من ضمن أمهات كتب التسويق، تلك التي ألفها العبقريان الرائدان آل رايز و جاك تراوت، ومن يتابع المدونة منذ فترة سيذكر أني لخصت لهما كتابين: 22 قانونا في التسويق و 22 قانونا لإشهار العلامة التجارية وهما من روائع كتب التسويق، بالرغم من قدم عمرها وبعد تاريخ إصدارهما. عبقرية هذه الكتب هي أنها تحذر من أخطاء لا زال مدراء التسويق لليوم يقعون فيها. في البداية، ولإنعاش ذاكرة من نسى، ولكي يشاركنا من يتابع المدونة منذ زمن قصير، أنصح بأن تتوقف الآن وتقرأ هذين المخلصين.
لعله من الصعب ترجمة عنوان الكتاب، فكلمة Positioning مقصود بها حجز مكان داخل عقل العميل / المستهلك / المشترك، هذا المكان سيكون مخصصا لاسم منتجك / منتجاتك بحيث لا يشاركك فيه أحد. هذا المصطلح بدأ المؤلفان استخدامه في مقالات نشراها في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وانتشر استخدامه منذ هذا الوقت. الفصل الأول يبدأ فيؤكد على الإعلان للجميع سياسة فاشلة وخاسرة، ففي عالم الإعلانات والتواصل مع العملاء، الزيادة تقلل الأثر أو More is Less. يؤكد المؤلفان على أن الإعلان ليس مطرقة تدق بها على رؤوس الجميع، بل يجب أن يكون مثل ضوء الليزر الدقيق والموجه للعميل الذي تبحث عنه.
ثم يسرد المؤلفان بعض المصطلحات القديمة، مثل كيف أن متوسط نصيب المواطن الأمريكي الواحد من إعلانات أمريكا في سنة نشر الكتاب كان 376.62 دولار. في هذا العام، كانت أمريكا تستهلك 57% من سوق الإعلانات العالمي، في حين شكل سكانها 6% من إجمالي سكان الأرض. كذلك في هذا العام أنفقت شركة جنرال موتورز الأمريكية لصناعة السيارات أكثر من 178 مليون دولار للدعاية لخط انتاج سيارات شيفروليه. هذا يعني إنفاق 487 ألف دولار يوميا، أو 20 ألف دولار كل ساعة! لو أنفقت مليون دولار على حملة إعلانية داخل أمريكا، سيكون نصيب الأمريكي الواحد أقل من نصف سنت.
في هذه الغابة من الإعلانات، فرصتك في النجاح هي أن تصوب بدقة وتستهدف فئة بعينها من العملاء المحتملين. في ظل تعرض كل انسان لطوفان من الإعلانات بشكل يومي، تحول العقل البشري ليعمل بسرعة على فصل وعزل الإعلانات واختيار ما قد يكون مناسبا له بشكل سريع وآلي وتلقائي – هذه الآلية تعتمد على رفض أغلب ما تراه العين من إعلانات. الشخص العادي سيجلس ساكنا حين تخبره عن شيء / أشياء لا يعرفها. هذا الشخص نفسه سيقاوم بشدة إذا أخبرته أن ما يعرفه بالفعل خطأ أو غير الصواب.
من لديه الوقت؟
- العدد الأسبوعي من جريدة نيويورك تايمز يحتوي عادة على نصف مليون كلمة. لقراءة كل هذه الكلمات، يحتاج الشخص العادي إلى 28 ساعة متواصلة كي ينهي هذا العدد من الجريدة.
- علبة حبوب القمح المقرمش لطعام الفطور تحتوي على جنباتها في المتوسط 1268 كلمة.
- السوبر ماركت العادي يعرض قرابة 12 ألف منتج. الهايبر ماركت العادي يعرض 60 ألف منتج.
بالمشاهدة، وجد الأطباء أن عقل الانسان يستوعب عددا ما من المشاعر والأحاسيس في المرة الواحدة، بعدها يرفض المخ التفاعل مع الأحاسيس الجديدة الواردة، وينغلق على نفسه. هذه الملاحظة دفعت أطباء الأسنان لوضع سماعات رأس على آذان مرضاهم ثم رفع صوت الموسيقى بشكل حاد، مما يجعل عقل المريض عاجزا عن التفاعل مع ألم علاج الأسنان.
أقول لكم ذلك وأذكركم بأن خير الأمور الوسط، فعلى الجهة الأخرى، يقول القائل:
Without promotion, something terrible happens— nothing! P. T. BARNUM
بدون تسويق ودعاية، يحدث شيء فظيع:- لا شيء! ف. ت. بارنيوم
وهنا حيث يقول محدثكم، فاصل ثم نواصل.