قصة هوارد شولتز، صانع مقاهي ستاربكس

ستاربكس هي سلسلة مقاهي، يعود الفضل في انتشارها إلى هوارد شولتز، الذي كان لديه رؤية بعيدة المدى، أثبتت الأيام صحتها. بدأت القصة في بداية 1981 حين كان الأمريكي هوارد شابا يبلغ من العمر 27 عاما ويعمل في وظيفة مسؤول مبيعات في شركة تبيع منتجات بلاستيكية من ضمنها فلتر بلاستيكي يركب في أعلى ترمس القهوة لفصل الحبوب عن مشروب القهوة. لاحظ هوارد أن شركة صغيرة في مدينة سياتل تشتري كمية كبيرة جدا من الفلاتر / الأقماع البلاستيكية لماكينات القهوة التي تبيعها الشركة التي كان يعمل لديها.

ستاربكس في القديم

هذه الشركة كانت تبيع حبوب القهوة والشاي والبهار ولوازمها، ومن ضمنها آلات إعداد وتحميص وتجهيز القهوة، وكان اسمها ستاربكس كوفي، تي، اند سبايسيس، وكانت تولي عناية شديدة واهتماما بأصول وفنون إعداد القهوة من البداية للنهاية. دفع الفضول هاورد لمعرفة السبب، ذلك أن وقتها كان الحصول على مشروب القهوة أمرا سهلا للغاية، وبتكلفة متدنية، أقل من دولار. ولذا سافر هوارد إلى مدينة سياتل وذهب إلى مقر الشركة، محل صغير في سوق قديم، حيث كان المحل يبيع حبوب القهوة المحمصة مع آلات إعداد وتجهيز مشروب القهوة من هذه الحبوب. نعم، في ذاك الوقت، لم تكن ستاربكس تبيع مشروب القهوة (أو أي مشروب آخر) كما نعرفها اليوم.

ستاربكس هي وجهتي القادمة

أخذ هوارد جولة في طرقات المصنع وشاهد خطوات تحميص حبوب القهوة، وقابل مؤسسيي شركة ستاربكس: جيري بالدوين و جوردن بوكر، وتسنى له شرب قهوة ستاربكس، قهوة سوداء قوية للغاية. عندها أدرك هوارد أنه يريد أن يعمل لصالح هذه الشركة، لكن إقناع المؤسسين بذلك لم يكن بالأمر السهل. تطلب الأمر مرور عام كامل، عندما شرع المؤسسون في افتتاح الفرع السادس لهما والأول خارج مدينة سياتل، وعندها وافقا على قبول هاورد للعمل لديهما في وظيفة مدير التسويق وكان عمره وقتها 29 عاما واضطر لترك نيويورك والسفر إلى مدينة سياتل للعمل هناك. وقتها، كانت رؤية هاورد، والمؤسسين، هي جعل ستاربكس سلسلة محلات منتشرة في كل ولاية ومدينة، لكن محلات غرضها الأول بيع حبوب القهوة ليشتريها المشترون ويطحنوها في بيوتهم ويشربوها بعدها.

في السفر فوائد كثيرة – خاصة إلى إيطاليا

ثم حدث في ربيع عام 1983 أن سافر هاورد إلى مدينة ميلان في إيطاليا لحضور معرض منتجات منزلية وشراء لوازم لفروع ستاربكس، وهناك حيث شاهد شوارع إيطاليا مزدحمة بالمقاهي الإيطالية المليئة بروادها من محبي شرب القهوة، الذين طلبوا شرب القهوة التقليدية ومزيج اسبريسو والقهوة باللبن والموكا وغيرها من مشروبات القهوة الغريبة! لقد كانت المرة الأولى له التي تذوق فيها طعم الاسبريسو، وأول قهوة باللبن لاتيه، وعندها هبط عليه الإلهام: يجب على محلات ستاربكس أن تقدم حبوب قهوة جيدة ممتازة لكن يصعب على المشتري العادي فهم الفروقات الكثيرة بين حبوب قهوة سومترا وارابيكا جافا وموكا، والفرق بين التحميص الإيطالي والفرنسي للحبوب.

تطور شعار ستاربكس على مر السنين

تطور شعار ستاربكس على مر السنين

مولد فكرة ستاربكس التي نعرفها اليوم

أدرك هوارد أن مقاهي بيع مشروب القهوة بأنواعه الكثيرة والجاهزة للشرب فورا هي الوسيلة التي ستساعد ستاربكس على الانتشار في كل ربوع الدنيا، وليس الولايات المتحدة فقط، والتي ستمكن ستاربكس من الوصول إلى شريحة كبيرة جدا من محبي القهوة، وليس فقط أولئك العشاق المخلصين المستعدين لشراء الحبوب والعودة لطحنها ثم إعدادها وشربها. عوضا عن كون ستاربكس محلا لشراء حبوب القهوة، يمكنها أن تصبح المكان الذي تلجأ إليه لشرب مشروب ساخن ذي طعم ومذاق فريد. مكان خارج المنزل وخارج مكان العمل أو الدراسة، حيث يمكن للناس البقاء فيه وقضاء وقت ممتع مبهج، تماما مثلما جعلت المقاهي الايطالية هاورد يشعر حين دخل إليها.

الأفكار العبقرية لا بد وأن تواجه مقاومة عنيفة. حين طلب هوارد أن يعمل لدى ستاربكس قابله المؤسسون بمقاومة عنيفة، فما بالك حين يطلب منهم تغيير طبيعة عمل الشركة ولذا لا عجب حين نعلم أن الأمر تطلب مرور عام آخر من محاولات الإقناع حتى وافق الشركاء على وضع ماكينة اسبريسو وحيدة في الفرع السادس لستاربكس، حين حان وقت افتتاحه في أبريل 1984. حين جاء شهر يونيو (بعد مرور شهرين على الافتتاح) كان متوسط عدد رواد الفرع 800 عميل في اليوم، في حين كانت بقية الفروع تستقطب 250 في اليومكما وكانت أول تعريف للأمريكيين بالقهوة باللبن أو كافيه لا تيه في هذا الفرع وفي هذا الوقت. رغم ذلك، أصر الشركاء على أنهم يعملون في مجال تحميص حبوب القهوة لا مجال المقاهي والمطاعم، وأنهم غير راغبين في دخول هذا المعترك – كما أنهم لا يريدون تكبير الشركة أكثر مما كانت عليه!

الجيورنالي

بنهاية عام 1985، استقال هوارد من عمله وأسس شركة جديدة أسماها ال جيورنالي (على اسم جريدة / جورنال) تخصصت في تقديم قهوة اسبريسو، أيضا في مدينة سياتل في أعلى ناطحة سحاب هناك. لم يملك هوارد وقتها المال الكافي لافتتاح شركته هذه، وهو كان بحاجة إلى 400 ألف دولار لفتح شركته الجديدة، إلا أن مالكو ستاربكس قررا المساهمة معه بالمال، وكذلك حصل على مائة ألف دولار من طبيب معجب بطريقة تفكير هوارد واستعداده للمغامرة. في هذا الوقت، كانت زوجته حاملا في طفلهما الأول وكان هوارد بحاجة لكل فلس.

بعد مرور عامين (في 1987)، قرر مؤسسو ستاربكس أنهم يريدون بيع شركتهم للتركيز على نشاط تجاري آخر، وبحلول هذا الوقت كان هوارد قد افتتح 3 فروع لشركته وكانت تجارته رائجة، لكنه بعد جهد جهيد وبمساعدة مستثمرين، استطاع جمع 3.8 مليون دولار لشراء الفروع الستة لستاربكس زائد مصنع التحميص.

ستاربكس أم جورنال ؟

كان السؤال الصعب هو: هل يُبـقي على اسم ال جيورنالي أم يستخدم ستاربكس؟ بحكم الواقع الفعلي، كان رواد مقاهي هوارد يجدون صعوبة في نطق اسم ال جيورنالي، وبعضهم اشتكى من صعوبة كتابة الاسم بشكل صحيح، ولذا كان القرار الأخير استخدام اسم ستاربكس سهل النطق والكتابة.

نجاح مستمر

بعدها توالت افتتاحات الفروع، حتى أنه بحلول عام 1990 (بعد مرور 3 سنوات على الشراء) كان عدد الفروع 55 فرعا، وفي عام 1992 طرح هوارد أسهم ستاربكس في البورصة مما منحه مالا وفيرا أحسن توظيفه في التوسع، ليصل عدد الفروع 7569 فرعا في 31 دولة في سبتمبر 2004 بينما بلغت أرباح عام 2003 قرابة 268 مليون دولار. في عام 2012 بلغ عدد الفروع 20366 فرعا. اليوم وفي عام 2014 تنتشر محلات ستاربكس في 64 دولة، منها 10 دول عربية، وليس لها فروع حاليا في إسرائيل. رغم هذا النجاح، حينما كان أي فرع لا يحقق أرباحا، كان مصيره الإغلاق وصرف العاملين فيه.

صورة محل ستاربكس في مول بن بطوطة في دبي

صورة محل ستاربكس في مول بن بطوطة في دبي

كيف فعلها؟

النقطة التي يجب إلقاء الضوء عليها هي أن هوارد كان ماهرا حاذقا في مجال العقارات، وكان يعرف كيف يشتري ويؤجر المكان المناسب الذي يقدم تجربة ساحرة مريحة للزوار، كذلك كان هوارد خبيرا في مجال الفرانشيز وعرف كيف يضمن حماية الاسم التجاري ونوعية الخدمة ورضا العملاء وتقديم خدمة موحدة في كل فرع من فروع ستاربكس في كل الدنيا. كذلك كان هوارد حريصا بشدة على التوسع وفتح فروع جديدة والانتشار في كل مكان ممكن، ولولا كل هذا ما كنت لترى هذا النجاح الطاغي لسلسلة محلات ستاربكس اليوم.

إقرأ أيضا: قصة راي كروك صانع نجاح سلسلة محلات ماكدونالدز

إقرأ أيضا: ملخص كتاب لقطات من تجربة ستاربكس

على الجانب:

  • في عام 1981 كان كوب القهوة يكلف أقل من دولار في الولايات المتحدة. اليوم يبلغ كوب مماثل في ستاربكس قرابة 5 دولار.
  • السفر والتفاعل مع البيئات الجديدة المختلفة أمر غاية في الأهمية والحيوية ويفتح عينيك على الجديد والغريب والمفيد.
  • رفض فكرتك / أفكارك لا يعني أنها فاشلة، بل يعني أن عليك بذل المزيد من الجهد لكي تجعلها تنجح.
  • بداية الحياة العملية لهوارد كانت في شركة زيروكس حيث عمل في مجال المبيعات والتسويق، وهو مجال غاية في الأهمية لمن يريد تأسيس شركته ذات يوم. الملاحظ أن هوارد كان سريع الترقي لمناصب أعلى ويبدو لي أن ذلك سببه مهارته ونظرته الثاقبة.
  • نعم، هوارد ينحدر من عائلة يهودية، لكن هذا لم يمنعه من الاهتمام الزائد بالعاملين معه، ورعايتهم أكثر مما تفعل باقي الشركات، وكذلك لم يمنعه من تقديم معاملة عادلة لزارعي حبوب القهوة، لحمايتهم من الاستغلال والظلم، الأمر الذي جلب له النجاح وحب العملاء. على الجهة الأخرى، في 2003 وبسبب المنافسة الشديدة هناك، أغلقت ستاربكس كل فروعها الستة في إسرائيل.
8 ردود
  1. أحمد سعد
    أحمد سعد says:

    قرأت مقالك بتمعن شديد و هو مقال رائع و مجهود تشكر عليه بدون أدنى شك .. ولي سؤال ..

    هل ترى أن الفرصة سانحة لأي من رواد الأعمال العرب بالبدء بعمل مثل هذا المشروع ، على أن تكون البداية من أي دولة عربية ؟

    مع العلم بأنني سبق أن تقابلت مع عدد منهم يحاولون التسويق لأفكار مشابهه ، و لكنني أرى أن تقدمهم بطىء للغاية ، في حين أنني أجد الشركات … “المساهمة”… مثل ( تيم هورتنز الكندية ) و هي تحتل مكانة أفضل من ستار بكس في السوق الكندية .. بأن دخولها في المنطقة العربية يشبه الغزو بالنسبة لحجم حملتها الدعائية و إختيار الأماكن و سرعة الإنتشار و التي يصعب علي مبتدىء مهما كان أن يحذوا حذوها مهما كانت قدرته و رؤيته .

    و هل تنصح من لديهم مثل هذه الأفكار بالسفر للبدء من بعيد في دول مثل أمريكا و كندا ؟

    رد
    • محمد الماجد
      محمد الماجد says:

      السلام عليكم.
      نعم اخ احمد انا ارى انة توجد فرصة قوية لسلسلة مقاهي للرواد العرب. ارى في السعودية مثلا كافيشوب الليوان يحقق نجاحات متتالة لانة يتميز بالمشروبات الغربية و العربية فهو الوحيد الذي يقدم القهوة العربية او الخليجية. ويلاحظ ايضا انة يهتم كثيرا بمواقع المختارة وهاذة سمة مشتركة بين جميع السلسلات الناجحة مثل ستاربكس و سكند كب.

      اتمنى لك التوفيق

      رد
      • أحمد سعد
        أحمد سعد says:

        جميل أن أسمع منك هذا الكلام أخ / محمد ، الفائدة العظمى من تواصلنا عبر صفحات المدونة هي الحصول على المعلومة ثم التباحث حولها وجمع الأفكار و التأكد من جدواها ثم اخضاعها للتنفيذ .

        شكرا جزيلا لك على إمدادنا بهذه المعلومة الهامة ..

        و المجد للمجتهدين !

        رد
  2. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    تعليق متواضع على مقاله مهمة
    وهو ان في السفر فوائد
    نعم واقول فوائد كثيره جدا جدا
    ياتيك الهام وافكار وتغير المزاج
    لذلك انصح اي شخص وقف عنده التطوير ان يمنح نفسه فرصه لتجديد العزيمه بالسفر ولقاء الناس والبشر
    والله الموفق
    ودمتم سالمين

    رد
  3. محمد أبو الفتوح
    محمد أبو الفتوح says:

    كعادتك أخى شبايك ..
    تقدم لنا وجبات دسمة و لذيذة من قصص النجاح و الكفاح ..
    و نماذج لشخصيات ملهمة من العرب و العجم ..
    أفادك الله دائما كما تفيدنا و سدد خطاك و فكرك.

    رد
  4. حمودي
    حمودي says:

    “وبسبب المنافسة الشديدة هناك، أغلقت ستاربكس كل فروعها الستة في إسرائيل.” هذه الجملة صحيحة 100% فستاربكس لا تستطيع مواجهة شبكة اروما في اسرائيل التي تحقق نجاحا منقطع النظير .

    رد
  5. محمد طه
    محمد طه says:

    طبعا مش محتاج اقول سلمت يداك يا طيب و لكن و انا اقرأ عنوان الموضوع تقافز الى ذهنى موضوع قديم كنت قرأته من قبل

    و لم البث الا وقعت من الضحك عندما وصلت الى الجزء الخاص باغلاق فروع ستاربكس فى اسرائيل.

    لو بحثت عن معنى شعار ستاربكس ستجد موضوع واحد و منقول فى كل المواقع مفاده ان من بالشعار هى ملكه يهوديه و شويه كلام عنها و يختتم المقال بأن ستاربكس يدعم اسرائيل و المشروب الرسمى للجيش الاسرائيلى
    و كلام كله خزعبلات من اوهام مريضه

    لم يفكر احد فى قصه نجاحهم او ليه بقوا كده و انما كل التفكير انهم يهود و الفوا قصه طويله و ربطوها بنصوص فى الكتاب المقدس و حاجات غريبه

    يا ترى مين له مصلحه انه يعمل كده

    محدش فكر انه يشوف على النت و على موقعهم معنى شعارهم ايه

    http://www.starbucks.com/blog/so-who-is-the-siren

    http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=3f6c7e3fbcf58b95

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *