جـ2 ملخص كتاب التسويق: Positioning

,

هذه التدوينة لها جزء سابق هذا رابطه.

وأما الفصل الثالث من كتاب Positioning فيتكلم عن الدخول إلى عقول الناس، من خلال نظام بحث دقيق للعثور على نافذة في العقل يمكن الدخول منها، وأما أسهل طريقة للدخول فهي أن نكون أول من يدخل من هذه النافذة. يذكر الناس أول رجل سار على القمر وأول رجل عبر المحيط بطائرته، وأعلى قمة جبل في الأرض وأعلى مبنى، لكن من يذكر الثاني في أي ترتيب؟

في عالم الحيوان وخصوصا البط، وجد العلماء أن فرخ البط حين يخرج من البيضة، فإنه يتذكر وجه أمه بكل قوة، ويتعرف عليها من وسط مئات البطات في السرب. حين تدخل الانسان في هذه الدورة، واستعاض عن الأم بأخرى بديلة، سواء كانت كلبة أو قطة أو انسان، وجدوا أن فرخ البط يتعرف على هذه الأم البديلة ولو في وسط الآلاف. الشاهد هو أننا نتذكر أول شيء على إطلاقه، ولذا فأسهل شيء نفعله كي يتذكرنا غيرنا، هو أن نكون فعلا (وليس كذبا على الغير أو على النفس) من الأوائل في مجال ما.

في السياق نفسه، لكي يتعرف رجل على امرأة ويقعا في الحب، يجب أن يتلاقا في ظروف مناسبة، ويكون كل منهما مؤهلا نفسيا لتقبل الآخر. في الزواج الناجح، يكون كل طرف هو الأول في حياة الآخر، يحافظ على هذه المرتبة ولا يسمح بظرف يجعل الآخر يزيحه من هذه المرتبة. بالطريقة ذاتها تدخل عقول العملاء، تكون الأول وتوفر الظروف المناسبة لكي تتعرفا على بعضكما بطريقة مناسبة، ولكي تبقى داخل عقله وفي المرتبة الأولى. (ما الحب إلا للحبيب الأول).

وأما أصعب طريقة لدخول العقول، فهي أن تكون الثاني! الثاني هو أول خاسر. إذا لم تكن الأول في عقول الناس فسيكون لديك مشكلة تموقع وستجد التسويق والإعلان عملية غير مجزية وطريقة من طرق تبديد المال. داخل العقول، تكون الغلبة للأول وليس للأفضل. هذه الكلمات القليلة والسطور المعدودة لا يقبلها الكثيرون في عالم التسويق والإعلان، ولذا تجدهم ينفقون أموالا طائلة في حرث البحر وعلى الحملات التسويقية غير الموفقة.

على الجهة الأخرى، تجد منتجات كثيرا تتقاتل على أنها الأولى في كذا و كذا، وأنها الأفضل والأجدر بالشراء، لكن دون أن تستحق هذا اللقب وهذه المرتبة، وسرعان ما يكتشف المشتري والعميل ذلك، فيطرد اسم هذه الشركة خارج عقله ورأسه تماما، وعندها لا تجدي أموال الأرض ولو جمعتها في الحصول على المرتبة الأولى في عقول الناس.

على أن الأول في العقول ليس بالضرورة الأول في الحقيقة، فرغم شهرة شركة IBM التي جابت الآفاق، لكنها ليست أول من اخترع الكمبيوتر، بل شركة أمريكية اسمها سبري-راند Sperry-Rand فهل هذا يعني عدم صحة هذه النظرية؟ على العكس، يجب على الأول أن يرغب ويعمل على دخول عقول الناس أولا، لكنه إن لم يهتم بهذا الأمر، فلا يلومن غيره إن فعل. لم تنفق الشركة الأولى لإعلام الناس بأنها الأولى في مجال جديد، فجاءت IBM واستغلت الفرصة وأعلنت عن نفسها، فمنحها الناس لقب الأولى في عقولهم!

خذ مثالا آخر، يعرف العالم كله أن الايطالي كريستوفر كولومبس هو من اكتشف قارة أمريكا، لكن لما سموها أمريكا لا كولومبس؟ السبب اسمه امريجو فيسبوتشي Amerigo Vespucci. رغم أننا قد نمتدح روح المغامرة عند كولومبس، لكنه فعل فعلته بغرض العثور على الذهب الوفير، ولما وجده سكت ولم يتحدث عن إكتشافه للأرض الجديدة. بعدها بخمس سنوات، على عكسه وأثره جاء امريجو والذي فعل شيئين على الوجه الصحيح، الأول إنه فصل القارة الجديدة عن تلك المعروفة باسم قارة آسيا، وهنا أحدث ضجة بإعلانه عن شيء جديد تماما.

الشيء الثاني أنه وثق كل خطواته ومكتشفاته ونظرياته التوثيق الدقيق، والتي تمت ترجمتها فيما بعد إلى 40 لغة مختلفة على مر 25 سنة، الأمر الذي جعل أسبانيا تمنحه الجنسية وهدايا ثرية، ولهذا اعتبر الأوروبيون امريجو هو مكتشف القارة الجديدة، ولذا سموها على اسمه، أمريكا.

أما كريستوفر كولومبس فلقد استبد كحاكم ثم عزلوه ثم سجنوه ثم مات ودفن في هدوء في مدينة بلد الوليد في إسبانيا / الأندلس!

وهنا حيث يقول محدثكم للمرة الثانية، فاصل ثم نواصل.

17 ردود
  1. باسم
    باسم says:

    بشغف أتابع أفكار هذا الكتاب الرائع، قطعا تغير مفهوم الأول في زماننا المتسارع بأجزاء الثواني ولكم صارت نزاعات على براءات بحث واختراع لتواقتها، لكن ما لا يختلف أبدا تعريف الثاني على أنه من قلد الأول دون بذل ما يجب من الجهد لجعل ما صنعه ليس نسخة من الأول، التطوير هنا يلعب دورا كبيرا فكم كانت الأفكار الأولى تبدو تافهة حتى وقعت بين يدي من يربطها بغيرها ويخلق إبداعا هو الأول لا الثاني لأنه الأفضل قيمة..
    أشكرك أخي رؤوف كعادتك في حسن الكتابة وعادتي في الوقوف محترما لما تكتب

    رد
  2. محمد الدهيمي
    محمد الدهيمي says:

    من الرائع فعلا أن تكون الأول ..
    لكن كيف يمكن التوفيق بين ما ورد في هذا الفصل و بين قولنا ” القمة تسع الجميع ” و هذا ما ذكره ستيفين كوفي في كتابه العادات السبع ؟

    رد
  3. مروه الصالح
    مروه الصالح says:

    أن تكون الأول و تجلب شئ مبتكر لناس سيجلب لك ثروة طائلة و سترسخ في عقولهم ان صاحب هذا حملة اعلانية جيدة
    كما حدث مع IBM و مايكروسوفت و ابل
    و لكن هذا لا يعني ان تكون الثاني ستكون الخاسر فنحن نشهد نجاح مذهل للاندرويد و سامسونج
    و مع الزمن المشتري النهائي يهمه الجودة و السعر ، و لا يضع من ضمن المواصفات ان يشتري من أول شركة.

    رد
  4. wail
    wail says:

    الـ Positioning كمصطلح و فكرة أخذنا منا أثناء دراسة التسويق في الجامعة ثلاثة أسابيع و كان برأي الدكتور أنه من الأهم في عالم التسويق …. شكراً على التلخيص

    رد
  5. سمير الأديب
    سمير الأديب says:

    اتمنى ان تفكر في كتاب جديد تكتبه انت في مجال التسويق لانك فعلا فنان فيه

    رد
  6. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    تذكرت قول الشاعر
    وإنــي وإن كــنت الأخـير زمانـه
    ……………….. ……………..لآت بمــا لــم تســتطعه الأوائـل

    وأغدو ولو أن الصباح صوارم
    ……………….. ……………….و أسري ولو أن الظلام جحافل

    وأي جواد لم يحل لجامه
    ……………….. ……………….. ونضو زمان أغفلته الصياقل

    وإن كان في لبس الفتى شرف له
    ……………….. ……………….ف ما السيف إلا غمده والحمائل
    …………………………………………………………………………
    من هنا فليش شرطا ان تكون الاول بل الشرط كما تفضل الاخ رءوف بتلخيص الكتاب دخول العقول كانه الاول
    ومن ثم التربع على عرش الاول
    ودمتم سالمين من الاوائل ان شاء الله

    رد
  7. مولاي عبد الله
    مولاي عبد الله says:

    مرحبا أستاذ رؤوف.أعتذر مرة أخرى عن الإنقطاع.لقد قرأت جميع المقالات وها أنا ذا أعود للتعليق.

    مثال شركة زيروكس مع الفأرة والذي ذكرته في الجزء الرابع من التلخيص ينطبق على هذه الحالة أيضا فآبل أقتعت الناس بأنها أول من صنع الفأرة.

    وبشأن ما قلته أستاذ عن دخول العلامة التجالاية أو المنتج عقول الناس فأظن الكاتبين أورداه في كتابهما الأول 22 قانونا في التسويق تحت مسمى قانون الريادة (1).وقانون الذهن (3).وهما مهمان بالفعل.

    ولكن عقلي الباطني يريد تكذيب هذين القانونين 🙁 فأنا أريد أن أقدم خدمة/موقعا. ليس الأول في مجاله غير أني أطمح أن يكون الأفضل.وسأعتمد في ذلك على أن الموقع المنافس الأول ليس بتلك الروعة وأيضا هو موجه لفئة كبيرة غير أنه لم يستطع الوصول إليها.يعني لدي فرصة لأكون الأول في عقول العملاء.وأرجو أن يوفقني الله لذلك.
    قليل من الوقت فقط،ونبدأ بتطبيق دروس التسويق عمليا 🙂
    شكرا أستاذ رؤوف

    رد
  8. ربيعة الجزائر
    ربيعة الجزائر says:

    شكرا على المعلومات, كنت محتاجتها بدرجة كبيرة, بس انا مش فاهمة النظرية بالذات, يعني انا اريد تخيص النظرية في جملة كاملة و مفيدة, و يعني مثل ما قال الاخ مولاي عبد الله اذا كان المنتج اللي راح اقدمه افضل اكيد مع الوقت راح يصير الاول في ذهن العميل, يعني,و عندي ايضا تساؤل ما هي علاقة نظرية الموقع بالصورة الذهنية للمنتج؟؟؟؟ هما وجهان لعملة واحدة ولا كيف؟؟؟ أرجوك تجيبني في اقرب وقت محتاجة للجواب قبل 15″10″2012

    رد
  9. ربيعة الجزائر
    ربيعة الجزائر says:

    ممكن يعني يا استاذ لو تفيدنا يعني و تتكلم لنا على منحنى الخبرة, منحنى التعلم لاني مش مستوباته منيح, يعني لو كان تتحدث النا عليه بالمختصر المفيد مع امثلة على مؤسسات استخدمته و فيدت منه راح نكون ممنونين

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *