ملخص كتاب مباشرة من دل – ج5

عندما تتحول نقطة القوة إلى نقطة ضعف
تمتعت شركة دل بمعدلات ثابتة في نمو وزيادة حجم الأعمال من عام لآخر، حتى أصبحت نقطة القوة هذه أضعف عنصر في الشركة، فالمبدأ الذي قامت عليه يقول وفر للعملاء الحواسيب التي يريدونها، وبجودة عالية، وبسعر منافس، وبأسرع وقت ممكن، أو: لا تبذل وعودا كبيرة، وقدم أكثر مما يتوقعه العميل والموظف والمورد. رغم كل ذلك، ورغم أن دل بنت أرباحها على فكرة انعدام المخزون، لكنها في عام 1989 عانت من مشكلة كبيرة بسبب تراكم المخزون لديها.

مع زيادة المبيعات، كان هناك رغبة جامحة لدى جميع العاملين في مقابلة هذه الزيادة المضطردة، عبر شراء الكثير من المكونات والقطع، ما أدى لتراكم الشرائح الإلكترونية لذاكرة الحاسوب، وهذه تحديدا بدأت تشهد موجات هبوط مفاجئة في أسعارها، بل إن الانتقال من إنتاج شرائح ذاكرة ذات سعة 256 كيلو بايت إلى سعة واحد ميجا بايت حدث ما بين عشية وضحاها، وكان كل هذا يعني أن على الشركة تحمل تكلفة هذا الانخفاض في الأسعار، رغم أن دل بنت شهرتها على أساس ألا تملك أي مخزون زائد عن حاجتها.

تطلب التخلص من هذا المخزون بيعه بسعره الجديد المنخفض، الأمر الذي اضطر الشركة لزيادة أسعار حواسيبها لتغطية هذه الخسائر، ما أدى لتراجع معدلات النمو والزيادة، وإلغاء بعض خطط دخول أسواق بلاد جديدة. هذه الكبوة تعلمت منها الشركة كثيرا، إذ عكفت على تحسين وتطوير نظام إدارة المخزون، وبناء علاقات أقوى وأمتن مع الموردين تسمح بالحصول على شروط توريد أفضل وآمن. توصلت الشركة إلى نظام سريع لإدارة المخزون، وإلى نظام جديد للتوقعات، نظام يحاول أن يعكس نبض السوق (سوق المكونات ورغبات المستهلكين) وتوجهات الأسعار.

الدرس الأوليمبي
لأن المصائب لا تأتي فرادي، في ذات الوقت هذا كانت الشركة تعد لإطلاق حواسيب جديدة متقدمة تقنيا أسمتها السلسلة الأوليمبية Olympic، شملت الحواسيب المكتبية والشخصية والخوادم، وكانت الشركة منتشية بنجاحها وتسارع مبيعاتها، وظنت أن هذه السلسلة هي المنتج الأنجح الذي سيصنع مجدها. ما حدث هو أن العملاء حين رأوا هذه السلسلة، تراجعوا للخلف، قالوا إنها تبدو رائعة، لكني لا أريدها ولن أشتريها. رفضت الشركة في البداية أن تعترف بأن هذه السلسلة فاشلة، ودفعت ببعض النماذج التجريبية في معرض كومدكس، لكن مرة أخرى وقف العملاء وأثنوا على التقنية المتقدمة المتوفرة في تلك الحواسيب، لكنهم لم يبدوا استعدادا للشراء، فهم ليسوا بحاجة لكل هذه التقنية المتقدمة.

هنا أذعنت شركة دل، وتعلمت ألا تقدم حواسيب متقدمة تقنيا فقط من أجل إثبات قدرتها على ذلك، بل يجب تقديم التقنية التي يريدها العملاء. إن نشاط الشركة هو تقديم منتجات يريدها العملاء، لا إقناع العملاء بشراء منتجات قد يحتاجونها، وهذا درس عظيم الأثر تعلمته شركة دل. نعم، هناك شركات أخرى خاطرت بكل شيء في مقابل ثقتها أن منتجها المتطور سيلقى قبول الناس ومن ثم يقبلون على شرائه وتتحقق الأرباح، لكن الفيصل هو ما المدى الذي أنت مستعد للذهاب إليه، وما مقدار ما تريد المخاطرة به، وكم من الوقت تستطيع أن تستمر في هذه المخاطرة؟ هنا اختارت دل طريق السلامة وتوفير منتجات متطورة بمقدار قليل عن ما يريده العملاء، حتى إذا حدث وتغيرت هذه الرغبة لدى العملاء، لم تخسر دل كثيرا.

هذا الدرس الأوليمبي جعل دل تقرر بدقة عالية ما الذي تقوم بتطويره بذاتها وداخلها، وما الذي تترك تطويره للموردين والمصنعين. بعد إلغاء المشروع الأوليمبي، كان لدى الشركة جيش صغير من المهندسين المعينين لهذا المشروع الملغي، وعوضا عن صرفهم من العمل، احتوتهم دل وطلبت منهم الجلوس مع رجال المبيعات لفهم ما يطلبه المستخدمون بغرض تقديم منتجات جديدة تلقى القبول لدى المشترين والمستخدمين. هذا القرار الصائب ساعد دل على تصنيع منتجات في الأعوام التالية لاقت رواجا وقبولا وحققت أرباحا وفيرة.

في كل نشاط تجاري، سترتكب أخطاء جسيمة، ما يهم هو ألا تتمادى في هذه الأخطاء، وألا تتمادى في طريقة علاجها، وكن من الحكمة بحيث لا تصرف موظفا أخطأ عندك، لتستبدله بموظف جديد يرتكب الخطأ ذاته، بينما من صرفته ذهب لمنافسك الذي وفرت عليه تحمل تكلفة هذا الخطأ. ثم يكمل مايكل دل ليحذرنا من أمرين، أولهما: الشركات التي تقنع بالعمل داخل سوق واحد، فهذه مصيرها الفناء والانقراض، مثل أوليفتي في ايطاليا، و تيوليب في هولندا، وسيمنز في ألمانيا، فكل هذه الشركات كانت تنتج الحواسيب، لكنها كانت قانعة بالعمل في سوقها المحلي فقط، ومع الانفتاح العالمي وتحول العالم إلى قرية صغيرة، لم تتمكن هذه الشركات من الحفاظ على قوقعتها، واضطرت للخروج من مضمار السباق.

التحذير الثاني هو عدم الاستماع إلى ما يقوله الآخرون ويتعارض مع مبادئ الشركة، فعلى الرغم من أن دل قامت على أساس البيع مباشرة، لكنها في هذه الفترة كانت متوجهة لخرق هذا الأساس، فقد كان الكل ينصح الشركة بضرورة البيع عبر قنوات التوزيع غير المباشرة، وكانت قناعة العاملين في السوق أن شركة دل لن تستطيع الاستمرار طويلا ما لم تتحول إلى البيع عبر وسطاء، في المحلات والفروع المتعددة لشركات التجزئة، وهو ما رضخت له الشركة في النهاية وبدأت توفر حواسيبها عبر قنوات التوزيع التقليدية من محلات ومتاجر، وكانت حواسيب دل تتحرك وتبيع خلالها، لكن لم يعرف أحد ما إذا كانت هذه الطريقة غير المباشرة تحقق الربح أم لا، وهو أمر استغرق عدة سنوات واحتاج جهودا حثيثة في القياس لتوضيح أن نموذج البيع المباشر له مزايا كثيرة جدا تجعله الأفضل وبفارق كبير.

بعدما قررت دل الانتقال بكل حواسيبها إلى متن معالج إنتل 486 وفي الوقت الذي شهد نضوج نظام التشغيل ويندوز وتحول قطاع كبير من الناس لاستعماله، الأمر الذي زاد من مبيعات شركة دل بشكل غير متوقع، قفز بحجم أعمالها إلى 2 مليار دولار في عام 1992، كل هذا فاقم من مشكلة لم تكن واضحة، إذ أنه ومع معدل النمو السريع جدا، كانت الشركة تعمل على أصول تقدر بنصف مليار دولار، تحقق منها مبيعات بمقدار 2 مليار دولار، أو ما يمكن ترجمته بصورة بسيطة إلى أن كل جزء من الشركة كان يعمل بشكل يفوق طاقته وقدرته، وهي مشكلة كانت تتفاقم وتنذر بقرب حدوث كارثة، لقد كانت شركة دل على وشك الانهيار بسبب تزايد أعمالها ومبيعاتها بشكل سريع جدا، وهنا أدرك مايكل أن عليه الحصول على مساعدة بشكل أو بآخر، وهو ما سنعرفه في الفصل المقبل…

قبل أن أقول فاصل ونواصل، لاحظت في تعليقات على أجزاء سابقة من الملخص قدرا من الشك في الأرقام التي يوردها مايكل دل في كتابه، وطبعا لست أنا من يمنع القارئ من التفكير، لكني أحببت توضيح أن مايكل دل مدير شركة أمريكية أسهمها مطروحة في البورصة، وقوائمها المالية منشورة ومعروفة، وبالتالي لو أورد رقما وحيدا مبالغا فيه أو غير صحيح لوجد اتهامات كثيرة، ولما احتاج الأمر مرور عقد من الزمان حتى نكشف عدم صحة هذه الأرقام. لعلك كذلك لاحظت طول هذا الجزء، وهو أمر قد يضطرني للغياب فترة أطول حتى انتهي من تلخيص الفصل التالي في مقالة واحدة، والآن يأتي دور … نواصل بعد فاصل!

12 ردود
  1. akkilah
    akkilah says:

    ليس اللمهم ما تقده المهم ما يراه العميل فيما تقدمه … و السعيد من اتعظ بغيره

    رد
  2. ابو الجوري
    ابو الجوري says:

    ه
    هذه المره استطعت ان اكون الاول

    اسجل حظور ثم اعود للتعليق

    مشكور استاذنا رؤف

    رد
  3. مرشد
    مرشد says:

    دروس مهمة فعلاً توفر على الجميع التجربة التي قد تكلف الكثير.

    اذكر اني منذ سنوات دخلت بمغامرة المضاربة بكروت الذاكرة.. ذهبت الى السوق لاشتري ذاكرة رام بسعة 64 ميغا و كان سعرها والله اعلم 95 درهم … فترددت في الشراء و رجعت بعد يوم او يومين و اخبرني البائع ان السعر ارتفع الى 110.. استغربت من الموضوع و سألت اكثر لأجد ان الرامات و المعالجات و الاقراص الصلبة لها سوق متذبذب بشكل كبير يرتفع و ينزل حسب احداث معينة مثل حدوث زلزال في تايوان اغلق المصانع فترة من الوقت فأصبح هناك قلة في المعروض ليرفع الاسعار!

    عجبتني السالفة و قلت بغامر و اشتريت كمية من الرامات (تركت مسألة ترقية جهازي!) على امل ان يرتفع سعرها او يحدث زلزال جديد! .. فعلاً ارتفع السعر الى 115 درهم .. ظننت ان يستمر السعر في الارتفاع و سأبيعه ربما على 140 او 160 و بدأت افكر بماذا سأستخدم الربح !

    بدأت الاسعار تهبط الى 95 .. ثم 80 .. ثم 70 و 60 .. كل كم يوم كنت ازور السوق و اسأل عن الاسعار على امل ان ترتفع من جديد بدون فائدة …

    مرت تقريباً سنة كاملة .. و السعر هبط الى 45 درهم تقريباً .. و بدأت فئة الDD Ram بالظهور و استخدام الناس لها و نسيان الSD Ram التي كنت املكها خصوصاً ان ال64 ميغا اصبحت رقماً مهدداً بالانقراض و الحمدلله انني كنت املك ضمان مدى الحياة على القطع التي اشتريتها و ليست كأغلب القطع التي يكون ضمانها سنة واحدة فقط.. هنا قررت التخلص من الكمية بأي سعر حتى لا اخسر كل شي .. و بعتها على محل استغل الحاجة و اعطاني اعذار عديدة انها لن تباع .. و اشتراها في الاخير ب35 درهم مع ان سعر السوق 45 درهم, و لكن من يشتري؟:)

    اعتبرت هذه التجربة دورة عملية في الحياة .. يمكن كانت عندي خبرة فنية و تقنية في الكمبيوتر .. و لكن سوق الكمبيوتر يحتاج الى خبرة اخرى و معرفة و دراية بخفايا الامور .. الواحد لابد انه يدرس المجال الي بيدخل فيه قبل ان يغامر لمجرد حماس فجائي .. على الشخص ان يسأل و يتعلم و يفهم و يدرك السوق بمداخله و مخارجه قبل الدخول فيه:) أكثر ما تعلمته من هذه التجربة انه قبل ان تدخل في مجال تبيع فيه شيء… لابد ان تعرف بالضبط من سيشتري منك؟ و كيف تتم عملية البيع بالضبط؟ في البداية لم افكر في الموضوع فالجميع يشتري الرامات و الكل يحتاجها .. لكن عند رغبتي في البيع ذهبت الى المحلات لأن الكمية لا تباع للافراد .. و المحلات ينظرون الي بنظرة الشك فلم اكن املك رخصة تجارية, وجدت صعوبة في تخليص الكمية حتى مع انخفاض سعرها! بعض الامور قد تبدو بديهية في البداية و لكن على ارض الواقع نصطدم بالحقيقة …

    كان علي ان اسأل و استفسر عن طريقة البيع و من سيشتري و كيف سيشتري و ماذا سيهمه عند الشراء (السعر فقط ام الضمان و الفاتورة الاصلية ..الخ)

    بالتوفيق

    رد
    • shabayek
      shabayek says:

      أما أنا فأراها علامات عقلية تجارية ناجحة، ولابد للخبرة من ثمن ندفعه مقابلا لها… وكلي ثقة من مجيء يوم تستفيد فيه من هذه التجربة بشكل يوفر عليك الآلاف من الدراهم 🙂 وأشكرك على إثراء المقالة بتحربتك معنا

      رد
  4. اكاديمية النجاح
    اكاديمية النجاح says:

    هل حاول القائمون في الشركة تدارك الامور قبل تفاقمها ؟؟ ام استسلمت الشركة للامر الواقع واعتبرت هذه المجازفة انها خسارة . يعني ما حاولوا البحث عن حلول ؟؟

    ارى من خلال هذا التلخيص ان مايكل دل , نابغة في عالم الاعمال ,

    هل وقف مكتوف اليدين؟؟

    ارجوا افادتي

    رد
    • shabayek
      shabayek says:

      حاولت أن تكون إجابة سؤالك هذا واضحة في سياق المقالة…. بالطبع قامت الشركة من كبوتها… المزيد من التفاصيل على الطريق 🙂

      رد
  5. محمد حجاز
    محمد حجاز says:

    فيه نقطتين انا متاكد تماما ان دول من اهم الاسباب لنجاح الشركه السبب الاول تدراك الخطأ سريعا والتعلم منه والسبب التانى والاهم انه بيحاول يحافظ على الموظف وبيديله انطباع انه بيعمل فى ملكه وله الحق فى الخطأ طالما انه يتعلم

    رد
  6. ابو الجوري
    ابو الجوري says:

    علما ان الذين يستوردون من شرق اسيا واخص الاستيراد من الصين يواجهون مصاعب كبيره في عملية الشحن وكذالك عند الجمارك خاصه الاشياء الالكترونيه

    فلدينا في الجمارك السعوديه هناك صعوبه من ناحية هل هذا الشيء مصرح به ام لا

    وخاصه الامور الالكترونيه لان كثيرا منها يطلبون عليه بما يسمى بشهادة المواصفات والمقاييس

    ولكن اعجبني شخصين وجدتهم في الصين من احد الدول العربيه

    فهم لايحتاجون الى شحن ولاجمارك

    فهم تجار شنطه

    كل واحد منهم يحمل شنطه دبلاماسيه ويملئها بذاكرات الجوال والامبي واشياء الكترونيه خفيفه هي غاليه لدينا في الدول العربيه

    اعجبتني خبرتهم في هذا المجال فكل واحد يحمل في شنطته بما يقارب ال20 كيلو

    يخبرني احدهم ان ارباحه فيها تتضاعف عشرات المرات فمايشتريه مثلا 10 ريال يبيعه ب70 ريال

    ولايمكن لشخص ان يفعل مثلهم الا لمن يملك خبره كبيره في هذا المجال

    خاصه ان في الصين يكثر الغش في هذه الامور الالكترونيه ومن المستحيل ارجاع البضاعه المغشوشه

    وكذالك القانون لايحميك هناك

    رد
  7. المعتصم
    المعتصم says:

    شكراً لك أخ رءوف على الملخص والسرد الجميل والممتع ، استوقفتني هذه النقطة:
    “لقد كانت شركة دل على وشك الانهيار بسبب تزايد أعمالها ومبيعاتها بشكل سريع جدا،”
    كيف نمو سريع ينبئ بحدوث كارثة؟ ياليت أحد الخبراء يوضح لنا نوع الكارثة اللي ممكن تحصل من النمو الكبير والسريع.

    والشكر للجميع على مشاركاتهم المفيدة.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *