، أو أن يبدأ السير في الطريق الطويل للحرية.

عاش كينيدي حياته كلها فقيرا لا يملك المال، لكنه يوم أن بدأ العمل في مصنع قريب، بعدما تخطى العشرين من عمره، خصص أول 20 سنت أمريكي قبضها لشراء كرة قدم متواضعة، بدأ بها دوري رياضة كرة القدم لأقرانه من الشباب صغير السن، ليشغلهم بالرياضة عن الجريمة، وجعل هذا اليوم بداية تأسيسه لمؤسسة خيرية غير حكومية لا تهدف للربح أسماها شوفكو اختصارا لـ: Shining Hope for Communities والتي عمل فيها ناجون من الحي الفقير كيبرا الذي نشأ فيه كينيدي.

رغم شحوب البداية، لكن تربة الخير خصبة، مدت يد المساعدة إلى كينيدي، ورويدا رويدا بدأت مؤسسته تتلقى المساعدات من دول العالم، عينية ومالية، وتلقى كينيدي منحة دراسية من جامعة أمريكية رغم أنه لم يجلس يوما على مقاعد الدراسة، وهو أتمها ونجح بتميز وكان أول شاب كيني من حي كيبرا يتخرج من الجامعة، وتزوج كينيدي من أمريكية وهبت حياتها لمساعدة المحتاجين في افريقيا، وأسس كينيدي عبر مؤسسته مدرسة فتيات في كيبرا لا تطلب أي مقابل مالي للتعلم فيها، وعيادة صحية مجانية، وحمام صحي عمومي، وهو مستمر في فعل الخير ومساعدة المجتمع البائس الفقير الذي نشأ فيه.

كينيدي اليوم فاعل خير ومتحدث مفوه، يلقي الخطب في دول العالم حول الأمل ومخاطر اليأس، وكيف يمكن لمن يريد تغيير مصيره أن ينجح. أكثر ما يقلق كينيدي هو أن نتراخى ونتكاسل لكون نيلسون مانديلا خرج من سجنه وأصبح رئيسا، ثم مات حرا، فالأحياء الفقيرة لا زالت كما هي، وهي سجن الأحياء ومقبرة الأمل ونهاية الطريق لكثير من سكانها. الصراع ضد الفقر والجريمة لا ينتهي حتى نموت، ويجب ألا نتوقف يوما عن تحسين حياة الناس في كل مكان.

– نهاية القصة –

على الجانب:

  • هذه قصة فقير من أفقر بقاع افريقيا، حتى لا يقول قائل هذه أمريكا أو أوربا أو الغرب أو مالي أراك منبهرا بالغرب الكافر.
  • نعم، ساعده قسيس وساعدته أمريكية، لأننا معاشر المسلمين لم نمد له يده المساعدة قبلهم وهذا عيب علينا لا عليه.
  • في المرة التالية التي تقابل فيها أي افريقي أسمر في حياتك، تذكر الفارق بين نشأتك ونشأته، حياتك وحياته، ولذا أرجو أن تحرص على أن تظهر له الصبر في نقاشك معه، والتفهم في تفسير قراراته، فهو لم يفعل أي شيء ليأتي إلى هذه الدنيا افريقيا أسمر تقتله الشرطة فقط بسبب لون جلده، وأنت لم تفعل أي شيء في حياتك لتأتي عربيا أبيض، والعاقبة للتقوى.
  • الآن، أرجو أن تساهم هذه القصة في تراجع ولو شاب واحد عن أي أفكار سلبية، وأن تساهم في تقوية إيمان مؤمن ينازعه الشيطان.
17 ردود
  1. مختار أحمد
    مختار أحمد says:

    شكراً أستاذ رؤف دائماً سّباق بالنصح والتوجيه – فبارك الله فيك وجزاك خير الجزاء

    عندما أشعر بالاحباط فأول مدونة أفكر في الدخول إليها هي مدونة شبايك ، وعادة ما أخرج منها وأنا كلي حماس وتفائل .

    استمر في نهجك هذا – ولك الأجر من الله
    وأعتذر منك على عدم تعليقي كثيراً على تدويناتك – فأنا من متابيعينك الصامتين .

    جزاك الله خيراً

    رد
  2. عادل
    عادل says:

    جزاك الله خيرا، فاليأس والإحباط منتشر جدا كذلك في عالمنا العربي خصوصا بين أوساط الشباب

    رد
  3. شريف
    شريف says:

    جزاك الله خيرا
    تهنئة متأخرة علي تطبيق المدونة علي المتجر والتي يسرت المتابعة
    انت لم تدخر جهدا لتبصير الناس بقصص النجاح حول العالم
    الواجب علي كل من يتابعك ان يساهم في تعريف اخرين بمدونتك
    قمت بشراء جميع مطبوعاتك واشجع اخرين علي قراءتها وكذلك التعريف بالمدونة
    وأولهم ابنتي “12عام” وابني”10 اعوام”
    وفقك الله

    رد
  4. احمد الجندي
    احمد الجندي says:

    شكرا استاذ شبايك فعلا لابد للإنسان أن ينفض عنه غبار الكسل واليأس وأن يبادر دائما بكل ماهو إيجابي لخدمة الناس

    رد
  5. صلاح سلامة
    صلاح سلامة says:

    كل ما كنت أفعله هو أنني أقرأ تدويناتك وأعلق عليها وأذهب من حيث أتيت، ولكن هذه المرة أتضح لي أن هناك شيئاً آخر يجب علي عمله. نشكرك على هذه المقالة، فهي فعلاً بارقة أمل تطرق الباب على قلوب يائسة

    رد
  6. وليد المرزوقي
    وليد المرزوقي says:

    كلامك روعة وفي غاية الأهمية ..
    اخي رؤوف كنت اسمع كثيراً ان الكلام التحفيزي ليس منه فائدة ..!!
    قبل عام ونصف تقريبا انطردت من اجمل وظيفة كنت اعمل بها ..
    لم أكن املك يومها اي شيء وكنت مديونا ٢٥٠ الف درهم قررت عدم الاستسلام وقرأت جميع مقالاتك وكانت قصص النجاح مصدر الهام كبير لي وبفضل الله تعالى أمتلك الآن سلسلة مطاعم ودار نشر ومشروع عقاري ومقالاتك وقصص النجاح كانت لما بمثابة وقود للطاقة ..
    وبإذن الله لنا مشاريع اخرى ولك مني الف شكر وتقدير .

    رد
  7. إبراهيم الحديثي
    إبراهيم الحديثي says:

    جميل اسلوبك وحماسك وتعليقك اضفى على القصة عالم من المتعة

    باركك الله ،،،

    رد
  8. هشام عبد الرحمن
    هشام عبد الرحمن says:

    جزاك الله خيرا
    معك حقي
    العبره بالعمل و ليس فقط بالكلام و الحلم و العيب فينا ان نمتلك كل هذه الثروات و لا نجد الطريق لنوظفها في الخير و بناء مجتمعاتنا بدلا من الفقر و الجريمه
    تحياتي اخي الفاضل

    رد
  9. عزالدين تاجري
    عزالدين تاجري says:

    شخصيا لم أعد أخف على مستقبل أمتنا العزيزة طالما فيها أناس أمثالك أخي شبايك معا سنعيد لها التاريخ المجيد إن شاء الله

    رد
  10. عزة عمر
    عزة عمر says:

    جزاك الله خير أخي الفاضل هذه القصة من أروع ما قرأت لك وقصصك كلها ملئها الروعة والجمال والفائدة …

    أنا قارئة قديمة لمدونتك الأكثر من رائعة فكلما غبت عن هذه المدونة أعادتني إليها التحديات و الإحباطات التي أواجهها … هذه المدونة بمثابة صدقة جارية لك تنتفع بها في الدنيا و الآخرة بإذن الله و ننتفع نحن بإبداعاتك جزيت عني و عن كل من أدخلت في قلبه بارقة أمل أو شعلة حماس تساعدنا على إكمال طريقنا بقوة وثبات بارك الله فيك و في جهودك المبذولة … تحياتي

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      والحال كذلك اسمحي لي بالسؤال، ما أكثر القصص في مدونتي التي أعطتك شحنة كبيرة من الأمل، وفي رأيك لماذا ذلك؟

      رد
  11. عزة عمر
    عزة عمر says:

    أكثر القصص التي أعطتني شحنة من الأمل هي تلك التي تتحدث عن أشخاص بدأوا من لا شيء ليصبحوا عند تحقيق أحلامهم كل شيئ متجاوزين بقوة عزيمتهم و إصرارهم كافة التحديات والعقبات التى واجهتهم ولربما إعجابي بهذا النوع من القصص هو قوة طموحي مع قلة إمكانياتي ناهيك عن التحديات و الصعوبات التى تواجهني في سبيل تحقيق أهدافي و لكني سأمضي متوكلة على الله أطرق أبواب الرزق و النجاح و الفلاح و العلم النافع و لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
    تحياتي ..

    رد
  12. islam
    islam says:

    مش عارف اقول لك ايه عن هذا الكلام الرائع وتجميع قصص النجاح التي تدعوا للتفاؤل والامل … غير كلمات قليلة وتقابلها حسنات كثيرة في ميزانك ان شاء الله ….. وهذه الكلمات هي جزاك الله خيرا ونفع بك وفرج همك في الدنيا والاخرة

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *