لقد حللتهما يا جورج!
لعل من أشهر القصص التي يعتمد عليها خبراء التحفيز والتنمية الذاتية هي قصة الألماني الأصل الأمريكي الجنسية جورج دانتزيج (George Dantzig)، دارس الرياضيات الذي لم يكن راضيا عما درسه، فقرر دراسة المزيد من الرياضيات، خاصة علم الإحصاء، ولذا التحق في عام 1939 بجامعة بيركلي لدراسة منهج مخصص للإحصاء، وهو في سن الرابعة والعشرين.
جرت العادة في الدرس أن يكتب أستاذ المادة على اللوحة مسألة أو اثنتين، لكي يعمل الطلاب على محاولة حلهما وتقديم الحل للأستاذ في الدرس التالي. حدث ذات يوم أن تأخر جورج على بداية هذا الدرس، ودخل وجلس، وطالع اللوحة فوجد عليها مسألتين، فنقلهما إلى ورقه، وحين عاد لمنزله شرع في حلهما، حيث لاحظ زيادة مستوى الصعوبة فيهما عما أعتاده من المسائل التي كان يطلب منهم أستاذ المادة حلها. بعدها ذهب جورج إلى أستاذه، وسلمه الحل، وأعتذر له عن تأخره في حل هاتين المسألتين.
جورج إيستمان – مخترع كاميرا كوداك -ج3
لهذه التدوينة جزء أول و ثان.
بعد هذه البداية الصعبة، بدأت الأمور تسير كما المراد لها، حتى جاء عام 1880 وقد أصبح قوام الشركة 6 موظفين بالإضافة إلى جورج، أنتجوا أكثر من 4 آلاف لوح تصوير جاف في السنة. كانت عوائد الشركة تأتي من تظهير الصور الملتقطة على الألواح الجافة التي يبيعها جورج (أو ما اصطلح على تسميته الأفلام فيما بعد). مع هذا النجاح جاء المنافسون واستعرت المنافسة، الأمر الذي دفع جورج للتفكير في تقديم المزيد من الجديد، وكان باكورة أفكاره هذه أول كاميرا تصوير من إنتاج شركته في عام 1888 واختار لها اسم كوداك.
جورج إيستمان – مخترع كاميرا كوداك -ج2
لهذه التدوينة جزء سابق يمكن قرائته هنا.
بعد مرور خمس سنوات على عمله في شركة التأمين، حصل جورج على وظيفة كاتب حسابات في بنك روشستر، مع راتب قدره 15 دولار في الأسبوع، وهنا حين بدأ جورج يفكر في أنه يستحق أخذ فترة إجازة من العمل، وكان يريد زيارة العاصمة سانتو دومينجو (تقع في الدومينيكان ضمن جزر الكاريبي) ثم اقترح عليه زميله في العمل أن يوثق رحلته هذه بالصور الفوتوغرافية. هذه النصيحة قلبت خطة جورج رأسا على عقب، إذ اقتنع بها، وبدأ يشتري ما يلزم للتصوير الفوتوغرافي في زمنه: صندوق كبير، حامل معدني ضخم ثلاثي الأرجل، حامل ألواح كبير، خيمة سوداء صغيرة، وعاء لوضع الماء لعمل حمام نترات.
جورج إيستمان - مخترع كاميرا كوداك -ج1
عند الحديث عن الكاميرات، فلا بد من ذكر الحسن بن الهيثم، الذي دخل السجن / الحبس / الإقامة الجبرية في زمن الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي، لأكثر من 10-12 سنة، وهناك واصل دراسته لسلوك الضوء وانعكاسه، ولاحظ في سجنه مرور الضوء من ثقب في باب الزنزانة، ساقطا على الجدار المقابل راسما صورة غير واضحة، بالتدقيق فيها وجدها صورة الأجسام الموجودة خارج باب زنزانته المظلمة.
هذا الاكتشاف سجله الحسن بدقة ودرسه وبحثه ونقحه، ووضعه في كتاب سماه المناظر، أوضح فيه أنه وجد أن الحجرة المظلمة ذات الفتحة الدائرية مثل القمر (القمرة) تعكس داخلها الصورة التي أمامها، وكلما ضاقت هذه الفتحة / القمرة، زادت دقة الصورة المعروضة داخلها، هذا الاكتشاف مهد الطريق لاختراع الكاميرا كما نعرفها اليوم.
قصة الحسن بن الهيثم لهي قصة نجاح في حد ذاتها، فلم يوقفه السجن عن تحقيق هدفه في دراسة علم البصريات والخروج منه بالجديد والمفيد، ولم يتقبل علوم من قبله دون نقد وبحث، ولم يخش المجيء بنظريات تعارض من قبله، وأثبتها بالحقائق العلمية. بعد هذه المقدمة الجميلة، ندلف معا إلى قصة جورج إيستمان.