حاويات ريدبول فارغة

لماذا عبأت ريدبول حاويات القمامة في لندن بحاويات مشروبها الفارغة

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، حين بدأ مشروب ريدبول للطاقة دخول السوق الإنجليزية – بداية بالعاصمة لندن، كان التفكير المبدئي داخل أروقة الشركة إتباع أساليب التسويق التقليدية: إعلانات جرائد ومجلات وراديو وتلفاز…

إلا أن فريق التسويق كان لديه رأي آخر: تجربة شيء جديد تماما غير مسبوق أو متوقع، ويحقق هدفا ذا أهمية كبيرة: إقناع عدد كبير من الإنجليز بتجربة المشروب الجديد.

لأن الفرد منا يحب دائما معرفة ما يفعله غيره من بني البشر، فلو حدث أن جماعة ما بدأت تشرب مشروبا بعينه، سيعمل الفضول على جعل بقية البشر تجرب ما فعلته هذه الجماعة طالما أن عددها كبير.

هذه غريزة بشرية.

لكن كيف تقنع عددا كبيرا من الناس بتجربة منتجك؟

هذا سؤال غاية في الصعوبة، فلماذا لا تلتف عليه وتوحي للغير بأنه بالفعل هناك عدد كبير من الناس يستخدمون هذا المنتج؟

ماذا سيدور في بالك لو سرت يوما في شوارع مدينتك، ووجدت كل حاويات القمامة (كل الحاويات فعلا لا مبالغة مجازية) مليئة ببقايا منتج بعينه؟

سينتابك الفضول ويسيطر عليك شعور داخلي بأن عليك إما تجربة هذا المنتج أو مناقشة أمره مع أقرانك وأصحابك.

هذا ما حدث بالفعل في لندن وقتها، إذ قام فريق تسويق ريدبول بحملة واسعة في مناطق العاصمة لندن المليئة بتجمعات الشباب، فئة المستهلكين المثلى لمشروب طاقة مثل الثور الأحمر.

قامت خطة التسويق على استهداف حاويات القمامة في الأماكن القريبة من الخمارات الكبيرة والمراقص الليلية المزدحمة والجامعات وأحياء الأعمال وغيرها، والعمل على ملئها بحاويات فارغة من مشروب ريدبول.

لتعظيم الأثر، وزع فريق التسويق عينات مجانية كثيرة على العاملين في المراقص الليلية، خاصة مشغلي الموسيقى دي جيه، الذين ينظر إليهم الكثير من الشباب خلال طقوس الرقص المجنونة.

في صباح اليوم التالي، وحين مر الناس على هذه الحاويات، لاحظوا بالطبع هذه الجبال من الحاويات والعلب الفارغة.

لا أطيل عليك، حدث الأثر المطلوب، نال الفضول من الناس فلم يجدوا بدا من الشراء والتجربة، ونال المشروب الاستحسان، وتحقق الهدف (الخبيث؟) إذ بدأ كثير من الناس – خاصة الشباب – يقتنع بأن هذا المشروب مطلوب والدليل على ذلك أن عدد كبير من رواد النوادي الليلية يشربه حكما على كم المخلفات المتبقية، ولا بد من تجربته حتى نسير كلنا في قطيع واحد لا ينعزل عنه متأخر أو يتخلف عنه مختلف.

بعد مرور سنوات قليلة على هذه الحيلة التسويقية – سمها إن شئت الذكية لكني أراها خبيثة – كان لمشروب ريد بول الحصة الأكبر من سوق مشروبات الطاقة في إنجلترا (بلغت مبيعاتها السنوية 3 مليار دولار في السنوات الأخيرة).

للأسف، وجدث كثيرون ينقلون هذه القصة على أنها عبقرية تسويقية فذة مضرب المثل واجبة التقليد وهذه المصيبة!

هل هذه فكرة تسويقية ذكية؟ أرجو أن تشاركني الرأي وتقول لا.

المبدأ الذي قامت عليه كذب وخداع!

الناس كلها تستعمل منتجي بالفعل – كانت هذه هي الرسالة المراد نقلها للناس، وقد نجح هذا المسعى، لكن السؤال يبقى، هل هي رسالة صادقة؟ في ذلك الوقت لا.

حين تكذب علامة تجارية كبيرة في أمر ما، ما الذي يمنعها من الكذب في غيرها من الأمور؟

“خليك متفتح حبيبي، الناس كلها تسرق وتكذب وكلنا نعرف أن كلنا كذابين فلا تتصنع أنت البراءة…” للأسف هذه مقولة قريبة مما سمعته من أحدهم ذات يوم في نقاش مماثل عن سلوك تسويقي مماثل.

للتأكيد أكثر على ما أقوله، لنفترض أن فعل ذلك أمر جيد ومقبول، ماذا ستفعل لو صحوت يوما ووجدت شوارع مدينتك غارقة في مخلفات وبقايا منتجات علامات تجارية ذات ميزانيات تسويقية عميقة حتى لم تعد تجد طريقا خاليا تمشي فيه…

إذا كان كذب مثل ذلك مقبولا، ماذا لو أوحيت إليك أن مشروب ريدبول لا يسبب نوبات قلبية ولا إدمان ولا مشاكل صحية بل وينصح به نوعية خاصة من الأطباء؟

ماذا لو لم أقلها لك صراحة، بل سأوحي إليك مثلما فعلت حين ملئت لك حاويات القمامة القريبة منك بعلب فارغة من منتجي!

التسويق لا يعني ولا يبرر الكذب

التسويق ليس سببا لأن يكذب أحدهم ولو كذبوا كلهم، ولو كذبت شركة كبيرة مشهورة – وكثيرهم يفعل!

كذلك عواقب التسويق بالكذب لا تكون خيرا مها طال الزمن. أمهل من يكذب وقتا وسترى عقاب الله به نازل ولو طال الانتظار.

في عام 2009 فرضت هيئة الحفاظ على البيئة في لندن على ريدبول غرامة قدرها نصف مليون دولار تقريبا لفشل ريدبول في جمع وإعادة تدوير بقايا ومخلفات منتجاتها على مر سنوات عدة. رابط الخبر.

هل تظن ريدبول توقفت عن ذلك الفكر الإداري؟

لعل خبر فرض غرامة عليها في نهاية الشهر الماضي أكتوبر 2022 يساعدك لإجابة هذا السؤال.

ريدبول فورميلا1
فريق ريدبول فورميلا1

بعد ثبوت حدوث تجاوزات من فريق ريدبول لخوص مسابقات فورميلا1، جعلت الفريق ينفق على فريق وسيارة السباق بأكثر من الحد الأقصى الذي فرضته إدارة سباقات الفورميلا1 (وحتما ساعده ذلك على كسب السباق في المرتبة الأولى وتخطي غيره من الفرق التي التزمت بالحد الأقصى للإنفاق) بعد ثبوت كل ذلك، فرضت إدارة السباق غرامة مالية قدرها 7 مليون دولار على ريدبول وغرامة زمنية في سباق العام التالي. (رابط الخبر على موقع وكالة رويترز)

اعلم بالطبع أن لإدارة ريدبول في المنطقة العربية فريق عظيم قد لا يعجبه كلامي، لكني للتوضيح ذكرت حوادث مثبتة وغرامات معلنة ثم ذكرت تعليقي ورأي الشخصي الضعيف على هذا السياق!

كما وأنصح من ينسخون مقالاتي بعدم نقل هذه…

على الجانب الآخر، هل التسويق الصادق له عواقب مربحة؟ هذه التدوينة تجيب.

مصدر الصور.

أحد مصادر القصة.

7 ردود
  1. أمجد
    أمجد says:

    هذه طريقة واحدة من كثير من الطرق الملتوية و الخبيثة في التسويق و إقناع العميل. وليس هذه الشركة فقط من تستخدم ذات الأسلوب بل أكثر الشركات تكذب في إعلاناتها.
    ورغم ذلك أجد أن الانسان عليه أن يدرك هذا الأمر و يسلك السلوك السليم في التسوق و الشراء و إلا فسيقع في شراك فرق التسويق.

    بالنسبة لي هذه الطريقة كغيرها من الطرق المنتشرة، و اقترح موضوع تدوينة تتحدث عن أمثلة للطرق الخبيثة في التسويق.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      كلامك صحيح يا طيب ولذا وجب الوقوف وتوضيح أن إتباع هذه الأساليب التسويقية له عواقب وخيمة ومرفوض، وحتما يجب عدم الانبهار به والجري بجانب المنبهرين بهذه الأساليب.

      رد
  2. MOHAMMED ALRASHEED
    MOHAMMED ALRASHEED says:

    شكرا رؤوف، ملحظ مهم، وخاصة في ظل الكثير من المتغيرات وغياب الوازع والناصح عما ينبغي فعله بطريقة مشروعة وقيمة

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      شكرا لك يا طيب، لقد وصلنا إلى زمن يجب أن نوضح فيه أن الخطأ خطأ ويبقى مرفوضا ولو زينوه بكلمات مثل الذكاء في التسويق وغيرها من الجمل الرنانة…

      رد
  3. فهد المطيري
    فهد المطيري says:

    من طرق النصب في التسويق ايضاً، تقييمات المطاعم والفنادق في التطبيقات المشهورة فيقوم صاحب المطعم او محلات العصير بالشراء ثم التقييم ويكون بذلك دفع فقط قيمة التقييم لان المال سيعود لمحفظته، فينخدع العميل ويطلب منه ويكتشف الخدعة وطبعاً سبتم تقييمه وانزال مستواه رغماً عنه اذا زادت الطلبات، يقوم بعضهم بحذف المطعم ثم اضافته من جديد للتطبيق وهنا مسؤولية التطبيق ان تمنع هذا التلاعب. شكرا استاذ رؤوف

    رد
  4. محى محمد عبدالهادى
    محى محمد عبدالهادى says:

    من أسلوب الخداع أيضا صور وجبات المطاعم التى تشاهدها بالإعلانات فتشعر وكأن الوجبه قد نزلت من الجنه وفى النهايه ننساق فعلا لذلك ولست أعلم لماذا

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *