إدارة الأفراد تقوم على الاهتمام الانساني بالفريق

,

من يتابعني سيذكر كتابات لي انتقدت فيها النموذج العربي في إدارة الأفراد ، وقلت ما معناه أن المدير العربي – إلا من رحم ربي – كثير الشبه بالنخاس بائع العبيد، فهو يلهب بسوطه العاملين معه لجر العربة بأقصى سرعة ممكنة ولأطول فترة ممكنة وبأقل قدر من التكلفة. في رأيي واجتهادي الخاص، هذا الأمر يجعلنا لا نجد في المنطقة العربية شركة مبدعة ناجحة تتحمل تقلبات السوق مثل آي بي ام أو ابل أو زابوس. على الجهة الأخرى، الموظف العربي بحاجة لمعاملة انسانية خاصة، تتنوع ما بين الاقناع والترويض والترغيب، وبدونها لن تذهب بعيدا.

رأيي هذا واجتهادي – حين أنشره – عادة ما يجلب لي بعض الهجوم وهو أمر مفهوم، لكني اليوم أردت عرض مقالة فيها بعض مفاتيح حل هذه المعضلة، وهي ليست ببعيدة عن هدف هذه المدونة [والذي هو إقناع القارئ بأن يبدأ شركته الخاصة ويختار شركائه ويعين أوائل موظفيه، وأن يكون مديرا ناجحا، يرى الموظف الموهوب ويحافظ عليه ويساعده لأن يبدع ويربح.]

المقالة كتبتها كيم سكوط، خبيرة إدارة أسست شركات نجحت ثم فشلت، وعملت كمستشارة إدارية لشركات ناجحة (مثل جوجل و تويتر و ابل و دروبوكس و سكوير). تبدأ المقالة بسرد أحداث يوم جرت أحداثه في عام 2000، حين كانت كيم مالكة لشركة تطوير تطبيقات، وفي هذا اليوم توجب عليها اختيار سعر البيع الأنسب لمنتج لشركتها Juice Software، لكنها ما أن خرجت من باب مصعد البناية حتى قابلها عدد من زملاء العمل، كلهم رغب في الحديث معها، واحد بخصوص صحته وآخر بخصوص تألق ابنه في مدرسته وهذا يشكو من زواجه. لأنها المديرة، استمعت لهم جميعا، وهدأت هذا وأراحت هذا وأذهبت قلق هذا… لكنها لم تصل بعد للسعر الأنسب لبيع المنتج.

نصائح الخبيرة كيم في إدارة الأفراد

نصائح الخبيرة كيم في إدارة الأفراد

تؤكد كيم على نقطة عظيمة الأهمية، ألا وهي أن الوصول لمنصب مدير لا يعني التوقف عن الاهتمام بالمرؤوسين وعن الاستماع لهم، خاصة وأن ذلك الاهتمام بالآخرين قد يعني كذلك قلة الوقت المخصص للعمل وللتجارة مما قد يؤدي للخسارة. منصب المدير يعني كذلك المعاناة والتعب من أجل تخصيص وقت كافي بدون مقاطعة أو توقف لإنهاء المهام المطلوبة.

إدارة الأفراد تقوم على العلاقات الانسانية

يجب على المدير أن يكون آدميا، انسانيا، طيبا، وهي صفات يمكن تعلمها وإتقانها، خاصة حين توظف حديثي التخرج؛ شباب واعد يمكنهم أن يكبروا تحت قيادتك ليكونوا أكثر احترافا بشكل يفيد شركتك. الإدارة الجيدة تعني الدخول في علاقات انسانية عميقة، وهي تحدي صعب حين يكبر حجم أعمال الشركة وينشغل الجميع بالدرهم والدينار وينسون أنهم بشر.

يجب على مالك الشركة أن يدفع مدرائه لأجراء أحاديث شخصية مع المرؤوسين، للتعرف عليهم وعلى أهدافهم وأحلامهم في الحياة، وبالأهم؛ التعرف على طموحهم المهني – ما الذي يحفزهم ويملؤهم بالحيوية والطاقة، وما الأشياء التي يهتمون فعليا بها.

المشكلة في الفقرة السابقة أن بعض الناس لا تعرف فعليا الإجابة الصادقة لكل هذه الأسئلة، ولذا يجب على المدير أن يساعدهم لكي يصلوا إلى الإجابة، ويجب عليه كذلك أن يجتهد ليفهم إجاباتهم على الوجه الصحيح، وأن يعيد عليهم ما فهمه من كلامهم، لتكون الصورة واضحة تماما لديه.

تذكر كيم كيف أنها استمعت لمرؤوس يحكي عن حلمه بأن يدير مزرعة، بينما آخر أراد قضاء 8 ساعات يوميا على دراجة جبلية، وهي معلومات لم تكن لتعرفها لولا أنها أخذت الوقت الكافي للتعرف على العاملين معها ومعرفة أحلامهم وأهدافهم. تقول كيم أنه حين تتعرف على القيم التي يحترمها ويجلها العاملون معك، مثل الحرية والتعلم والتطور وغيرها، هذه المعرفة ستساعدك على تخطيط ما الذي تريد لهؤلاء البشر فعله خلال الشهور التالية.

حكمة روسية عن ادارة الأفراد

تحكي كيم لنا عن حكمة روسية تقول: كان هناك رجل أحب كلبه بشدة، لكنه حين أخبره البيطري بوجوب قطع ذيل هذا الكلب، لم يستطع فعلها مرة واحدة، ولذا وافق على إجراء عدة عمليات جراحية للكلب، في كل مرة يقطع فيها جزءا صغيرا من الذيل.

حين يكون لديك معلومات غير دقيقة أو صحيحة عن فريق عملك، ستفعل ما فعله صاحب هذا الكلب. ستؤذي العاملين معك بشكل أكبر من المفترض، وهنا حيث وجدت كيم أكثر المدراء يقعون في الخطأ. ترى كيم أن المدراء يبدؤون ولديهم رغبة صريحة في تجنب الحصول على معلومات غير دقيقة عن العاملين تحت إدارتهم، لكنهم حين يشرعون في العمل، يضلون الطريق وينسون هدفهم هذا وينشغلون عن التدقيق والتمعن.

حين لا يحصل المدير على معلومة دقيقة عن موظف ما، فإنه قد يحرج من استيضاح الأمر، وهذا يؤدي لعدم توافق أداء الموظف مع المرجو منه، فتكون النهاية فصل هذا المرؤوس لعدم تحقيقه المتوقع منه. ترى كيم كذلك أن تعريف الموظف بانطباعك عنه بدون تجميل أو دبلوماسية أفضل، وتنصح بألا يحاول المدير التحكم في مشاعر المرؤوسين، بل تنصحه بأن يكون عمليا وواضحا وصريحا.

تحذر كيم من كيل المديح الخاطئ للموظف، لأنه يعطي الأثر العكسي، إذ يجب أن تعرف بوضوح ما الذي يجب عليك مدح الموظف بشأنه، وأن يكون المديح على الملأ، وأن تكون صادقا حين تفعل. إذا لم تفعل كل هذه الأمور مجتمعة، ستلاحظ الأثر العكسي لهذا المديح، ذلك أن الناس تعرف الكذاب والمنافق والجاهل والأحمق من مسيرة عام.

تنصح كيم المدراء بأن يخصصوا وقتا لعقد اجتماع فردي مع كل عضو في الفريق مرة كل 3 شهور، لتطلب من كل منهم أن يخبرك برأيه في سير الأعمال، ورأيه في المدير نفسه؛ ما الذي يفعله على الوجه الصحيح، وعلى الوجه غير الصحيح، وما الذي يجب عليه فعله ليتقن عمله. يجب كذلك أن تعطيهم الأمان بصدق ليتكلموا من القلب. يجب أن تجعلهم يشعروا بعدم راحة لتمنعهم من منافقتك ومن قول الكلمات التي تريد سماعها، تلك التي تطربك وتشجيك وترضي غرورك.

يا مدير، لا تتجاهل أو تنسى

كثيرا ما نبهت كيم المدراء إلى خطورة أمر يفعله الكثيرون؛ يدخلون اجتماعات مع المرؤوسين ليخبرونهم: هذا ما قررنا أن نفعله في الفترة المقبلة، ليرد عليهم المرؤوسون بأنهم سبق وناقشوا هذه النقطة واتفقوا على وجوب عدم فعلها. هذا الفعل يعني الاستخفاف باقتراحات المرؤوسين، وعدم الاكتراث بها حين تسمعها. في موقف مثل هذا، يجب عليك فتح باب الحوار والنقاش، ثم مقابلة الحجة بالحجة، وتوضيح وجهة نظر الإدارة والغرض من كل قرار.

على أن كيم عاصرت شركات طبقت نصيحتها السابقة، وكان رد الفعل أن كل العاملين أرادوا حضور هذه الاجتماعات والمشاركة في اتخاذ هذه القرارات، وهو أمر صعب التطبيق. تكمل كيم نصيحتها فتؤكد على ضرورة اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية بهذه الطريقة، وأما بقية القرارات الصغيرة، فعليك أن تتركها ليتخذها بقية المدراء في فريق العمل، وتتبعها باجتماعات تالية مع أولئك المدراء لتعرف نتيجة اجتماعهم مع الفريق وما الذي توصلوا إليه وما الخطوات المتفق عليها لتنفيذ قرارات هذه الاجتماعات.

القرار المصيري يتخذه الجميع لا المدير

الأمر شديد الأهمية هنا هو وجوب اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية للشركة من قبل أعضاء الفريق كلهم، وأن يتجنب المدراء اتخاذ مثل هذه القرارات، حتى لا يعتمد تنفيذ قرار مصيري مثل هذا على مدى حب الفريق لشخصية المدير أو كرههم له. بعض العاملين إذا لم تشملهم عند اتخاذ قرار مصيري فقد يتعمدون إفشاله، وقد يرون أن إبقائهم خارج دائرة صنع القرار مرده كرههم أو بغضهم، وهذه طبيعة بشرية. عندما تدخل الشخصيات والنفسيات في الأمر، ستجد العقل يتجاهل الحقائق الإدارية ويركز على صغائر الأمور، لذا فإن شمول جميع الفريق في القرار أمر له مزايا كثيرة، كما له عيوب.

مشكلة أخرى والتي قد تقع في كثير من الشركات، هي أن القرارات قد تطبخ على عجل، ويتخذها أشخاص تصادف وجودهم في غرفة الاجتماعات، وليس من قبل أناس على علم ودراية بالأمر. يجب عليك أن تمنع مثل هذه الصدف من الوقوع.

لا تجعل الاجتماعات عملية روتينية مضيعة للوقت وقاتلة للهمة. لا تدخل اجتماعا يمكن الحصول على ذات نتائجه برسالة في البريد الالكتروني. اترك أجندة الاجتماع ربع السنوي ليحددها المرؤوس، واترك له حرية الحديث، واستمع له باهتمام، وإلا فلا مبرر لاجتماع روتيني ممل ومضيع للوقت. اطرح عليه دائما السؤال: ما الذي كنت تود لو أنك تفعله بدلا من مهامك الحالية؟

المدير الناجح لا يطلب تقارير كثيرة

كل مدير يريد تقارير أداء وسير الأعمال من كل مرؤوسيه ليعرف كيف تسير السفينة، لكن إذا زاد الأمر عن الحد الآمن، انقلب للضد. هناك المهندس الذي يصمم السيارة على الورق، وهناك الصانع الذي يصنع القطع، وهناك الميكانيكي الذي يجعل تلك القطع تعمل معا. لكل منهم طريقة مثلى لإدارته، وكذلك الحرية التي يريدون الحصول عليها لكي يبدعوا. يجب على المدير أن يفهم طلبات هذا وذاك، وأن يحرص على أن يوزع تشجيعه وتقديره بالتساوي على كل عنصر في الهرم الإداري.

إذا لم تفلح معه، تخلص منه!

وأما ختام الكلام فهو ضرورة التخلص من أي عنصر في الفريق لا يؤدي المطلوب منه، أو يبث السلبية والإحباط في روح الفريق. نعم، فصل موظف يعني بالتبعية فشل مديره في تحفيزه وفهم نفسيته وإدراك ما الذي يريده في هذه الحياة… لكن أحيانا يجب فعل ذلك، لعل مدير آخر يفك الشفرة ويعرف السر، وهذه هي إدارة الأفراد.

8 ردود
  1. محمد حنوش
    محمد حنوش says:

    كلام جميل ، وكمدير مشاريع جربت هذا الكلام كثيرا، وكثيرا ما كان يؤتي ثماره، ولكنني تغيرت كثيرا وغيرت من طرقي في الادارة ربما بسبب ضغط العمل وكثرته، ولكن دعني أوضح بعض الأمور:

    أولا: إدارة الأفراد تقوم على العلاقات الانسانية: صحيح بدرجة ما، على المدير ألا يخوض كثيرا في العلاقات الانسانية والاجتماعية مع مرؤوسيه، لئلا يفقد الكثير من الكاريزما خاصته، ولان هذه العلاقات قد تؤثر بطريقة ما على جودة العمل. ولا يسعني التوضيح كثيرا هنا

    ثانيا: القرار المصيري يتخذه الجميع لا المدير: أنا لست معك، فالكثير من القرارات المصيرية يجب أن يتخذها المدير وحده، أما القرارات اليومية فبإمكان المدير تركها لمرؤوسيه (كنوع من التعليم والتدريب على اتخاذ القرارات لكن ليس المصيرية منها)

    ثالثا: أما بالنسبة للتقارير: فأنا أطلبها بكثرة وأرى فيها مدى تنظيم فريقي في عمله لأن أكبر مرآه لعمل أي شخص هي التقارير التي يقدمها (طبعا مع عدم اغفال العمل نفسه).

    رابعا: طرد أحد أعضاء الفريق هي بمثابة أخذك مضاد حيوي لطرد الفيروسات من جسمك (طبعا مع فارق التشبيه) واذا سمحت لي هذه مجموعة من المؤشرات التي تدعمك في اتخاذ قرار طرد أحد أعضاء فريقك
    http://ghmamah.com/2014/02/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D8%B7%D8%B1%D8%AF-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%A3%D8%B9%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%83/

    رد
  2. يوسف
    يوسف says:

    النموذج العربي !!
    للاسف الفكر السائد عند العرب ان المسؤول اذا اخطأ يجب ان يقصى
    في حين ان الغرب يعامل المسؤول اللي مر في تجربة فاشلة كمستشار وتعلم من الخطأ
    مثل هذي السيده لو كانت عندنا لحكمو عليها بالفشل وتجنبوا العمل معها
    هم يتعلمون من اخطائهم ونحن نتهرب من اخطائنا
    شكرا رؤوف

    رد
  3. محمد أبوتجار
    محمد أبوتجار says:

    للأسف هذا الأمر شائع ، ربما الأمر يرجع إلى قلة ثقة المدراء بالعاملين بالإضافة إلى عدم التدريب على العمل الجماعى لفترة طويلة و رغبة المدراء فى السيطرة على نظام العمل حتى لو كان ضد مصلحة الشركة بشكل عام .

    رد
  4. حنين طه
    حنين طه says:

    للأسف هذا ما يحدث في مجتمعنا العربي اذا غلط المسؤول كإنه صارت جريمة قتل
    الغرب يدعمون الفاشل لينجح والعرب يحبطون الفاشل ليزيد فشله…

    رد
  5. شوقي دليمي
    شوقي دليمي says:

    نتمنى أن نكون خير خلف لخير سلف للرسول محمد صلى الله عليه و سلم حيث كان يستشير أصحابه في أمور كثيرة و الأخذ برأيهم مثل غزوة الخندق

    شكرا أخي رؤوف

    رد
  6. احمد رمضان
    احمد رمضان says:

    استاذ رؤوف اعترف انك غيرت وجهة نظرى فى الحياة كنظرة عامة الى الامام دائما و اكثر الله من امثالك

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *