سوشي السلمون

حملة تسويقية جعلت اليابان أكبر مستوردي السلمون في العالم

منذ القرن التاسع على الأقل واليابان تشتهر بحب السوشي (طبق ياباني شهير من الرز المخلل الممزوج مع قطع من السمك النيئ غير المطهي المخلوط مع مكونات عديدة مثل المأكولات البحرية والخضروات وبيض السمك والبهارات وغيرها).

رغم هذه القائمة الطويلة من المكونات، لم يكن سمك السلمون Salmon مشمولا فيها. إلا أن كل ذلك تغير بفضل حملة تسويقية طويلة المدى أطلقتها الحكومة النرويجية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، كانت نتيجتها أن اليابان أصبحت أكبر مستوردي سمك السلمون في العالم. ببساطة، الحملة التسويقية جعلت اليابان تحب أكل سمك السلمون ضمن أطباق السوشي الشهيرة التي تشتهر بها اليابان.

قبلها، كان السلمون مغضوبا عليه من العامة، يقطب له جبين كثير من اليابانيين، بداية بمشاهير الطهاة الحاصلين على نجمة ميشلان. كانت القناعة الراسخة بين عموم اليابانيين أن طعم ولون ورائحة سمك السلمون غير مقبول، وحتى شكل رأس سمكة السلمون كان غريبا يبعث على النفور.

الطفيليات والأمراض التي يحملها السلمون البري

سبب كل ذلك أن سمك السـلمون البري الذي تصطاده اليابان في مياهها الإقليمية كان يحوي الكثير من الطفيليات الضارة. هذه كانت تسبب الأمراض في حال تناول لحم السلمون غير مطهي. ولذا كانت اليابان تغليه وتشويه ولا تأكله نيئا في أطباق السوشي والساشيمي.

في اليابان، لحم السمك المطهي رخيص الثمن. استخدم السمك ذاته في أطباق السوشي والساشيمي، فيرتفع سعره إلى 10 أضعاف أو يزيد.

لأن أفضل أنواع الأسماك هي تلك المستخدمة في عمل هذه الأطباق، مرد ذلك أن خطأ سينتج عنه تسمم الزبائن وخسارة التجارة.

في أواخر الثمانينيات، كانت النرويج ذات فائض وفير من صيد أسماك السلـمون في مياهها بسبب ازدهار صناعة تربية السلمون التجارية في المحيط الأطلنطي، وكان حتما عليها البحث عن سوق جديدة إذا هي أرادت مشترين لحصيلتها من الصيد في مياهها. ما زاد الطين بلة هو تراجع الطلب المحلي على الأسماك بشكل عام في ربوع النرويج.

على الجهة الأخرى من هذا الكوكب، كانت اليابان تفرط في صيد الأسماك في مياهها مما نتج عنه قرب انقراضه وقلة ناتجه وانفتاح اليابان – مضطرة – على استيراد الأسماك من أسواق خارجية غير يابانية خاصة بعدما صدر لها الأمر بعدم الصيد في غير مياهها الإقليمية.

بيورن أولسن يدخل مسرح الأحداث

لكل مشكلة بطل يحلها. وفي هذه القصة كان لها النرويجي بيورن إيريك أولسن (Bjorn Eirik Olsen) الذي سافر في 1986 إلى العاصمة طوكيو بغرض التعريف بما أطلق عليه: مستقبل السوشي – السلمون.

كان أولسن موفود الحكومة النرويجية، والتي أطلقت مشروعا خاصا أسمته: مشروع اليابان بهدف زيادة الطلب على أسماك السلمون في السوق اليابانية.

في البداية، واجه أولسن مقاومة متوقعة واحتقارا شعبيا من اليابانيين. رغم ذلك، كان أولسن عاقد العزم على تعريف وتقديم سمك السلمون النرويجي عالي الجودة إلى السوق اليابانية.

بيورن أولسن الرجل الذي جعل اليابان تحب سوشي السلمون
بيورن أولسن الرجل الذي جعل اليابان تحب سوشي السلمون

شرع أولسن في تدشين حملة تسويقية شاملة لتغيير نظرة اليابانيين الدونية إلى السلمون. بدأ بعرض إعلانات تلقي الضوء على نظافة المياه القريبة من السواحل النرويجية مما يضمن نظافة الأسماك المستخرجة من هذه المياه.

بعدها بدأ يجرب عدة استراتيجيات تسويقية تقوم على التسويق بالمديح فبدأ بعرض إعلانات تصور مشاهير كوكب اليابان وهم يأكلون سمك السلمون النرويجي.

ثم بدأ يعرض إعلانات أظهرت كبار الشخصيات اليابانية الذين حصلوا على دعوات خاصة لتناول طعام العشاء مع العائلة المالكة النرويجية (وطبعا لعب السلمون دورا هاما في هذا العشاء!!).

تدريجيًا وبمعدل صغير لكن متزايد، بدأ المستوردون اليابانيون في شراء السلمون النرويجي. رغم هذه الزيادة المبشرة، بقيت الوسيلة الأولى لأكل السـلمون هي مطبوخًا بدلاً من نيئًا كما هو الحال مع السوشي الشهي. لم يكن هذا مراد أولسن!

فـُرجت وكنت أظنها لا تـُفرج!

في عام 1992 جاء الفرج ونقطة التحول في القصة!

وافقت شركة Nichirei على شراء 5 آلاف طن أسماك سلمون من أولسن بسعر رخيص. نيشيري هي سلسلة محلات سوبر ماركت كبيرة في اليابان. وكان شرط أولسن لإتمام هذه الصفقة هي استخدام السلمون في عمل أطباق السوشي لا غير.

استخدمت نيشيري أسماك السلمون التي حصلت عليها بسعر رخيص لإعداد وجبات سوشي بثمن رخيص. مثل المتوقع من خطوة كذلك، يوما بعد يوم بدأ اليابانيون يتشجعون لتوفير المال وتجربة شيء جديد.

أدت هذه الصفقة إلى خفض أسعار السوشي المعتمد على السلمون فزاد الطلب عليه بدوره – الأمر الذي أجبر بقية المطاعم الأخرى على تقديم سمك السـلمون للبقاء في حلبة المنافسة.

من جهته، أبقى أولسن الأسعار منخفضة حتى نشأ جيل ياباني كامل وهو يأكل سوشي السلمون. بدورها زادت شعبية سوشي السلمون بشكل كبير في اليابان ومنه إلى العالم… حتى أن مدونة شبايك كتبت عن هذه الشعبية المتزايدة!

استمر الأمر حتى باتت النرويج تشحن أكثر من 140 ألف طن من السلمون إلى اليابان كل عام. كما أصبحت صناعة زراعة السلمون النرويجي ذات قيمة سوقية قدرها 9 مليارات دولار تزيد عاما بعد آخر.

لأن السوق الياباني يهمها السمك الطازج، يسافر سمك السلمون النرويجي جوا عابرا نصف الكرة الأرضية ليصل لأفواه اليابانيين في أسرع وقت ممكن!

استمرت هذه الحملة أكثر من 10 سنوات حتى أعطت ثمارها!

لسان الحال هنا هو أن التسويق مهمة شاقة، يقلل من شأنه المدراء وأصحاب المال ولا يرون له فائدة.

هل كانت حياة أولسن سهلة وسعيدة؟

لا، على العكس، لاقى أولسن ضغوطا كثيرة وعدم تقدير من منتجي الأسماك في بلده النرويج والذين عانوا من تراجع الطلب في النرويج على الأسماك بشكل عام حتى كادت هذه الصناعة أن تموت..

ضغط هؤلاء بشدة على الرجل كي يبيع السمك للاستخدام في القلي والسلق ويترك أوهام السوشي والساشيمي…

لكنه لم يفعل وتحمل وثبت على خطته. وهذا يوضح لك أن مهمة مدير التسويق ليست سهلة على الإطلاق. كما أن غالبية من حول مسئول التسويق في الأغلب لا يرون فائدة ترتجى من التسويق وأفكاره…

وفقا للحكومة اليابانية، في عام 2017 كان هناك أكثر من 100 ألف مطعم سوشي خارج اليابان. هذا الرقم يزيد بمعدل 5% كل عام.

تناول السوشي وفق الطريقة اليابانية التقليدية أحد أهم أسباب زيارة السياح لليابان.

هل تعرف ما الدولة الثانية التي تحاول النرويج أن تحببها في لحم السلمون في الوقت الحالي؟ الصين!

لعلك تود معرفة كيف غزت شيكولاته كيت كات اليابان.

في الختام، الشكر موصول لشركة عسفا – أول فنتشرز في المنطقة العربية لصناعة الشركات في التقنيات الناشئة في مجال ويب 3.0 والبلوكتشين – على رعايتها البلاتينية للمدونة.

5 ردود
  1. محى محمد عبدالهادى
    محى محمد عبدالهادى says:

    هذا تسويق مع إصرار مع إستشراف مستقبل ومثابره بناء فعلى على أرض الواقع فعلا شئ يحتذى بطريقته على صعيد أخر لماذا لا أجد إعلان بمنشوراتك على إيميلى مع إننى مشترك بالخدمه

    رد
  2. محمد
    محمد says:

    السوشي هو من أقدم الأكلات ويرجع تاريخه إلى ستة آلاف عام قبل الميلاد
    والسوشي عندما بدأ لم يكن وجبة طعام بل كان طريقة للتخزين حيث كان اليابانيون يقومون بوضع السمك في ملفوف الأرز بالخل لحفظ الأسماك لمدة سنه
    ومع الوقت أصبح السمك يأكل كما هو وتطور الأمر عندما بدأت المجاعات فانتشر العديد من باعة السوشي وحاول كل بائع أن يتفرد ويختلف في صنعته وكانت النتيجه إنتشار هذا الطعام بأنواع مختلفه .
    بدأ بيع السوشي كطعام رخيص الثمن في بداية الأمر فهو كان نوعا من الأطعمة السريعه التي يتم بيعها مقابل ثمن بسيط وكان يتم تناوله كنوع من المقبلات

    وعلى هذا فنجاح السوشي الرئيسي ليس بسبب التسويق ولكن هو بسبب تحقيقه للأبعاد الأربعه في نجاح أي منتج أو خدمه .
    وهي وجود محفزات شرائية مثل كونه أقل تكلفه من المنتجات الموجوده وكذلك كون مواصفاته أفضل من الموجود بمعنى يحقق منفعه أكبر
    وكذلك نجاح السوشي بسبب زوال العوائق الشرائية وذلك كونه منتج سهل الانتاج والاستخدام وتوفره بشكل دائم كونه يصلح للتخزين .

    فالتسويق أو مزايا المنتج لا تحقق نجاح باهر مالم تتحقق فيه الأبعاد الأربعه السابقه .

    ويبقى هذا الكلام السابق رأي ووجهة نظر .

    رد
  3. محمد
    محمد says:

    فائدة نادره :

    هل تناولت السوشي من قبل؟ إذا كانت الإجابة نعم، فأنت تعلم أنه عادة ما يكون ملفوفاً بشيء أخضر لزج، يُعرف أيضاً باسم الأعشاب البحرية. إنها من الأطعمة الشهيرة جداً في المطبخ الآسيوي، لكن الناس في أجزاء أخرى من العالم لا يأكلونه كثيراً. إلا أن هذه الحقيقه ستقنعك بإدراجها في نظامك الغذائي.
    وهي أن إدخال النباتات البحرية في منظومتنا الغذائية سيجعلنا من اكثر الشعوب صلابة مناعيا خاصة للأمراض المعاصرة

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *