
اجتمع المتسابقون على خط البداية، وانتظروا إشارة البدء، بعدها انطلقوا بسرعة في سباق اختراق الضاحية، وبعد قرابة ثلث الساعة، بدأ العدائون يعبرون خط النهاية، إلا بن كومان – عداء وحيد، منذ البداية وهو متأخر عن الجميع، وحين يحتاج أسرع العدائين إلى 20 دقيقة أو أقل كي يكمل سباق الضاحية، يحتاج هو إلى ضعف هذا الزمن ليكمل هذا السباق.
حين عبر العدائون خط النهاية، وجدناهم يرجعون في مسار السباق ليجروا مرة أخرى خلف هذا العداء، وتجد منهم من يسنده حتى لا يقع، وتجد البقية تجري خلفه لتشجعه وتؤازره وهو يقوم بعد كل عثرة وسقطة.
من هو بن كومان
بن كومان Ben Comen حاصل على لقب أبطأ عداء يجري في سباق اختراق الضاحية (3.1 ميل طولا) في مدينته، وهو كذلك العداء الذي يعبر خط النهاية ووراءه المئات من العدائين، الذين يجرون خلفه لتشجيعه على إكمال السباق.
بن مصاب بشلل دماغي CP أصابه منذ ولادته بسبب مشاكل صحية حدثت لأمه أثناء الولادة، ما جعل حركته غير طبيعية وغير متزنة.
منذ طفولته وهو غير قادر على مشاركة زملاء الدراسة في ممارسة أي رياضة، ورغم أن المدربين لم يرفضوا طلبه بالانضمام إلى الفرق الرياضية المدرسية، لكنهم لم يشركوه قط في أي مباراة أو سباق.
بن كومان يقرر أن يجري
استمر الأمر كذلك حتى أعلنت المدرسة ذات يوم عن سباق اختراق الضاحية لطلابها، وهنا قرر بن أنه سيشارك في هذا السباق ولن يوقفه أحد، وهو ما تم له.
بدأ السباق وبعدما هدأ غبار العدائين، ظهر بن وحيدا في ذيل السباق، ومن سقطة إلى وقعة، ومن بقعة وحل إلى كدمة، استمر بن في العدو حتى أنهى السباق.
من سباق إلى آخر، يكمله حتى النهاية رغم آلام كثيرة، وبفضل تشجيع إخوته الثلاثة الذين يجرون معه ووالديه الذين وقفوا يشجعون ابنهم المصر على إنهاء السباق، وتشجيع بقية الناس من حوله.

بن كومان يقرر أن يجري
لماذا؟
لماذا يعود عداء أكمل السباق إلى بداية السباق ليشجع متسابقا آخر في نهاية السباق؟
لماذا ينتظر الناس حتى يصل آخر عداء ويعبر خط النهاية، والذي قد يعبره حبوا بعد أن عجز جسمه الهزيل عن حمله؟
ذلك لأن بن كومان لا ينافس أحدا من الناس. إنه ينافس نفسه وجسده ومرضه.
اعتاد بن كومان على أن يكمل مسافة السباق في 42 دقيقة، وحين أكمله ذات يوم في أقل من ذلك، كان سببا لسعادة غامرة لمن حوله.
المنافسة – متي تكون ضارة أو مفيدة؟
حين تنافس الناس، ستجدهم ينصرفون عنك، يخافونك ولا يقبلون عليك.
حين تنافس نفسك، ستجد الناس معك، يشجعونك ويؤازرونك.
مثل هذه القصة وغيرها الكثير والكثير تتكرر في حياتنا كل يوم، ويبقى لنا أن نخرج بالعبرة.
(عندك كذلك التدوينة السابقة والمشابهة لقصة اليوم بعنوان زوي تقرر أن تجري أو قصة الكندي تيري فوكس)
حين نجتهد لكي نكون اليوم أفضل مما كنا عليه في الأمس، سنجد – دون طلب منا – من حولنا يقدم لنا يد المساعدة.
حين تعمل، وتنافس كي تكون أفضل مما كنت عليه في الأمس، لا لكي تسبق المنافسين أو زميلك أو غريمك…
ساعتها حين تسبق نفسك، ستشعر بسعادة كبيرة، وسيتضح لك هدفك في الحياة وغرضك في هذه الدنيا وستشعر بالرضا عن نفسك…
لماذا اختارك أنت ولا أختار المنافسين؟
ساعتها، حين يسألك سائل: لماذا أتعامل معك ولا أتعامل مع المنافسين فتقول له: لأن جودة العمل الذي نقدمه اليوم أفضل من الجودة التي كنا نقدمها منذ 6 أشهر، ولأن العمل الذي سنقدمه ستة أشهر من الآن سيكون أفضل من العمل الذي نقدمه اليوم، لأننا نستيقظ كل يوم ونأتي إلى مقر عملنا لكي يشجع بعضنا بعضا على أن نكون أفضل وأحسن مما نحن عليه الآن، ولكي يعمل كل واحد منا على تحفيز وتشجيع الآخرين على أن يكونوا أفضل وأحسن مما كانوا عليه اليوم السابق.
ساعتها ستكون قد فهمت حقا الحكمة والغرض الذي من أجله يجري بن كومان و زووي وغيرهم الملايين في سباقات الحياة، رغم مشاكلهم ومصائبهم، رغم السقطات والعثرات، رغم الآلام والأوجاع…
هذه القصة وردت في الكتاب الملهم: ابدأ مع لماذا أو Start With Why لكاتبه سيمون سينك Simon Sinek والذي أنصحك بشرائه والتمتع بقراءته ومشاهدة محاضرات هذا الرجل على يوتيوب – خاصة المتعلقة بالقيادة، خاصة تلك التالية التي شهرته:-
(تتوفر نسخة ورقية مترجمة من الكتاب للبيع من إنتاج مركز الإمارات للدراسات والبحوث (الرابط) – وإن كنت أنصح بالنسخة الانجليزية)