الجدة موسز

جاء ميلاد الجدة موسز (Grandma Moses) أو آنا ماري روبرتسون (Anna Mary Robertson) في سبتمبر 1860 في مزرعة قريبة من مدينة نيويورك الأمريكية. وعمرها 27 سنة تزوجت من مزارع أجير وأنجبت عشرا من الأبناء والبنات، مات نصفهم في طفولتهم. بعد وفاة زوجها في عام 1927, استمرت في زراعة أرض العائلة بمساعدة أصغر أبنائها، حتى أجبرها كبر سنها ومرض التهاب المفاصل على التقاعد والجلوس في بيت ابنتها في عام 1936.

في مطلع زواجها، اشتهرت آنا ماري ببراعتها في خياطة مشغولات فنية يدوية عكست مشاهد من الطبيعة وغيرها، هذه المشغولات لطالما لاقت استحسان وإعجاب كل من شاهدها من الأقارب والأصدقاء. يرى البعض أن مرض التهاب المفاصل هو ما أجبرها على ترك الخيط واستخدام فرشاة الألوان لرسم لوحات فنية مماثلة، لكن البعض الآخر ذكر السبب على أنها أرادت عمل هدية الكريسماس لساعي البريد بشكل سريع، ووجدت أن الرسم بالفرشاة أسرع من حياكة الخيوط الملونة.

هل أحبت الرسم أم أنه هو من جعلها تحبه؟

يروي البعض كذلك أن الجدة موسز لطالما أرادت وهي صغيرة السن أن تحترف الرسم والإبداع والفن، لولا أن مجتمعها الريفي أحبطها وقال لها أنت لا تصلحين إلا كزوجة لمزارع وأم لأبنائه. حين بلغت من العمر 75 عاما وأخبرها الطبيب أنها عاجزة عن ممارسة مهام فلاحة الأرض، وجدت أن الوقت قد حان لتفعل ما كانت تريده منذ كانت شابة صغيرة، الرسم.

الجدة موسز

لم تحصل الجدة موسز (كما أحبت أن تسمي نفسها) على تعليم أو درست الرسم والفن، بل تعلمت بنفسها، وهي بدأت بشراء بعض الألوان والفرش واللوحات وجلست تراقب الطبيعة من حولها وترسمها، وكانت تبيع اللوحة الصغيرة مقابل دولارين، والكبيرة مقابل ثلاثة، وكانت تستخدم يدها اليمنى في الرسم حتى إذا تعبت (بسبب مرضها) انتقلت لاستخدام يدها اليسرى وهكذا. حين رحلت الجدة عن عمر يناهز 101 عاما، كانت قد رسمت أكثر من 1500 لوحة فنية.

البداية بالمعارف والأقارب ثم معارفهم وأقاربهم ثم التسويق بالمديح

حين بدأت الرسم، كانت لوحاتها تذهب إلى الأقارب والمعارف في صورة هدايا، ثم بدأت تعرض صورها للبيع في متجر صغير. بمرور الوقت عثر هاوي فن على لوحاتها معروضة في واجهة متجر صغير فاشتراها كلها، ثم سأل عنها حتى وصل إلى بيتها واشترى كل ما لديها من لوحات فنية. في السنة التالية لذلك، لاقت هذه اللوحات الإعجاب والاستحسان حتى تم عرضها في متحف الفن الحديث في نيويورك.

الشهرة تدق أبواب الجدة موسز

بعدها بدأت الشهرة تبحث عن الجدة موسز، والتي كانت تتقدم وتتحسن في جودة الرسم لوحة بعد الأخرى، وبدأت لوحاتها تشتهر، خاصة التي تعكس الشتاء الأمريكي، وبدأت الطوابع الأمريكية وبطاقات المعايدة تحمل صورا من لوحاتها التي عكست الطبيعة الأمريكية والاحتفالات الشعبية، وبدأ الاهتمام الاعلامي بها يزيد، وبدأت معارض لوحاتها تجذب أعدادًا غير مسبوقة من محبي الفن والمهتمين بمعرفة المزيد عنها، وبدأ المعجبون يدفعون من 8 إلى 10 آلاف دولار في لوحة الرسم الواحدة لها، كما حصلت في عام 1949 على جائزة من الرئيس الأمريكي هاري ترومان تقديرا لمساهماتها في إثراء الفنون. في عام 1952 نشرت مذكراتها وقصتها في كتاب خاص.

إحدى لوحات الجدة موسز

إحدى لوحات الجدة موسز والتي تعكس ملامح الشتاء الأمريكي

قبل رحيلها عن الدنيا في نهاية عام 1961 عن عمر ناهز 101 عاما، جمعت الجدة موسز من الدخل في عام واحد، ما فاق إجمالي دخلها هي وزوجها في حياتهما معا كلها. في سبتمبر 2006، تم بيع لوحة للجدة موسز مقابل 1.2 مليون دولار، وهو أعلى سعر بلغته إحدى لوحاتها.

لا عائق سيصمد أمام الراغب

لا تدريب، لا دراسة، بداية في سن 75 عاما، مع مرض التهاب المفاصل، في مزرعة صغيرة قريبة من الطريق، انتهاء برسامة مرموقة مشهورة أصبحت مضرب المثل في أن الوقت لا يتأخر أو يفوت لمن يريد أن يفعل شيئا ما في حياته، بقوة وشغف.

14 ردود
  1. سعيد
    سعيد says:

    لول أن الإنجاز جاء متأخرا
    لكنها قامت بما كانت تحلم به وحققت حلمها بل حققت أكثر من حلمها
    أفضل من أن لا تحققها
    شكرا لك يد رؤؤوف

    رد
  2. Yahia
    Yahia says:

    عود أحمد أخي الكريم ,

    فعلاً كلامك سليم جدا ” أن الوقت لا يتأخر أو يفوت لمن يريد أن يفعل شيئا ما في حياته ” ?

    هذة القصة بنجاحها في نهاية عمرها تذكرني بقصة كنتاكي

    رد
  3. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    من فتره كان هنالك منشور على الفيسبوك اعطيك المعنى
    عم احمد بلش مشروعه في سن السبعين
    واخذ قرض من البنك ………. لا ياس مع الامل والطوح اساس النجاح
    والان
    عم احمد مسجون بسبب القرض
    ………………………………..
    هذه تبتسم لها لكنها من اكبر المعيقات للشباب وكل من يطمح بعمل اي شيء
    …………………………………
    الجده ابدعت وعاشت قرنا من الزمان
    ولو استسلمت لماتت من حسرتها وثقل الاخرين بها
    اخر 25 سنه في حياتها لخصت جميع ما كانت تحلم به وهذا هو
    الامل في الحياه
    ودمتم سالمين

    رد
  4. عبدالله محمد
    عبدالله محمد says:

    لا زال العمر أمامي طويلا لأحقق أحلامي فيما بعد .
    .
    لقد فات الأوان لتحقيق الحلم لم يعد هناك في العمر بقية .
    .

    ما بين الجملة هذه وتلك ضيع أحلام الكثيرين .
    .
    فانتبهوا !!!!!!

    رد
  5. أحمد حسنين
    أحمد حسنين says:

    مقال رائع ………. أستاذ رؤوف بالفعل النجاح غير مرتبط بالعمر بقدر ارتباطه بحُب ما تعمل.

    رد
  6. محب روفائيل حكيم
    محب روفائيل حكيم says:

    واو قصة رائعة، لي قريب أحيل الى المعاش في السن القانوني ففعل شيء لم يخطر على بال أحد، ذهب إلى الولايات المتحدة لمدة 5 سنوات ليعمل وهناك قابل شخصا قال له: أنتم بعد المعاش تحسون أن النهاية بدأت، وتجلسون في بيوتكم تنتظرونها، لكننا بعد المعاش نبدأ البداية!

    رد
  7. مفرح
    مفرح says:

    حفرت اسمها فى كتاب الحياة باحرف من نور فعلا النجاح ليس له وقت او وطن النجاح مع الانسان بيده وحده لايخضع لظرف او وقت واتذكر فصول الابتدائى واسرح بخيالى عن كل تلميذ وتلميذه كانوا معى واجدهم بعد مايقرب من اربعون عام كل سلك طريقا للحياة مختلفا تماما رغم ان الظروف تقريبا كانت متشابها والاهم من ذلك وصديقنى اخى رؤوف بعضهم كانت ظروفه اصعب ولكن بعد هذه السنوات هو من الناجحين بالمقارنه بغيره لن اقول الجميع ولكن من كان عنده الصبر والطموح فعلا الحياة كتاب مفتوح وليس له موطن او بلد ولكن من يقراءه هو السعيد فعلا وانت فعلا تروى او تقرأ علينا كتاب الحياة وتستمتع وتمتع غيرك جعلها الله فى ميزان حسانتك وعلى فكرة ان جديد على مدونتك لكن فعلا وجدت فيها متعتى وان كنت قبلها من المستمتعين بالدكتور ابراهيم الفقى والدكتور صلاح الراشد وبسببهم تركت عملى بالخليج ورجعت الى مصر فى محاولة ان ابدأ فى عمل مشروع خاص بى اجد فيه نفسى ومع فارق المعيشة بين الخليج ومصر لكنى حلمى ان انجح فى عملى اكثر من حلمى بنجاحى فى الخليج وابحث دائما عن كل كلمة ايجايبة تحفز الى الامام ومدونتكم تفوح بالايجابية ومن يرتدها ايجابيون وهذا ليس كلام مرسل ولكن فعلا هى الحياة والصحبه واحس معكم بافضل صحبة نسألكم الدعاء

    رد
  8. محى محمد
    محى محمد says:

    ولكن سؤال هل كانت تمتلك الموهبه منذ نعومه أظفارها ؟ أم ظهرت فجأه نتيجه إضطرارها للجلوس فى البيت
    أشعر أن الموهبه لو موجوده لدى إنسان فهى تصرخ بداخله ولاتنتظر كل تلك السنين

    رد
  9. محمد ابليل
    محمد ابليل says:

    ذكرتني هذه القصة الجميلة ، بقصة التشكيلية المغربية ، الشعيبية طلال ،التي تنتمي لوحاتها إلى ما يعرف بـ«الفن الفطري» ، قصة مثيرة بدأت بحلم ومن رحم المعاناة وانتهت إلى العالمية..
    تحياتي ومودتي أخي رؤوف

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *