كيف تتخطى المشاكل

ماذا تفعل عندما تواجهك مشكلة كبيرة

ماذا تفعل عندما تواجهك مشكلة كبيرة جدا، القاصمة التي تنحني أمامها الهامات؟

تدوينة اليوم تحاول أن تساعدك على إجابة هذا السؤال.

قصتنا هنا تحولت إلى كتاب ثم فيلم سينمائي بعنوان: Touching the Void (الرابط)، جاء من أجل توثيق رحلة البطلين ’سيمون يتس‘ و ’جو سيمسون‘ لتسلق قمة جبل سيولا جراند المتجمدة على ارتفاع 6344 مترا، في دولة بيرو في أمريكا الجنوبية.

خلال أيام ثلاثة، بلغ البطلان القمة من مسار جديد وبدآ بعدها رحلة الهبوط.

سار كل شيء على ما يرام حتى …

فوق سوء الأحوال الجوية، ساءت بدورها الأمور للغاية حين زلت قدم جو فوقع وكسر عظمة ساقه اليمنى… ولم يكن هناك بد من أن يكمل الصديقان رحلة الهبوط بسرعة لأنه…

… بسبب الجو العاصف، استنفد الشابان مخزونهما من الوقود، فلم يعودا قادرين على تسخين الماء للشرب وطهي الطعام.. ولذا توجب الهبوط بسرعة إلى الدفء حيث يتحول الجليد إلى ماء جار…

لا تأتي المصائب فرادي، إذ اضطر سيمون، الصحيح المعافى، ولغرض لتجاوز منطقة وعرة من الجبل، لأن يربط صديقه جو في حبل الأمان طوله 300 قدم ثم يدلي به من مكان مرتفع.

كانت الخطة أن يربط سيمون الحبل المرتبط به هو نفسه، بالحبل الذي يربط صديقه جو، ويدلي به لكي يهبط صديقه جو حتى يبلغ أسفل هذا النتوء الصخري، ثم يهبط سيمون على قدميه ليلحق بصديقه ويكملا الرحلة.

مشكلة ضاقت، فلما استحكمت حلقاتها – ضاقت أكثر!

كعادة الكثير من الخطط، تبدو ممتازة وهي مجرد فكرة، وعند التنفيذ تظهر بعض الحقائق غير المتوقعة..

بعدما تدلى جو من حبل الأمان المربوط حول خاصرته، وصل إلى نقطة وجد نفسه معلقا بين السماء والأرض، وأسفل منه هوة عميقة لا يمكن رؤية نهايتها…

عدم وضوح الرؤية أدى لعدم تقدير عمق الهوة السحيقة التي كانت أسفل منهما…

كما لم تكن هناك أي طريقة لسحبه للأعلى من حيث أتى…

كما لم تكن هناك وسيلة لأن يسمع سيمون ما يقوله جو (أو حتى أن يراه بوضوح…) بسبب الهواء العاصف…

التجمد الذي افترش يد سيمون جعله لا يستطيع التحكم في الحبل لرفع صديقه لأعلى، ولم يكن هناك مساحة للمناورة للتفكير في حل يرفع به صديقه الذي لم يعد يراه أو يسمعه… ولم تكن هناك وسيلة للتأكد من وجود صديقه في نهاية هذا الحبل سوى الوزن الثقيل الذي يجعل الحبل مشدودا…

إنها إحدى اللحظات التي يقال عنها خانة اليك أو كش ملك أو نهاية اللعبة…

ماذا تفعل عندما تواجهك مشكلة كبيرة
ماذا تفعل عندما تواجهك مشكلة كبيرة؟

بعض القرارات تكون غاية في الصعوبة

توجب الوصول إلى قرار سريع، فالوقت يمر بسرعة، ولا يمكن ترك جو معلقا كهذا وساقه مكسورة وسط الثلوج المتراكمة والجو القارص ودرجة الحرارة المتدنية والمساء المسرع والظلام المطبق.

فوق كل ذلك، كان الثلج يتراكم حول سيمون، الذي لو استمر في موقعه منتظرا صديقه، لمات متجمدا، ربما قبله…

القرار الأصعب، كان ضرورة أن يقطع سيمون الحبل المربوط من طرف بصديقه، ومن الطرف الأخير مربوط به هو نفسه…

فعلها سيمون في النهاية، قطع الحبل، وترك صديقه ليهوي في أعماق المجهول، وحفر لنفسه شقا في الجليد، آوى إليه وانتظر مرور العاصفة الثلجية.

أما بطلنا جو، فوجد نفسه يهوي في حفرة سحيقة، لولا أن الجليد خفف من أثر الارتطامات الكثيرة التي رحبت به خلال هبوطه السريع…

فجأة، توقف جسم جو عن الحركة، ليبدأ بعده الشعور الشديد بالألم والإرهاق والتعب والجفاف…

بعض القرارات الصعبة أصعب من غيرها

كان على جو الاختيار ما بين الموت في مكانه أو أن يموت محاولا الخروج من هذه المشكلة وهذا المأزق.

لعل السؤال الآن، كم منا مر بهذا الموقف في حياته، أن يجد الحياة ترميه بكل مصائبها ومشاكلها، ويتعين عليه الاختيار ما بين إعلان الاستسلام، أو محاولة المستحيل – الخروج من كل هذا منتصرا…

(صاحب الإجابة الصحيحة سيحصل على جائزة تقديرية افتراضية من حاكم كوكب شبايك)

حين يجد الانسان أنه لا يوجد ما يخسره، يحدث شيء عجيب، يتحرر عقله من أثقال المتوقع والمحتمل والممكن، ويبدأ يسطر ملحمة يسميها البشر المعجزة.

نظر جو فوجد أنه أمامه أمر من اثنين:

إما أن يصعد إلى قمة الهوة التي سقط فيها…

أو يكمل الهبوط لعله يجد المخرج في قاع تلك الهوة…

(أو أن ينتظر صديقه لعله يبحث عنه ويأتي ليساعده، لكن عمق الهوة جعل هذا الاحتمال لا يستحق التفكير فيه)

الصعود إلى قمة الهوة كان مستحيلا، بسبب الساق المكسورة والجليد الحاد والتضاريس الوعرة.

كان الاحتمال الممكن هو الاستمرار في هبوط تلك الهوة السحيقة المنحدرة… لعل النهاية تكون سعيدة.

في هذه الأثناء، وصل سيمون إلى قاع الصدع، المكان الذي ظن أنه حاول أن يدلي بصديقه إليه، ولما لم يجد أي أثر لصديقه، وبعد فترة طويلة من النداء بصوت مرتفع عليه، توصل سيمون إلى قناعة أن صديقه حتما سقط ولقى حتفه بعدما قطع الحبل الذي كان يدليه… بعدها أكمل سيمون رحلة الهبوط من على الجبل…

وأما جو، فاستمر على مر أيام ثلاثة في الهبوط مقاوما العطش والجوع والألم والجفاف… في رحلة طولها 5 أميال موزعة على تضاريس جبلية وعرة، وجليد قاس، وجو قارص.

حين بلغ جو المعسكر الذي بدأ منه رحلة التسلق، وجد صديقه سيمون يستعد للرحيل عن المعسكر خلال سويعات قليلة… لو تأخر جو أكثر من ذلك لوجد نفسه وحيدا في مكان لا يمر به البشر…

الشدائد تظهر معادن الرجال

اشتهرت قصة سيمون بعدها للغاية في جموع متسلقي الجبال، ورغم أن أحداث القصة وقعت في عام 1985 إلا أن الأمر الذي ساعد على بقائها حية في الأذهان هو كيف نجح جو في تخطي كل هذه الصعاب وحل كل مشكلة واجهها؟

يجيب جو بنفسه في الكتاب، حيث يقول إن تسلق مثل هذه القمة الجبلية أمر يترك المرء مرهقا للغاية، محتاجا إلى النوم والراحة والطعام الشهي. كل هذا لم يتوفر له في موقفه هذا.

بدلا من أن يفكر جو في استحالة خروجه من هذا الموقف المطبق، فعل جو شيئا يجب أن نشيد به.

قرر جو ألا يفكر في المشكلة بشكل إجمالي، بل قسمها إلى مشيكلات (تصغير مشكلات إذا صح التعبير).

قرر جو أن يحل المشكلة خطوة صغيرة تليها خطوة مثلها أو أصغر، وشغل كل تفكيره بتخطي كل مشكلة على حدة…

(حتى نضع الأمور في نصابها، كلنا يفعل ذلك دون جدوى … كبيرة… وذلك صحيح، لأن…)

خطة بدون موعد محدد لتنفيذها هي مجرد كلام

وضع جو تقديرا زمنيا للوقت اللازم لتنفيذه كل خطوة وضعها في ذهنه لحل كل مشكلة صغيرة تواجه، وهو قرر أن يكافئ نفسه حين يكمل الخطوةويحل كل مشكلة في زمن أقل مما قدر له، وحين يزيد الزمن عما قدر له، كان يجعل ذلك حافزا له لكي يسرع ويحقق الهدف الصغير الذي وضعه.

كان جو يقول لنفسه، حين أزحف حتى أبلغ قمة هذه الصدع الجليد، سأصل إليها بعد 20 دقيقة، فإذا بلغها في 18 دقيقة، كان ينفجر في موجة من الفرح والسعادة والضحك، أما إذا استغرقه الأمر 22 دقيقة، كان يحزن وربما انحدرت الدموع على وجنتيه رغم عطشه الشديد…

شيئا فشيئا استولى الأمر على عقله، وبدأ يرغب في لذة الشعور بتحقيقه للهدف المطلوب قبل الوقت المحدد…

حين يستولي عليه التعب والإرهاق، كان يحدث نفسه، انظر إلى عقارب الساعة، ليس لدي وقت لأضيعه، هيا استمر حتى أبلغ هدفي قبل الوقت…

كان يقول لنفسه: تبقى لي 10 دقائق، 5 دقائق، هيا هيا قبل نفاد الوقت…

حين يكان يحاول عبور صخرة بارزة ما، فيهوي من عليها لتعبه وإرهاقه، كان يبدأ حساب الوقت من جديد، ويعود ليخاطب نفسه: يمكنني أن أفعل ذلك، يمكنني أن أبلغ هدفي قبل الوقت، وكان يترك هذا الشعور يستحوذ على جل تفكيره، مما ساعده على تجنب التفكير في صعوبة الموقف الذي هو فيه…

فَـرِّق تَـسُدْ

هذا يا صديقي هو السر للخروج من المشاكل العملاقة… استخدام سياسة: فرِّق تسُد أو Divide & Conquer

حين تفكر في عظم المصيبة التي أصابتك، يصيبك الشلل الفكري، ولا تستطيع التدبير أو التفكير…

حين تركز على أمور أخرى – بشدة – فإنك تعطل عقلك عن التفكير في شيء نهايته الشعور بالشلل والعجز…

حين تحل بك مصيبة، اشغل نفسك بخطوات صغيرة لحلها، ثم ضع جدولا زمنيا ضيقا لتنفيذ هذه الخطوات، وكافئ نفسك ولو أن تمدحها وتقفز مجبرا نفسك على الشعور بالفرح.

اشغل نفسك دائما بالأهداف والخطوات، واحذر من أن تفكر في أمر نهايته الشعور باليأس والعجز.

كلام سهل، تنفيذه صعب، بلا شك، لكن ما البديل: أن نموت واقفين في أماكننا، أم نموت في طريق كان يمكن له الخروج بنا من المشكلة؟

10 ردود
  1. حمادة
    حمادة says:

    كن…… او مت وانت تحاول
    في حالة هو ميت إن لم يحاول فمن الأفضل أن يحاول
    لكن اسلوبه في التعامل مع المشاكل هو الذي يميزه شكرا شبايك سأبحت عن الفيلم لمشاهدته…..

    رد
  2. يوسف حبيب
    يوسف حبيب says:

    مقال ممتاز أستاذ رؤوف كما تعودنا من شبايك بيتنا التانى انا شخصياً عندما تواجهنى مشكلة كبيرة أولاً أستعين على حوائج الدهر بالثقة فى الله وقبول قضائه وبالصبر ثانياً ثم أحاول ان أخرج من جو المشكلة وابعدها عن تفكيرى حتى لا تتضخم وتنهار على وانظر اليها من بعيد وابدأ أحللها بالورقة والقلم لأجد لها حلول غير تقليدية وأجزىء الحل لخطوات صغيرة مرتبطة بمدى زمنى ولا أكل او أمل حتى أنفذ هذه الخطوات .. حتى يفرج الله الكرب ويكشف الغمة .. أو يقضى أمراً كان مفعولاً ..

    رد
  3. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    خطر في بالي فلم العائد The Revenan
    رغم اني شاهدته عدة مرات وفي كل مره تجد معاني جديده للكفاح والخروج من المستحيل
    نعم
    تحتاج لقوة ووقود قوي في العقل كي تتجاوز نقطه اللاعوده لتعود
    شكرا رءوف
    ودمتم سالمين

    رد
  4. أسامة حمدي
    أسامة حمدي says:

    في قلب المحنه منحة نخرج منها بخبرة حياتية تٌثقل مهاراتنا، والأفضل لهما أن يحاولا تغيير الواقع طالما أنه مؤلم، وهذا ما حدث مع الإصرار والانضباط.

    قصة مُحفِّزة تستحق الإشادة والتقدير

    رد
  5. حسام
    حسام says:

    “حين تحل بك مصيبة، اشغل نفسك بخطوات صغيرة لحلها، ثم ضع جدولا زمنيا ضيقا لتنفيذ هذه الخطوات، وكافئ نفسك ولو أن تمدحها وتقفز مجبرا نفسك على الشعور بالفرح.”

    هذه هي الزبدة..

    رد
  6. عبدالوهاب إسماعيل
    عبدالوهاب إسماعيل says:

    موضوع مفيد جدا وأعتقد أن الأمر ليس مقتصرًا على حل المشكلات فقط ، وإنما يمكن تنفيذ أي شيء من خلال إتباع هذه النصيحة .. فلو أن لديك هدف ما يمكنك أن تقسمه لأهداف صغيرة مع مدد زمنية قصيرة مكافأة في نهاية كل مدة ..

    رد
  7. أحمد سيد
    أحمد سيد says:

    ومن منا لم يمر بضائقة خيل إليه ساعتها أنها النهاية ثم مضى وقت وانفرجت العقد واحدة تلو الأخرى فمن كافح واجتهد ارتقى قاع المحنة ومن استسلم بقى في عالم من الهوان والألم .. رغم أن الوقت مر على المحنة لكن هيهات بين مستسلم ومكافح
    ولن ينجينا من كرب الدنيا بعد الاستعانه بالله إلا المحاولة والمثابرة ولو ظننا أن كل خطوة بعدها حتفنا لكن لا خيار غير اكمال الطريق

    رد
  8. ساموراي
    ساموراي says:

    مقال ممتاز أستاذ رؤوف كما تعودنا من شبايك بيتنا التانى
    مشكور على المقال المفيد جدا
    تحياتي

    رد
  9. سمر
    سمر says:

    مقال جدا مفيد ومحفز لمرحلة صعبة ممكن ان يمر بها الجميع
    شكرا على المقالة الرائعة… تحياتي

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *