الرياح المعاكسة أفضل لك

,

تقوم رياضة ركوب الرياح Windsurfing على مبدأ سهل وبسيط: تطويع الريح لتدفع شراع لوحك / قاربك في الاتجاه الذي تريده. كانت الحياة لتمضي جميلة وسهلة، لولا أن الريح تغير اتجاهها وقوتها بشكل عشوائي متسارع لا يمكن التنبؤ به، ما يجعلها رياضة صعبة، تختبر قدرات ممارسها على التكيف السريع مع التغيرات العشوائية في الريح. إنها بمثابة التحدي لكل قدرات البشر، من تفكير وتدبير وقوة وتصرف. بسبب هذه الصعوبة، يحبها ممارسوها.

الشيء ذاته يحدث مع خدمة العملاء، فلا أسهل من ضبط النفس وسرد معسول الكلام والحديث بدبلوماسية، لولا أن العملاء شديدي الاختلاف والتباين، لكل منهم مشكلة مختلفة، تماما مثل الريح العشوائي، ولهذا تجد لكل شركة مشاكل مختلفة تواجه عملائها، ولهذا تدفع هذه الشركات رواتب مجزية لمن يقدر على معالجة كل هذه المشاكل والإبحار بقارب الشركة وسط هذه الريح العشوائية بأقل الضرر.

كذلك الأمر مع الأمور المحاسبية، فلو التزم الجميع بالقواعد المحاسبية، وقدم تقاريره في الوقت المحدد، لكانت أقسام المحاسبة أقل عددا بكثير مما هي عليه الآن. كذلك في المبيعات، فلو كان المشترون يتبعون نمطا ثابتا ومتوقعا عند اتخاذ قرار الشراء، لكانت المبيعات أسهل، وكذلك في التسويق، فلو أن طريقة تفكير المشترين والعملاء كانت واحدة ويمكن تطويعها لخدمة المسوق، لكانت الدنيا أسهل وأفضل… لكن هل هذا التوقع صحيح؟

إجابة هذا السؤال معروفة (بالنفي)، فالبشر يصيبهم الملل بسرعة، والإنسان ابن أغيار، يغير رأيه وقلبه وعقله في طرفة عين وضربة قلب ولمح البصر. لولا هذا التغير العشوائي في سلوكيات البشر، لما كان هناك حاجة إلى رجال المبيعات والتسويق والحسابات والتحصيل والإعلانات وكل هؤلاء.

لولا أن الريح عشوائية لا يمكن معرفة خطوتها التالية، لشعر ممارسوها بالملل والضجر ولهجروها، وبسبب هذه العشوائية أحبوها، لأنها تساعدهم على إخراج أفضل ما بداخلهم. في المرة المقبلة التي تواجه فيها مشكلة عويصة، عليك أن تشعر بالسرور والسعادة، فهذه المشكلة هي التي ستخرج أفضل ما فيك، وتقلل مستويات الملل داخلك، وتجعل لما تقدمه سعر أعلى وسبب وجيه لطلب خدماتك. المشاكل ليست داعيا لليأس والاستسلام والقنوط، إنها وسيلة الحياة لمساعدتك على الإبداع والنبوغ. لم يقل أحد أن أساليب الحياة سهلة أو مريحة!

حين تريد الطائرة أن تقلع وتطير، فإنها تواجه الريح وجها لوجه، لأن الطائرة بذلك تستطيع أن تستخدم الجنيحات لترتفع أو تنخفض، في حين أن الريح لو هبت من خلف الطائرة، لدفعتها إلى أسفل وأجبرتها على البقاء على الأرض. حين تسافر بالطائرة، وتجد قائد الطائرة يخبرك بأن الريح مواتية، تهب من خلف الطائرة، ولهذا يتوقع أن تبلغ الطائرة وجهتها قبل موعدها، ستلاحظ في صوته نبرة الراحة والتراخي، في حين أن القائد الذي يذيع على الراكبين أن الطائرة تواجه ريحا معاكسة، تجد صوته منتبها للغاية متيقظا، منتبها لأقصى قدرات حواسه.

نحن بحاجة لقائد منتبه متيقظ، لا المتكاسل غير المكترث بما هو مقبل عليه. الرياح المعاكسة المقاومة هي الأفضل، إنها تدفعك لأن تخرج أفضل ما بداخلك، هذا الأفضل هو ما يجعل لك سعرا أعلى من غيرك. لا أحد يريد المتراخي المتكاسل… دع مقاومة الرياح تصل بك إلى بر أفضل، لا تمتعض حين تعاكسك الرياح، ابتسم لها وقل لها فهمت مقصدك، وأشكرها…

على الجانب:
نعم، حين تشتد الريح بشدة تمكث الطائرات على الأرض حتى لا تقتلعها الريح، لكن هذه يسمونها الريح العاصف، وهي ليست الريح التي قصدتها.
تدوينة مستوحاة من صفحة في كتاب The Dip للشهير سيث جودين.
هذه المقالة الانجليزية تعدد منافع الريح المعاكسة – الرابط.

15 ردود
  1. محمد رشاد
    محمد رشاد says:

    السلام عليكم
    مبدع كالعادة, و موضوع هام كالعادة أيضا
    أجمل ما في مواضيعك هو أنها تلخص ما قد نشعر به و لا نستطيع التعبير عنه
    دمت بخير

    رد
  2. ياسر اسماعيل
    ياسر اسماعيل says:

    الرياح المعاكسه دائما ما ترفع … ترفع من قدراتك وتنميها … ترفع من قوة إصرارك و تحديك لها … ترفع من مستواك الذهنى حيث تستفذ تفكيرك ليجد حلولا وبدائل وحل لمعادلات كثيره كى تعلو على وتقاوم تلك الرياح وتستفيد منها.

    رد
    • persistentever
      persistentever says:

      هذه المقولة غير مكتملة المعنى فربما الكتابة والتفكير اسهل من العمل والجهد
      احيانا نجد ان شى ما سهل لكنه اصعب ما فى الوجود اننا نمشى عكس القطيع لانه حتما سيدهسوك بارجلهم
      لكى تمشى عكس الرياح يجب عليك ان تقوى من امكانيات ولا تمشى بمجرد انك فكرت فى المشى

      رد
  3. عبد الرحمن الشريف
    عبد الرحمن الشريف says:

    هذه الرياح قد تبدو من الخارج مدمرة لهذا نرتجف ونبحث عن مهرب ولكن اذا أقبلنا عليها بصدورنا سنجدها ريحا خفيفة وربما كانت نسمات ترتدى ملابس اعصار!

    رد
  4. إسماعيل
    إسماعيل says:

    هذه الفكرة جاءت في بالي منذ فترة

    كنت أتساءل عن أولئك الذين يركبون قوارب الهجرة السرية
    هل هم في اتجاه الرياح أم عكسها؟
    إذا قلنا أنهم في اتجاهها فالأمر يستدعي النظر إلى أنهم يتحدون كل شيء حتى الموت
    لكن إذا قلنا أنهم يسيرون عكسها، أرى أنهم استسلموا إلى الموت نوعا ما للفرار من الواقع المعاش والعمل بكل ما يمكنه من قوة من أجل النجاح…

    بالنسبة لي أفكر في كثير من الأحيان بأنني متكاسل غير مكترث
    لا أعرف لماذا تأتينا هذه الأفكار وتغنينا عن القيام بأعمالنا..

    رد
  5. yusuf
    yusuf says:

    في الواقع هذه الرياضة مازالت ناذرة في دول العالم العربي في اعتقادي هذه الرياضة ليست للفقراء وليست للاغنياء اصحاب البطون المتدلية ولاتصلح لضعافي النفوس

    رد
  6. عبده الحارثي
    عبده الحارثي says:

    ما اعتقد ان لهذة الرياضة وجود فى مجتمعنا العربي .. ولكن اشعر انه تصيب بالتوتر ولاني لما اجربها لا اعرف ما هو وجه المتعة في ممارستها

    اذا اخترت التصدي للرياح لن تتحمل كثيرا وستنتهي بالسقوط ولكن اذا اتقبلتها فى الاتجاه الصحيح واستخدمتها كدافع لك الى الامام فهذا هو التصرف الصحيح

    اري ان المدونة اصبح مظهرها افضل من السابق ما شاء الله

    رد
  7. د نياز
    د نياز says:

    هنالك تغيير في ستايل المدونه
    ام ان عيني خدعتني
    قد اكون ممن يناصر القديم
    لكني اميل ايضا للتغيير والتجديد
    حتى لا اكون ممن تعصف بهم الريح
    بل اود ان اكون ممن تحملهم برفق وعنايه
    شكرا للمقال الباعث للامل في النفوس عن اشتداد ريح التغيير المعاكسه

    رد
  8. mohab
    mohab says:

    أود أن أبارك الثيم الجديد للمدونة الذي تغلب عليه البساطة والألوان الفاتحة كالعادة ، أتمنى من الله أن يأجرك ويبارك لك….

    رد
  9. محمد فوزي
    محمد فوزي says:

    ما شاء الله مبروك اخ شبايك على المدونة الجديدة الان اصبح افضل كثيرا والشكل هادئ يساعد على التركيز
    اختيارك موفق بارك الله لك فيها

    ولي راي اعتقد كان من الافضل وضع الصورة الكرتونية فى الاعلي فانها مميزة جدا 🙂

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *