مسيرة آلان سكر، مؤسس امستراد

,

سنتفق عليه وسنختلف، وسنتساءل هل يستحق سرد قصته وحكايته، فهو من تراه الصحافة الفم المندفع، ذا قذائف من العيار الثقيل، وهو صاحب قرارات خاطئة كثيرة، وأخرى صائبة ومربحة، لكننا سنجتمع على أن في قصته بعض الدروس. إنه آلان مايكل شوجر، الانجليزي الأصل، اليهودي الديانة، مواليد مارس 1947 ورابع أخوته، لأب عمل ترزي ملابس وكان ميلاده في شرق العاصمة لندن، وكانت أسرته فوق مستوى الفقر بقليل، تسكن في مساكن شعبية، تجاهد من راتب لآخر. رغم أن والد آلان كان ماهرا واشتهر بذلك، لكنه قط لم يفكر في بدء نشاطه التجاري أو امتلاك محله الخاص.

كمبيوتر امستراد سي بي سي 464 بسعر 199 استرليني صدر في عام 1984

لم يكن في طفولته أي ملامح عبقرية أو ذكاء، وكان يقوم من فراشه في السادسة صباحا ليغلي بعض حبات الشمندر الحمراء (البنجر) ثم يقف لبيعها في السوق قبل ذهابه للمدرسة، وبعد المدرسة كان يذهب بدراجته لتوصيل بعض الصحف اليومية للمنازل، وفي الإجازة الأسبوعية كان يعمل في محل مخبوزات، وفي الوقت المتوفر بين هذه وتلك كان يلتقط الصور الفوتوغرافية ويحمضها ويطبعها ويبيعها. وعمره 16 سنة، كان دخل آلان من هذه الوظائف الجانبية أكبر من راتب والده، رغم ذلك أصر والده على أن يترك ابنه مقاعد الدراسة، فالوظيفة أفضل بكثير، ولذا في سن 16 عاما رحل آلان عن التعليم، والتحق بأول وظيفة له.

كانت الوظيفة حكومية، تتعلق بترتيب الأوراق والتقارير، رتيبة مملة ولذا تركها بعد أسبوع واحد، الأمر الذي أغضب والده فجعله يلتحق بوظيفة أخرى أكثر مللا، فتركها مرة أخرى، ليعمل هو وصديق له على شراء أجهزة تليفزيون لا تعمل، بالجملة، ليجلس هو وصديقه يحاولان إصلاحها، ورغم أن العائد كان شحيحا، لكن هذه الخطوة جعلت آلان يتعلم متطلبات العمل التجاري، ويكتشف أن تجارة الإلكترونيات واعدة يمكن الربح منها، كما وأعطته الشجاعة والثقة بنفسه لكي يبدأ عمله التجاري الخاص الحر فيما بعد.

ثم انتقل بعدها ليعمل موظف مبيعات في محل إلكترونيات أعطاه سيارة نقل ليطوف على العملاء المحتملين ويبيع لهم مسجلات الكاسيت والأجهزة الصوتية، ومرة أخرى تعلم آلان الكثير عن صناعة الإلكترونيات، وأدرك أنه قادر على أن يبيع لنفسه لا لغيره. استمر آلان في العمل حتى ادخر ثمن سيارة نقل و رأسمال يكفي لشراء بعض الأجهزة الإلكترونية المستوردة، وحين استلم أول شحنة بضاعة، باعها كلها في يوم واحد مع ربح إجمالي 20% واستمر في البيع والربح حتى أسس شركته في عام 1968 التي أسماها امستراد، أو اختصار آلان مايكل شوجر تريدنج AMSTRAD.

كان عمره 21 ربيعا حين أسس شركة امستراد الشهيرة، وكذلك حين تزوج زوجته. آلية الربح عند آلان قامت على تطوير طرق تصنيع منتجات رخيصة، لتحل محل منتجات أخرى في السوق أغلى ثمنا. هذه العقيدة التجارية جذبته لجانب التصنيع أكثر من جانب التسويق لمنتجات الغير، ولهذا بدأ بالأغلفة البلاستيكية لمكبرات الصوت، ثم دخل مجال تصنيع مكبرات الصوت والتي كانت تتمتع بسوق كل منتجاته غالية الثمن، ولهذا قدم آلان مكبرات صوت ذات جودة مقبولة وبأسعار متدنية، وكان آلان من حزب التبسيط، إذ أنه وجد المستهلك العادي لا يفقه الكثير من المميزات التي تقدمها الأجهزة غالية الثمن، ولذا صنع منتجات بعدد قليل من المزايا، لكنه اهتم بالشكل الخارجي، واهتم بالآلية الوحيدة التي ساعدت المشتري العادي على التفرقة بين هذا المكبر الصوتي وذاك، ألا وهي الواط WATT أو حدة قياس القدرة الصوتية لكل مكبر.

كذلك، في حركة عبقرية لم تتكرر كثيرا في مسيرته المهنية، قرر آلان دمج كل مكونات المكبر الصوتي في جهاز واحد، فقبل مجيء أجهزة امستراد، كانت المكبرات الصوتية تأتي في صورة وحدات منفردة، فهذا جهاز الراديو، وهذا جهاز مشغل الاسطوانات السوداء، وهذا المكبر الصوتي، وهذا المعادل / الموازن / إكولايزر، وأخيرا السماعات. كان المشتري يعاني من توصيل الكابلات بين كل وحدة، فهذه كابلات الدخل وهذه الخرج وهذه الكهرباء، وكان الشكل الخارجي غابة من الكابلات وكثير من مشاكل التوصيل. دمج كل شيء في جهاز واحد، وتوفير محولات الطاقة والأسلاك، جعله الحل الأمثل، فوق كون الأرخص. رغم كل هذا، كان الكل يدرك أن جودة هذه المكبرات سيئة وهي لا تزيد عن كونها منتج رخيص، ولعل هذا ما يمكن أن نسميه السبب الأول لكراهية آلان التي تجدها في عيون الكثيرين حين تذكر اسمه.

رغم ذلك، أقبل المشترون وحقق آلان أرباحا سخية، جعلته يحاول تكرار الأمر ذاته في كاسيتات سيارات وهوائياتها، وكذلك أجهزة التليفزيون، وفي عام 1980 أدرج شركته في بورصة لندن بعدما كانت تحقق أرباحا سنوية تعادل 5.6 مليون جنيه استرليني ونالت مديح رئيسة الوزراء الحديدية آنذاك مارجريت ثاتشر. بعدها لاحظ آلان تلك الأجهزة الجديدة التي شغلت عقول الناس، خاصة الشباب والمراهقين، ونقصد الحواسيب المايكرو أو الكمبيوترات المنزلية (مرحلة سبقت الحواسيب الشخصية).

وهنا حيث ينتهي الوجه الأول من الشريط، ويتعين قلبه لوجهه الآخر (أو فاصل ونواصل).

10 ردود
  1. يوسف محمود
    يوسف محمود says:

    هنيئا لنا عودة قصص النجاح..
    قصة رائعة.. يبدو أن كل الناجحين ستبقى مسألة المخاطرة والمغامرة هل العامل المشترك بينهم

    رد
  2. abderrazzak
    abderrazzak says:

    السلام عليكم اخي رؤوف.
    شخصيا لااعتبره من الفاشلين فالرجل بدا في سن صغيرة وتنقل بين الوضائف وكانت شجاعته كبيرة في ترك بعضها حتى وجد نفسه في تجارة الالكترونيات
    واخيرا شكرا اخي رؤوف اخدتنا لزمن الكاسيت ‘وهنا حيث ينتهي الوجه الأول من الشريط، ويتعين قلبه لوجهه الآخر’

    رد
  3. شادي
    شادي says:

    أجمل شيء أن يمتلك الإنسان روح المجازفة.. فالرجل ترك وظيفته المملة ليعمل في مجال يرضي شغفه
    فضلاً عن شعوره بنشوة الفرح عندما يدرك أنه اتخذ القرار الصائب ونجح في اختياره
    أظنه لو كان رب أسرة حينها لما أقدم على ذلك ^_^

    متشوق للجزء الثاني من هذه التدوينة
    ” مع شبايك.. مش هـ تقدر تغمض عينيك ة_ة “

    رد
  4. عبدالسلام المودن
    عبدالسلام المودن says:

    انتهت في رمشة عين لا تحرمنا من لذة النجاح استاذ شبايك
    قصة جميلة ومثال معبر ننتظر التتمة
    شكرا

    رد
  5. وسيم الاصبحي
    وسيم الاصبحي says:

    قصة في منتهى الروعه, ولكل مجتهد نصيب , هذا ثمن الشخص المثابر والطموح . شكرا أخي رؤوف

    رد
  6. رشيد الطالب
    رشيد الطالب says:

    الرجل يأكد انه عوض الارتقاء في السلم الادراي في سنوات …الافضل امتلاك السلم الاداري بأكمله عبر الانظلاق في مشروع ذاتي تكون انت رئيسه…
    أتمني من ان عقلية المشاريع الشخصية ان تنتشر في العالم العربي, عوض انتظار الوظيفة المميتة التي تحولك الى الانسان العادي يتزوج و ينجب و يزوج اولاده و يموت و يكتب على قبره ولد الرجل العادي يوم كذا و مات يوم كذا ..دون ان يضيف اثارا على البسيطة…

    شكرا استاذ شبايك على المدونة

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *