أنا أحب نيويورك أو "I ♥ NY"

قصة نجاح الحملة التسويقية الشهيرة ’ أنا أحب نيويورك ‘ أو كيف تجعل القبيح وجهة للسياح

في فترة السبعينيات الماضية، عانت مدينة نيويورك من أزمة مالية طاحنة كادت تؤدي لإعلان إفلاسها لولا شنها حملة تسويقية شعارها أنا أحب نيويورك أو “I ♥ NY” والتي نجحت نجاحا طاغيا استمر أربعين سنة ونيف. هذا النجاح الكبير له قصة أكبر وجب على شبايك أن يحكيها لكم بشكل وافي كافي وليس على عجالة.

حال مدينة نيويورك في حقبة السبعينات

كانت الجريمة في أعلى معدلاتها المسجلة (حتى أن نيويورك وقتها اعتلت قائمة المدن الأمريكية ذات أعلى معدل جرائم في الولايات المتحدة كلها). حين انقطع التيار الكهربي عن قطاع كبير من المدينة في عام 1977 انتشر السلب والنهب بسرعة الريح، وقبضت الشرطة على 4500 متهما فقط خلال فترة انقطاع الكهرباء، الأمر الذي جعل أرقام السياح الوافدين إلى المدينة تنخفض بشدة، خاصة في ظل التعامل الفظ للمواطنين مع السياح في المدينة. فوق كل هذا، رفض الرئيس الأمريكي (وقتها) فورد منح دعم فيدرالي لإنقاذ المدينة من إعلان إفلاسها.

كيف جاء الحل؟

لتجنب الإفلاس، طلبت إدارة التنمية الاقتصادية لنيويورك من شركة دعاية (ويلس ريتش جريني –  Wells Rich Greene) تصميم حملة إعلانية موجهة للسياح، لزيادة أعداد السائحين لزيادة الدخل العام للمدينة، وكانت المينزانية الكلية 400 ألف دولار أمريكي.

عند إجراء أبحاث السوق وجد فريق التسويق رفضا قاطعا من مجموعات السياح الذين عرضوا عليهم فكرة زيارة نيويورك. حتى بعد تعديل السؤال إلى هل ترغب في زيارة مطاعم نيويورك وأشهر محلاتها وفنادقها وغير ذلك، كان الرفض سائدا بدوره، حتى جاء الفرج في صورة إجماع السياح على رغبتهم في زيارة أشهر مسارح نيويورك، برودواي.

ما إن جاء ذكر زيارة مسارح برودواي حتى انفرجت أسارير السياح وأشرقت وجوههم وأعلنوا رغبتهم في زيارة هذه المنطقة ذات الشهرة الراقية. (لتوضيح الأهمية، هذه المسارح وحدها تساهم في دخل الولاية بحفنة من مليارات الدولارات كل عام)

نتيجة أبحاث السوق، نكره المدينة و نعشق مسارحها

كانت حصيلة دراسة السوق هي كراهية نيويورك + حب برودواي. حتى بعد تكرار الدراسة على عينات أخرى من السياح، جاءت النتيجة واحدة.

بالطبع، لم يكن من الممكن زيارة مسارح برودواي دون زيارة نيويورك ذاتها. لذلك حولت شركة الدعاية جوهر حملتها الدعائية من زيارة نيويورك إلى زيارة برودواي.

لضمان نجاح الحملة الإعلانية وفي ظل نتائج أبحاث السوق والسياسة الجديدة، نجحت شركة الإعلانات في إقناع المسؤولين الحكوميين بزيادة ميزانية الإعلانات إلى 4 مليون دولار – لا تنس أن الوقت كان نهاية حقبة السبعينيات وكانت الإدارة الحكومية على وشك الإفلاس، وهذه الزيادة كانت ثقة في العوائد المتوقعة للحملة الإعلانية.

ميلاد شعار أنا أحب نيويورك أو “I ♥ NY”

في أول إعلان صورته شركة الدعاية، جاءت بأشهر الممثلين على مسارح برودواي وهم يغنون أغنية جديدة (وقتها) اسمها أنا أحب نيويورك وكان الإعلان بالكامل مخصصا للدعاية لمسارح برودواي ولباقات السياح لزيارة هذه المسارح.

تشير التفاصيل إلى أن شركة الدعاية لم تنفق الكثير على تلحين الأغنية القصيرة، وحتى الشعار المصور جاء من مخيلة مصمم هبط عليه الإلهام وهو جالس في سيارة أجرة في نيويورك ورسمه على مظروف ورقي صغير كان في جيبه. هذا المصمم (ميلتون جليسر) وظفته إدارة التنمية الاقتصادية لنيويورك خصيصا للوصول إلى شعار مناسب لهذه الحملة.

بسبب بساطة الشعار، وافقت شركة الدعاية فورا على استخدامه. عندها عاد هذا المصمم ليضع لمساته الفنية الأخيرة على الشعار والذي اشتهر لمدة 40 سنين أو يزيد بعدها، أمر لم يكن أحد ليتوقعه ساعتها.

البساطة وعدم التعقيد – أمر لو تدري عظيم

شعار بسيط، أغنية بسيطة المعنى سهلة الكلمات، دعاية لمكان مرموق مشهور محبوب… ميزانية إعلانية كافية…

خلطة سحرية ذات احتمال نجاح كبير…

رغم أن الحملة استهدفت السياح من خارج نيويورك، لكنها لمست وترا حساسا لدى سكان المدينة أنفسهم، والذين بدأوا يشعرون من جديد بالفخر بمدينتهم، الأمر الذي دفعهم للارتقاء بأفعالهم مما ساهم بدوره في تقليل قبح المدينة.

رغم أن الحملة استهدفت السياح من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الإعلانات السمعية والمرئية اشتهرت وتخطت الحدود الجغرافية وعرفها العالم، ساهم في ذلك انتشار استخدام الشعار المكتوب على هدايا تذكارية عديدة وكثيرة.

بدأت حملة أنا أحب نيويورك الإعلانية في عام 1977 واستمرت لعقود، وعلى الرغم من نجاحها في البداية، إلا أنها واجهت مقاومة عنيفة في عام 1980 من باقي القطاعات السياحية في المدينة والتي رأت الإعلان قاصرا على المسارح وحسب. لولا ثبات إدارة المدينة واستمرارهم في استخدام الإعلان لربما لم يحقق كل هذا النجاح والانتشار.

وفقا لمقالة منشورة في 1995 في جريدة نيويورك تايمز، حققت حملة أنا أحب نيويورك عوائد قدرها 22 دولار لكل دولار أنفقته الإدارة لعمل هذه الحملة، وهذا نجاح إعلاني كبير في حد ذاته.

حين وقعت أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، وامتنع السياح عن زيارة نيويورك، عادت المدينة لاستخدام ذات الأغنية وذات الشعار من جديد، والذي كرر نجاحه مرة أخرى… طاقم من أشهر ممثلي مسارح برودواي يغني الأغنية الشهيرة ويدعو الناس لزيارة المسارح – لا المدينة!

هذه المرة أضافوا جملة مؤثرة للأغنية – دعونا نكمل العرض المسرحي أو – Let’s go on with the show وهي جملة شائعة بين الناس، تحمل معاني التفاؤل والرغبة في الوقوف بعد الوقوع…

من عزوف السياح عن زيارة نيويورك إلى أكثر من خمسين مليون سائح سنويا (والرقم في زيادة مستمرة) بفضل دراسة سوق ورؤية تسويقية واعية وحملة إعلانية ذكية.

حتى اليوم، يجلب شعار أنا أحب نيويورك أو “I ♥ NY” أرباحا للمدينة مقابل الحقوق الفنية لاستخدامه في مختلف دول العالم.

هل كانت حملة أنا أحب نيويورك وحدها كافية لتحويل المدينة كلها؟ بالطبع لا، إذ تزامن معها جهود أخرى لإصلاح أحوال المدينة وسكانها، تجد تفاصيلها في تدوينتي السابقة والتي حملت عنوان نظرية النوافذ المحطمة – أو كيف تحولت نيويورك من قلعة الإجرام لمدينة النظام.

على الجانب

مؤخرا بدأت ألاحظ تكرار انتقادات (أو سمها ملاحظات) على قصص النجاح بشكل عام وكيف أنها مثل المخدر شديد المفعول سريع الانتهاء. في الأغلب، سبب هذه الانتقادات هو أن قصص النجاح هذه تأتي من خارج البيئة العربية، لا يمكن تكرارها، وكل هذه الأسباب.

بداية، أجتهد كثيرا ليكون ما أرويه هنا هو أحداث واقعية وقعت بالفعل، يمكنك البحث بنفسك والتأكد من تفاصيلها.

ثانيا، هل يمكن تكرار مثل هذه القصص في عالمك وزمانك؟ هذه تجيب أنت عليها، ولا يعيب القصة إذا جاء ردك بالنفي، وليس هذا مبررا كافيا لتحكم عليها بأنها قصص خيالية لا فائدة منها.

ختاما، هذه المدونة وما تحويه هي محاولة ضعيفة لتغيير الحال والواقع للأفضل. تصيب أحيانا وتخطيء أحيانا أخرى وهذا ديدن البشر. خذ منها ما يفيدك واترك ما عداه. ما حكمت أنه مخدر ربما كان الدواء لغيرك، فلا تسرع في الحكم بعدم جدواه.

إذا أردت المزيد من قصص التسويق من نيويورك، أنصحك بقراءة التدوينة تسعون دقيقة من التكييف – أبرد أفلام الصيف في نيويورك

15 ردود
  1. محمد رشاد
    محمد رشاد says:

    أنا أيضاً لم أكن أعرف أن خلف هذا الشعار قصة كهذه

    وبالنسبه لقصصك وأمثلتك التي تضربها لنا فهي مفيدة وذات فائدة كبيرة فقط لو أردنا ذلك وتوقفنا عن النظر للنصف الفارغ من الكوب.

    تحياتي أ شبايك ودمت مصدراً للأمل والإيجابية

    رد
  2. أسامة حمدي
    أسامة حمدي says:

    تذكرت أحد المواقع الإلكترونية الخاصة بالحجوزات التي تعرض على كل مكان يعمل بمجال استضافة السياح فكرة اختيارية مفادها أن يعد دليلاً إرشاديًا للأماكن المميزة التي يوصي غيره بزيارتها، وهذه التوصيات تساعد في كشف معلومات قد تكون جديدة للبعض مما يساعد في قضاء السائح أطول فترة ممكنة في المكان الذي سوف يزوره أي انتعاش للدولة المقصودة في مجالات عديدة.

    رد
  3. محمد المفالحة
    محمد المفالحة says:

    يعطيك الف عافية .. بالعكس قصص النجاح التي نقرأها هنا هي اضافة مميزة لحياتنا ..اجازة سعيدة

    رد
  4. محمد عبدالله
    محمد عبدالله says:

    مدونة شبايك أنا أحبك

    مع أنك تبطئين في الإطلالة إلا أنها إذا جاءت فهي كافية وزيادة ….

    من لي بمثل سيرك المدللِ *** تمشي رويدا وتجي في الأولِ

    أستاذ رؤوف يحق لك أخذ إجازة فأنت (ملك الكتاب) .

    فسبحان الله أعجب الأمور تحدث بأبسط الطرق.
    فكما أن أسرار البحار لا تعرف إلا في العمق فكذلك أسرار التسويق فمخاطبة العاطفة خصوصا ( بالحب ) وكذلك حاجة الأنفس خصوصا( إدخال السرور ) سلاح قوي للمستثمر إن هو أجادها ووضفها لصالح منتجاته و متجره

    فعلى المستثمر أن يعرف حاجة الزبون بمحاورته أو حتى بالإسترشاد بالقرائن لأن بعض الزبائن يخونه التعبير عن إبداء حاجته الحقيقية فعلى المستثمر أن يغوص في نفوس الزبائن ويعرف الحاجة الحقيقية مستخدما أدوات الغوص وهي (الحب وإدخال السرور) وذلك من أجل تحريكهم وجذبهم كالمغناطيس فالرياح لاتحرك الماء بالاحتكاك الخارجي ولكن تداخل أجزاء الرياح مع جزيئات الماء يتم تحريك الرياح للماء
    فعندما يشعر الزبون تجاه متجر ما أن هناك حب يجذبه وسرور يربطه فأين الفرار إذن.

    أما عن قصص النجاح فهي أصل التنمية الذاتية والبشرية فهي مجمع الفوائد والتجارب والخبرات إلا أنها تبقى شعور للقارىء فإذا استغل هذا الشعور في وقته وإلا تلاشى واختفى وهناك طريقة تستفيد بها من قصص الناجحين فقط
    ( إبدأ بما هو أمام عينيك وأبذل ماتستطيعه لتقوم به )

    فالإنطلاقة غالبا تكون من ماملكك الله إياه ومن ماوهبك الله القدره عليه فمثلا عندما تكون هناك غرفة كبيره عليك تنظيفها ويبدو أنك لن تتمكن من ذلك أبدأ أنظر فقط إلى الركام البسيط الموجود أسفل قدميك أو القريب منك ونظفه قدر إستطاعتك ، إذا كررت هذه العملية فستجد نفسك نظفت الغرفة بالكامل قبل حتى أن تعرف.

    رد
  5. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    هذه المدونة وما تحويه هي محاولة ضعيفة لتغيير الحال والواقع للأفضل…….
    كلامك 100% صحيح وهي الهام لكثير من الشباب العربي وانا منهم
    دعك من اللي ما بيعجبهم شيء وهم فقط موضوعين للنقد بدون فعل
    وامضي في طريقك
    ودمتم سالمين

    رد
  6. هاشم العدواني
    هاشم العدواني says:

    أنا أقول / أحسن الله إليك ما أحسن ماتقدم ! زادك الله فضلاً وعلماً ونفعاً . أرجوك لا تحرمنا المزيد نفعك الله ونفعنا بما تقدم .

    رد
  7. محب روفائيل
    محب روفائيل says:

    بخصوص المدونة، اتمنى من يقول ذلك عليها أن يقدم بديلا مساويا أو أفضل، أو ليقل ما الذي يريد تغييره بالضبط لتتحسن، وإلا فليصمت، تحياتي.

    رد
  8. محمد عبدالله
    محمد عبدالله says:

    بمناسبة التدوينه السابقة وحسب اطلاعي على التسويق وجدت أربعة أشياء تؤثر فيه بقوة:

    ١. توظيف العاطفة على رأسها الحب.

    ٢ . توظيف سعة الصدر على رأسها الضحك.

    ٣ . توظيف الطعام على رأسها الأكلات الشهية.

    ٤ . توظيف الصوت الجميل على حسب ميول كل منطقة أو فئة

    والمسوق المبدع هو من يستطيع يستخدم هذه العناصر الأربع.

    هل توافقوني الرأي !!!!!
    أم أن هناك أقوى منها

    رد
  9. عبد الله
    عبد الله says:

    يا اخي انت رائع ..
    الانتقاد لم يسلم منه احد ..
    أنت كنت شعلة أضائت لنا دروب ، وأثرت في حياتنا
    اتابعك من12 سنة ما وجدث فيك الا الأمل والدافع لي
    جزاك الله عنا كل خير

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *