جاه جانغ

مئة يوم من الرفض، أو كيف تفشل في أن تفشل وتشتهر بسبب ذلك – الجزء الثاني!!

أهلا بالقادمين الجدد. لهذه التدوينة جزء سابق يجب أن تبدأ منه، هنا.

الزوجة حين تكون كنزا من كنوز الدنيا

راقبت زوجته سحب الحزن تخيم عليه، خاصة وأنها كانت حاملا في ابنهما الأول، وهي فهمت سببه حزنه واكتئابه، ولذا عرضت عليه حلا جميلا…

مهلة 6 شهور، يستقيل فيها من وظيفته، يؤسس الشركة التي يحلم بها، يجاهد ويبذل قصارى جهده ولا يترك حجرا إلا وبحث تحته لكي تنجح هذه الشركة.

إذا انتهت الشهور الست ولم يحقق هذا الهدف، عليه أن يقنع بالعودة للوظيفة وأن يترك هذا البؤس والعبوس والاكتئاب…

شعر بطلنا بسعادة غامرة لهذا العرض، لكنه تذكر عدة مخاوف ومرة أخرى تعهدت زوجته بأن تتولى هي هذه المخاوف، فليس عليه سوى أن ينطلق لتحقيق حلمه بكل قوته.

لا أطيل عليك، استقال بطلنا جاه جانغ (أو Jah Jahng) من وظيفته المرموقة في شركة دل Dell و شرع في تصميم تطبيق هواتف جوالة كان يفكر فيه منذ فترة، يقوم على مكافأة المستخدمين حين يوفون بوعودهم، جمع حوله كوكبة من العقول اللامعة في البرمجة، نفذوا له فكرته وبرمجوا له التطبيق الذي أراد، ثم…

مرت الأسابيع حتى أصبحت 4 أشهر، وبدأ الرصيد المالي ينفد ويشح وينضب، وكان التطبيق بحاجة لمزيد من المال لجلب المزيد من المستخدمين، وكان الأمر بحاجة لضخ استثمار جريء في رأسمال الشركة الوليدة.

عثر جاه على مستثمر أبدى اهتمامه بهذا التطبيق الجديد وطلب أن يشاهد عرضا تقديميا يشرح التطبيق والعوائد المتوقعة منه ومقدار الاستثمار المطلوب. تدرب جاه وفريقه ليل نهار على تقديم عرض لا مثيل له، وكان كذلك بالفعل، وبعدها جاءت فترة انتظار رد المستثمر، الذي أخذ وقته ثم رد في رسالة بريدية مقتضبة للغاية، رفض فيها تمويل التطبيق.

ضاقت ثم ضاقت أكثر

شعر جاه بحزن شديد بسبب هذا الرفض، وبدأت الشكوك والظنون تنال منه، هذه هي النهاية، لقد خسر كل شيء، لقد تحقق ما قاله الناس، فشلت فكرته وخسر ماله… ذهب إلى زوجته ليعتذر لها على خسارته، ويشكرها أن سمحت له بالشروع في تحقيقه حلمه، وقبل أن يشرح لها كيف سينهي كل شيء، كشفت زوجته عن حقيقة معدنها النادر مرة أخرى…

أوقفت زوجته كلامه وقالت له: لقد أمهلتك 6 شهور والآن مر منها 4 فقط. تبقى لك شهران لكي تحاول من جديد وتبحث عن مستثمرين آخرين ومصادر وأفكار جديدة لكي تنجح فكرتك وشركتك. لا زال لديك بعض الوقت قبل أن تنتهي المهلة.

نظر جاه في حاله ووجد أن لديه حساسية مفرطة تجاه رفض الآخرين لما يعرضه عليهم، ووجد أن عليه معالجة هذه المشكلة النفسية أولا لكي تساعده على حل مشاكله في العمل. لمعالجة هذا الخوف الداخلي اللعين من الرفض.

بحث جاه على انترنت عن الحلول المقترحة لمعالجة الخوف من الرفض – Fear of Rejection ووجد موقعا يعرض أفكارا بسيطة للتدريب على الرفض، تقوم على أن ينفذ المشارك مقترحات عشوائية تقوم على طلب أشياء بسيطة من غرباء، بشكل دوري مستمر، بغض النظر عن قبول أو رفض هؤلاء الغرباء لهذه الطلبات.

مئة يوم من الرفض – 100Days of Rejection

قرر جاه تطبيق هذه الفكرة، لكن بشكل موسع بأن وضع لنفسه خطة، 100 طلب سيطلبهم من غرباء، طلب في كل يوم. هذه الطلبات الغريبة الهدف منها أن يرفضها الناس، لكي تعتاد النفس البشرية على الرفض فلا تخشاه أو تهابه بدرجة تشل الفكر والحركة.

لضمان الجدية في علاج هذه المشكلة، وضع جاه 3 شروط يجب أن تتحقق في كل طلب وضعه:
1 – أن يكون الطلب مقبول أخلاقيا (بدون كذب أو خروج عن الآداب العامة)،
2 – أن يكون قانونيا لا يخرق أي قانون،
3 – أن يتوافق مع قوانين الفيزياء!

الطلب الأول بغرض رفضه: الطلب من غريب أن يقرضه 100 دولار

في 15 نوفمبر 2012 بدأ جاه الخطوة الأولى من علاج رهبته الشديدة من رفض الناس لأي طلب يطلبه منهم، وحرص في كل محاولة له لرفض طلبه أن يصور تجربته بكاميرا هاتفه النقال، مع رفع الفيلم الذي صوره على قناته في يوتيوب ليشارك تجاربه مع العالم كله.

دخل سوقا تجاريا (مول) واقترب من موظف يعمل هناك وسأله إذا كان بإمكانه إقراضه 100 دولار فرد الآخر بسرعة: لا، لماذا؟

لم يشرح له جاه السبب وإنما ابتعد مسرعا تسبقه ضربات قلبه إذ بلغ منه الخوف والذعر مبلغه…

لقد نجح في أن يفشل. أول يوم في مشوار المئة رفض كان ناجحا…

الطلب الثاني في اليوم التالي كان في مطعم برجر حيث ذهب جاه إلى الكاشير وطلب إعادة ملء ساندويتش البرجر – مثلما الحال مع عرض إعادة ملء المشروب الغازي بدون مقابل. أدرك جاه النجاح في مسعاه إذ قوبل طلبه بالرفض.

الطلب الثالث كان خبز كعكات معا على شكل شعار الألعاب الأوليمبية (كرات متداخلة). دخل جاه محل كريسبي كريم Krispy Kreme وطلب من الموظف أن يعد له طلبا خاصا، كعكا متداخلا يشبه شعار دورة الألعاب الأوليمبية (لندن 2012) والتي كانت تقام في وقت قريب.

كان جاه يريد من الموظف أن يعتذر له ويمشي ويدرك النجاح في مسعاه، ولكن جاكي، المديرة المسؤولة عن المحل كان لها رأي آخر حين سمعت طلبه من زميلها.

بحثت جاكي على انترنت عن شكل وألوان الشعار، غابت في المطبخ، أعدت له كعكا قريبا جدا مما طلبه، وفوق كل ذلك، لم تطلب منه دفع مقابل الكعكات فهي كانت هدية له.

خرج جاه يكاد يطير من الفرحة ومن المفاجأة، ورغم أنه كان مستخدما مغمورا لكنه حين رفع فيديو محاولته على يوتيوب حصل على مشاهدات ومشاركات كثيرة، بلغت حتى اليوم قرابة 6 مليون مشاهدة.

في اليوم الرابع عرض على موظف في مطعم بيتزا هت أن يقوم بتسليم طلب بيتزا بدون مقابل، وهو ما قوبل بالرفض.

في اليوم الخامس ذهب إلى متجر كبير وطلب من موظف أن يأخذه في جولة تفقدية ليشاهد المخزن وكيف تسير الأمور في القسم الخلفي الذي لا يراه المشترون. مرة أخرى كان الرد بالرفض.

في اليوم السادس دق باب رجل غريب في بيته ذي المساحات الخضراء وطلب منه أن يسمح له بأن يلعب كرة القدم في فناء بيته وأن يلتقط الغريب له صورا بهاتفه أثناء تدربه. هذا الطلب جاء في وقت إذاعة مباراة كرة قدم أمريكية بين فرق مشهورة وكان صوت المباراة يرتفع عاليا من بيت هذا الغريب.

كان المتوقع رفض هذا الطلب، لكن الغريب سأل جاه لماذا؟ فرد الأخير: احتاج هذه الصور في مشروع أقوم به. رد الغريب بالموافقة… وسط ذهول قراء مدونة شبايك وصاحب المدونة نفسه… في نهاية جلسة التصوير، سأله جاه لماذا وافق على طلبه، فرد الأخير: ولماذا أرفض طلبا كهذا؟


قبل مع السلامة، اسأل لماذا

بعدها بدأ تفاعل المتابعين يزيد عبر مدونته، وبدأت تأتيه تعليقات واقتراحات لأفكار سيرفضها الناس حتما، أحدها كان الدق على أبواب الغرباء والطلب منهم غرس نبتة مزهرة في حديقتهم، فكرة قرر جاه تنفيذها.

قاد جاه سيارته وأخذ يبحث عن بيوت ذات حدائق، اختار واحدا منها، دق الباب، فتح له رجل عجوز، نظر إليه أولا بعين الربية، ثم رفض طلبه.

قبل أن يرحل جاه مثلما كان يفعل من قبل، شكر الرجل العجوز ثم سأله لماذا رفضت هذا الطلب.

هنا استفاض الرجل وانفرجت أساريره، شكر جاه على هذه الفكرة الكريمة، وعبر له عن حبه للزهور، لولا أن كلبه لا يترك زهرة في حديقته إلا اقتلعها ولعب بها حتى تموت، وهو لا يريد لهذه النبتة أن تلقى هذا المصير.

لم يتوقف جاه، سأله إن كان يعرف من جيرانه من سيقبل بالفكرة، أشار العجوز إلى بيت عبر الشارع وقال له جارتي هذه تعشق الزهور وستحبها حتما.

بعد عبور الطريق ودق الباب، فتحت الجارة ووافقت على الفكرة وفرحت بها أيما فرح…


الرفض أحيانا يكون مبررا ومقبولا، لكنه ليس نهاية الطريق، بل علامة على الطريق.

لا ترحل، بل فاوض

بعد الفشل في الفشل، جاء المتابعون بفكرة أصعب. تحدي إفطار ماكدونالدز

يعرف معظمنا أن مطاعم ماكدونالدز تقدم فطورها المشهور حتى الساعة 12 ظهرًا، بعدها ترفض هذه المطاعم تقديم هذا الفطور مهما فعلت.

ذهب جاه إلى مطعم ماكدونالدز في الساعة الثانية ظهرا، طلب ساندويتش يقدم مع وجبة الفطور فقط. ردت عليه العاملة بالرفض فسألها لماذا، فقالت له أنهم ينظفون ماكينة طهي البيض والنقانق بعد 12 ظهرا وتبقى كذلك حتى نهار اليوم التالي.

بدأ جاه في التفاوض، فسألها: ما أقرب ساندويتش قريب من حيث المكونات من هذا الذي تقدمونه في الفطور؟ قالت له أنها ستعطيه ذات الشطيرة لكن بدون البيض، وستعوضه ببعض الإضافات الخاصة.

وافق جاه وجلس يتناول هذا الساندويتش الخاص، وهو كان شهيا.

رغم رفض طلبه الأول، لكنه تفاوض حتى وصل إلى حل وسط نال رضاه.

يمكن قراءة الجزء الثالث من التدوينة هنا.

14 ردود
  1. Atef
    Atef says:

    كل سنه وانت طيب شبابك…عود حميد للتدوينات الرائعه

    لدي عندك طلب كنت افكر فيه من فتره – اخبرني هل توافق أم سترفض ? ولا حرج –
    عندي قناه صغيره علي اليوتيوب وانوي اثراء المحتوي فيها بقصص نجاح اقدمها بنفسي- فما رأيك أن أخذ من بعض مقالتك كمصدر لي وأن أذكر هذا صراحة في الحلقات وان اضع روابط موقعك في وصف الفديو؟

    هذا هو رابط قناتي

    https://www.youtube.com/user/atef4all

    T
    حتي الان هي متخصصه في بعض المواضيع ولكن اريد ان اوسع المجال في الفتره القادمه ان شاء الله

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      وأنت طيب يا طيب.

      طالما ستذكر في سياق الفيديو ذاته وفي الشرح أن مدونتي المتواضعة هي المصدر وتضع رابطا لها أو للموضوع الذي نقلت عنه فتفضل بكل سرور، وهذه الموافقة مقصورة عليك أنت وعلى قناة يوتيوب الخاصة بك فقط. (بعض القراء يقرأ موافقة لي فيعتبرها تشمل كل البشر لكل ما أنشر ويوسع الدائرة للنهاية ولذا وجب التوضيح)

      رد
    • فادي فهد
      فادي فهد says:

      الاخ عاطف تصفحت قناتك على اليوتيوب فلم اجد ما اشرت اليه في تعليقك

      رد
  2. Alaa
    Alaa says:

    رااااااااائع ومشوق…فى الانتظار على احر من الجمر…..تحياتى الحاره يا ا.رؤوف

    رد
  3. محمد المفالحة
    محمد المفالحة says:

    كعادتك .. رائع في المواضيع والطرح … كل عام وانت بالف خير .. وبانتظار الجزء الثالث
    محمد المفالحة

    رد
  4. هشام الخطيب
    هشام الخطيب says:

    استاذنا الكريم الموضوع رائع وجدير بالقراءة والتطبيق، فعلا الخوف من الفشل هو سبب هام ورئيسي لعدم القيام بالخطوة الاولى لاي مشروع او فكرة ،وعدم تشجيع اوائل السامعين للفكرة من صاحبها وتثبيط عزمه عن المضي في فكرته ايضا سبب اخر للفشل ولذلك دور زوجته الايجابي دفعه للامام ،
    نشكركم على المعلومات المفيدة التي نحصل عليها من مدونتكم الرائعة.

    رد
  5. أسامة حمدي
    أسامة حمدي says:

    يمكن اختيار المستثمرين عبر التواصل مع أنسب الأشخاص لعرض فكرة مشروعك عليهم للحصول على التمويل المناسب أو التواصل مع حاضنات الأعمال التي تُقدِّم الدعم المالي في بعض الأحيان.

    من المهم الإلمام بالمهارات التالية: العرض والتقديم، الإقناع، التفاوض.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *