هل العروض السعرية الخاصة تجلب الخسائر؟

, , ,
في هذه التدوينة، سأبحث مع القارئ عن إجابة للسؤال المنطقي: هل التنزيلات أو تخفيض أسعار المنتجات التي يبيعها أي نشاط تجاري، لمستويات كبيرة وبصورة دورية، يسبب خسائر للنشاط التجاري أم لا. سأعتمد على أن القارئ لا زال يذكر تدوينتي السابقة عن الدراسة التي وجدت أن العروض السعرية الخاصة الدورية أكثر ربحية  للنشاط التجاري من الخفض المستمر للأسعار، وكذلك التدوينة السابقة التي قالت بأن المستخدمين يحبون السير في جماعات، يشترون ما تشتريه الجماعة، ويتركون ما تتركه. في البداية تحضرني قصة مررت بها، حدثت في نهاية حقبة التسعينيات، حيث كان لي صديق يقيم في أمريكا، وحدث أن وجدت عرضا خاص غير مسبوق على منتج ما في أمريكا فقط، فأرسلت لصديقي أطلب منه شراء هذا المنتج لي وقد كان سعره دولارات معدودة. صديقي هذا أرسل لصديقين آخرين لنا، سائلا هل تريدان مثل صاحبكم، فسارعوا بالرد أجل، هذا عرض جيد. حين عاد صديقي من السفر، وجدته قد اشترى لنفسه نسخة من المنتج، وقبل أن نسأل، علل ذلك بالقول، من النادر أن تتفقوا جميعا على شيء، فلما وجدتكم جميعا تسارعون لطلب الشراء، قلت حتما هذا منتج جيد، ولذا اشتريت واحدا لي، حتى لا تفوتني الفرصة! (هذا الخوف يسمونه فومو FOMO أو الخوف من تفويت الفرصة أو Fear Of Missing Out)

بداية جيدة وقد تظن النهاية سعيدة…

حسنا، هذا المنتج كان أقراص / اسطوانات كمبيوتر، عليها أوائل إصدارات نظام لينوكس. حين حاولت تثبيتها على جهازي، لم يتم العثور على مشغل لبطاقة العرض / كارت فيجا في جهازي فلم يمكن الدخول في النمط الرسومي، الأمر الذي أصابني بخيبة أمل وتوقفت عن محاولة التثبيت بعدما لم أجد في انترنت الناشئة وقتها أي مشغل / درايفر. نقلت هذه الخيبة إلى بقية أصدقائي، الذين استسلموا مثلي ولم يجربوا حتى تنزيل النظام على أجهزتهم، وانتهت القصة. دعونا نترك هذه القصة لندخل في أخرى، الأسبوع الماضي أرسل لي موقع bookdepository.co.uk لبيع الكتب عبر انترنت يخبرني بعرض خاص جدا في يوم عطلة نهاية الأسبوع، كل ساعة ولمدة 24 ساعة، سيقدم خصما جنونيا على سعر كتاب عشوائي. تشجيعا مني للفكرة وللكتب، حرصت على التواجد ساعة بدء هذا العرض. كانت البداية بطيئة مع كتاب قليل الأهمية، لكن الكتب التالية كانت أفضل. كان الموقع يعرض كتابا ما مع خصم لا يقل عن 66% من سعره، وكان يعرض عدد الكتب المتبقية. كان النظام المتبع عرض 500 نسخة من الكتاب للبيع خلال ساعة فقط بهذا السعر الخاص. من الصعب أن ترضي جميع الأذواق بقائمة من 24 كتابا وحسب، لكني وجدت في الرقم المتناقص للفرص الباقية للشراء دافعا قويا جدا للشراء، لكني ترددت حتى وجدت كتابا عليه خفض بمقدار 80% وكان من النوع الكوميدي المضحك، لذا سارعت بالشراء. في الساعات التالية، نفدت كتب خلال دقائق قليلة، واستمرت على ذلك حتى النهاية. لكن ليس هذا غرضي من سرد القصة، فإذا زرت هذا الموقع، ستجده يقدم خدمة جميلة، نافذة صغيرة تعرض شكل خريطة العالم، تتحرك الخريطة كل حين لتعرض موقع البلد التي يشتري منها كل مشترى الآن من الموقع، وتعرض اسم الكتاب الذي اشتراه. وجدت في هذه النافذة المتحركة ما يقتل ملل انتظار الساعة التالية لمعرفة العرض التالي، وبدأت ألاحظ عدة أشياء، أولها أن دولة العدو الصهيوني يشتري قاطنوها العديد من الكتب، ثانيا أن كل كتاب سبق وحصل على عرض سعري خاص، استمر شراؤه حتى بعد مرور ساعات على نهاية خفض سعره وعودته للسعر الكامل. قد يقول قائل، هذا تأخر أو أن التطبيق ليس دقيقا يعرض نتائج متأخرة، لكن العناوين ظلت تظهر حتى بعد مرور ساعات طوال، لكنها إحقاقا للحق لم تستمر لأيام تالية. بعد استحواذ أمازون على موقع بوك ديبوستوري توقف هذا العرض الخاص! دعونا نترك هذه القصة لأخرى، من يتابعني منذ فترة سيتذكر حين تحدثت عن موقع ستيم Steam لبيع ألعاب الكمبيوتر عبر انترنت، حيث تشترك في الموقع وتشتري ما تشاء من الألعاب ثم تنزلها على حاسوبك وتثبتها وتلعب. هذا الموقع يقوم بشكل دوري بعمل تخفيضات جنونية، لكنه في نهاية العام الماضي أقدم على عرض سعري جنوني كل يوم، إذ كان الموقع يوفر باقة ألعاب عليها تخفيض يصل لأكثر من 80%، منها الحديث ومنها القديم الذي يداعب الذكريات الجميلة. مرة أخرى، لاحظت الملاحظة ذاتها، لأيام بعد انتهاء العرض السعري الخاص، كانت بعض العناوين القديمة تظل في قائمة أكثر الألعاب مبيعا على مر أيام، بل يمكنني القول بأن أكثر من لعبة كانت منسية، عادت للظهور وعلى مر أسابيع في قائمة الأكثر مبيعا. لا تنس أن هذا الكلام كان في عام 2012، أما اليوم فهو أمر تقليدي معتاد ممل متكرر يبعث على السأم. في 2013، كان جديدا حديثا والصيحة الجديدة وحديث المدينة.

السؤال الآن هو لماذا؟

لماذا يشتري الناس منتجات كان عليها عرض سعري خاص وكبير، بعد انتهاء فترة هذا العرض السعري؟ هل يكون السبب في ثنايا تدوينتي السابقة عن سير المستهلكين في جماعات، فلو حدث واشترت الجماعة منتج / خدمة ما لأي سبب كان، سار بقية الجماعة على النهج ذاته؟ هل يفعل أفراد الجماعة مثل صديقي المسافر في أول التدوينة؟ لماذا اشترى صديقي غير المهتم بأنظمة التشغيل أو التقنية أقراص لينوكس؟ لماذا اشترى زوار الموقع كتابا بسعره الكامل رغم أنه كان مخفضا بأكثر من ثلثي سعره من سويعات؟ لماذا يستمر اللاعبون في شراء لعبة صدرت من بضع سنين وبسعر يعتبر مغالى فيه، وهي كانت مخفضة السعر منذ أسابيع؟ إذا تركنا جانبا الشك بأن هذا الموقع وذاك تلاعبا في الإحصائيات ليعطيا الإيحاء بأن المنتج استمر في تحقيق مبيعات رغم انتهاء فترة العرض الخاص، فهل يمكننا تفسير ذلك على أن لا أحد يحب أن يقرأ وحده؟ أو يلعب وحده؟ أو يسير على خلاف جماعته من الأصدقاء وأهل الثقة؟ وإذا قبلنا ذلك التفسير، سنجد المسوق عندها يسأل نفسه: كيف أقنع الجماعة بأن تشتري معا منتجي؟ هل بأن يشجعهم على الشراء، ويقلل لهم نسبة المخاطرة، عن طريق عرض سعري فعلي وجنوني، فمن سيخسر من شراء منتج عليه تخفيض سعري للثلث أو الربع؟ من واقع مشاهداتي السابقة، أجد أن هذا التفسير ربما كان الأقرب للحقيقة، وربما شجع بعض المدراء على تجربته، بمنتجات مطلوبة وذات قيمة. أقول ذلك مع التأكيد على أن زمن القواعد التي تنطبق على كل شيء قد ولى، فهذه الفكرة لا تجدي عند بيع سيارات فيراري أو رولزرويس مثلا، ولا تجدي كذلك عند بيع الخبز أو المياه الغازية.
11 ردود
  1. يوسف محمود
    يوسف محمود says:

    ما شاء الله, تدوينة رائعة, يبقى أن العروض تجذب المشترين وتجبرهم على شراء ما لا يحتاجوه. وهي أفضل من تكدس البضاعة في المتاجر 🙂

    بالمناسبة لم لا تتيح إرسال أكثر من اقتراح في خمسات؟ أو تقلل المدة؟ أو تزيد حروف الاقتراح لأنه متعب جدا خاصة مع عدم وجود رسائل

    رد
  2. abderrazzak
    abderrazzak says:

    لي الشرف اخي رؤوف ان أكون اول من يعلق على هذا الموضوع
    استسمح ان كنت من المستهلكين اقرا و اهرب في عديد من
    المرات،موضوع جميل تابع

    رد
  3. s.j
    s.j says:

    أعجبتني القصة التي ذكرتها وإن شاء الله أستفيد من هذه التدوينة
    —————————————————————–
    ووطبعاً ما ذكرته في القصة يسري واقعاً عندما يظهر منتج جديد ولكن هناك شخص واحد يشتريه
    ويعجبه هذا المنتج ، فيقوم بنشره عندها يحبه عدد قليل ثم الكثير إلا أن يرغب في كل شخص

    مثل ما نراه الآن مثل الأيفون والجالكسي

    رد
  4. عبدالكريم
    عبدالكريم says:

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اخي العزيز انا من الكويت ولقد احببت ان ابداء مشروع خاص بي ومختلف قليلاّّ عن المشاريع الشبابيه الحديثه .. مشروعي هو جلب ماركات ملابس من الخارج وعليها شي يخص الكويت والشعب الكويتي مع العلم ان شركات التي تجلب الماركات من امريكا وغيرها من الدول كثريه وشركات مضخمه وليس هناك اي وجه مقارنه بيني وبينهم ولكني بداءت مشروعي واريد ان اطور من نفسي فهل تستطيع افادتي وجزاك الله خير

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *