من المتصل، – ج 4- الاهتمام بمصلحة العميل

,

لا تسير الحياة على وتيرة واحدة، سُنة كونية يجب أن نتعامل معها لا أن نتجاهلها، أو نتصرف كما لو كانت غير موجودة، وهذا ما حدث، إذ بعدما زاد عملاء شركة من المتصل، كما رأينا في الجزء الثالث، وبعدما صنع لوني بيسون سوقا لم يكن موجودا، ورغم تقديم الشركة لخدمات من الدرجة الأولى، لكن الغرماء دخلوا أرض الملعب، وبدأ نصيب الشركة من كعكة السوق يتضاءل، وبدأت المبيعات تقل، والعملاء ينفضون إلى المنافسين وأسعارهم المنخفضة.

من أهم القواعد التي تسير عليها شركة من المتصل هو وجوب الابتكار والاختراع، والتفكير في المستقبل والاستعداد له، بل وصنعه إذا أمكن (عبر تطبيق أفكار جديدة تخلق أسواقا لم تكن موجودة)، وهي حذت في ذلك حذو شركات ناجحة كثيرة، مثل والت ديزني وجيشها من المتخيلين Imaginers. كان على رأس قسم الخيال هذا مدير الشركة ومؤسسها لوني بيسون نفسه، وهو عمل على نقل عدوى التخيل ورؤية الفرص السانحة إلى بقية العاملين معه.

من نتاج هذه الروح الإبداعية أن أنقذت مديرة خدمات المبيعات، الشابة كيت ستابتون، أرباح الشركة من مزيد التناقص، إذ نظرت فأبصرت فرصة ذهبية – غير مستغلة، فالشركة تبيع الإعلانات وتراقبها، عبر أرقام الاتصال المجانية، ومن سياسة الشركة إبقاء تقارير دقيقة عن سير الأعمال. رأت كيت أن لهذه التقارير فوائد غير مستغلة، وهي عكفت على إثبات ذلك.

عبر مراقبة الأرقام، استطاعت كيت تنظيم تقارير – لم تكن موجودة من قبل – توضح زيادة ونقصان مبيعات العملاء، ومن ثم استغل رجال المبيعات هذه التقارير الجديدة في توضيح سير مبيعات عملاء الشركة، واقترحوا على العملاء أفكارا لزيادة المبيعات، وأشاروا لهم على أماكن الخلل في عملية البيع والتسويق. هذه التقارير كانت تسلم إلى العملاء وجها لوجه، من أجل نقل الرسالة كاملة، ومن أجل الحفاظ على أواصر العلاقة ما بين الشركة وعملائها.

هذه الميزة الجديدة تطورت لتجعل خدمة الشركة بلا مثيل يضارعها، وساعدت العملاء على تحسين مبيعاتهم ومن ثم زيادة عوائدهم. هذه الميزة حولت رجال المبيعات إلى مستشارين يقدمون النصيحة الصادقة، مما غير صورتهم عند العملاء، من نصابين يريدون شطر نقود العملاء والفرار بالغنيمة، إلى خبراء موثوق بهم. هذه التقارير والزيارات الشهرية زادت من عمق العلاقة ما بين الشركة والعملاء.

هذه الحركة الذكية كانت سلاح شركة “من المتصل” ضد المنافسين، ما حماها من الدخول في حرب سعرية لا فائز منها، وتحكي أليكسي كيف اضطر المنافسون لعرض خدماتهم بالمجان على العملاء، من أجل أن يكتسبوا نصيبا من السوق.

هذا التحول استتبع تحويل فريق المبيعات، من موظفين همهم الأول والأخير زيادة رقم المبيعات الكلي، إلى مستشارين يتابعون تطور سير أمور العملاء، ويقدمون لهم النصيحة من أجل زيادة مبيعاتهم هم. هذا التحول استتبع القيام بعمل درامي – يتنافى مع طريقة التفكير والعقلية السائدة في العديد من الشركات – إذ تحولت معادلة الراتب من أجر أساس هزيل + نسبة كبيرة من رقم المبيعات، إلى راتب أساس سمين + نسبة من عوائد بيع الخدمات إلى العملاء الحاليين.

إذا نظرنا بتجرد إلى نموذج (راتب صغير – عمولة كبيرة)، لوجدنا أن جل اهتمام رجل المبيعات هو العثور على عميل جديد، ثم بيع أكبر ما يمكن بيعه له – ثم التحول إلى عميل جديد آخر، وبالتالي لا وقت لديه للوقوف على أحوال هذا العميل السابق. غني عن البيان أن فرص استقطاب عميل مهجور مثل هذا من قبل المنافسين لهو أمر سهل جدا.

النموذج الذي تحولت إليه شركة من المتصل جعل رجال المبيعات يتابعون أحوال العملاء الحاليين، ويتابعون سير مبيعاتهم، وبالتالي يهتمون بزيادة هذه المبيعات. مثل هذه العلاقة يصعب أن يفسد ودها المنافسون.

في النموذج الأول، كانت أرباح من المتصل بالكاد تفوق المصاريف والنفقات. النموذج الثاني ساعد على قفزة نوعية في المبيعات. لقد كان الأمر إما أن نبلغ عنان السماء، أو نموت ونحن نحاول! مع هكذا سياسة لشركة، يصعب على العاملين ألا يحاولوا بكل جهدهم.

هذا التحول استتبع مراجعة شاملة لجميع خدمات وعروض الشركة، حيث تحولت جميعها إلى محفزات مبيعات Sales Catalyst وبالتالي عند التفكير في خدمة جديدة، تركز الشركة على توضيح التأثير الإيجابي لهذه الخدمة على مبيعات العملاء.

هذه القصة – رغم طرافتها – لكنها ناقوس خطر ندقه في عالمنا العربي، الذي يعمل نسبة كبيرة من شركاته على أساس بع بضاعتك واهرب، اقبض المال واختف، ولم يقف أحدهم ليفكر ما سر تضاؤل رقم المبيعات، أو أسباب ضعف السوق، أو انخفاض فرص النمو.

نعم، انصب على العميل اليوم، وفر بالغنيمة، لكن هل فكرت ماذا ستفعل بعد نفاد الغنيمة؟ هل ستبحث عن فريسة جديدة؟ ماذا ستفعل بعدما ينتبه لك جميع العملاء؟ الطريق أمامك له مسلكان، واحد يعمل على توطيد العلاقة بالعميل، والآخر يعمل على سرقة العميل، لكن نهاية كل طريق مختلفة، والقرار إليك في النهاية.

إذا أردت أن تبقى في اللعبة لفترة طويلة، ابدأ فوثق علاقتك مع العملاء.

17 ردود
  1. RedMan
    RedMan says:

    جربت هذا الشي في تصميم و تطوير المواقع حيث اعمل بشكل دائم على أرضاء الزبائن ضمن المعقول و لو بخدمات اضافية مجانية مقابل المحافظة عليهم مما ادى بعد فترة إلى تحسن سمعتي عند زبائني بشكل كبير و ملحوظ و اصبحت اعرف اغلب العملاء الجدد عن طريق عملاء قدامى لدي

    أحيانا أزيد من مساحة حجوزات العملاء على السيرفر بدون مقابل أو امنحهم حجم تبادل بيانات اكبر و لكن بعض العملاء يستغلون ذلك في طلب اشياء غير معقولة و لا تدخل حد الأرضاء أي أن يطلب منك العميل الاهتمام به دائما و بموقعه و دون مقابل معقول يحفظ لك حقك ، هذا النوع من العملاء لا أحبذ الاحتفاظ به و قد تخليت عن اثنين من هذا النمط

    سؤالي لك رؤوف هل ممكن أن اخسر مع عميل من عملائي بمقابل أن احافظ على علاقتي معه أو سمعتي لديه ، أم الافضل التخلص منه و البحث عن عميل أفضل ؟؟

    رد
  2. ismael
    ismael says:

    موضوع رائع استاذ شبايك
    فكرة الاهتمام بالعميل هذه تذكرني بفيلم لتوم كروز عندما كان يعمل كمدير اعمال رياضي تخلي عن شركته وكل عملاءه في سبيل الاهتمام بعميل واحد فقط حقق معه نجاح كبير
    اريد ان اقول ان مدونتك تعطيني الكثير من الافكار الممتازة
    وانك الان ملهمي الول
    لقد بعثت لك برساله علي ايميلك ولكن لم ترد ارجو ان تحاول الرد ان كان وقتك يسمح
    شكرا مرة اخري و استمر في هذا لانك تفيد الكثير بالفعل

    رد
  3. محمد
    محمد says:

    وجدتها وجدتها 🙂 مذهل اخي روؤف.. نعم أني وجدتها .. يا اخواني اكتشفت بعد تجارب كثيره و قراءه اكثر ان الاخلاق الاسلاميه الصحيحه مثل الصدق المروءه الشهامه الحياء احترام الغير صفاء النيه استشعار ان عملاءك هم اخوانك المسلمين الذي يجب الصدق معهم وعدم التلبيس عليهم.. كل هذا يا اخواني احد اهم اسباب نجاحك الدنيوي والتجاري بالاخص.. ولو تأملتو قليلاً في قصة الاخ روؤف الاخيره لوجدتو ما اقصده كان منطلق الفكره هو احترام العميل وعدم الضحك عليه اليس كذلك؟؟ فلنحاول ان نستخرج افكار من هذا التفكير لااعرف هل وصل اليكم ما اعنيه

    رد
  4. shabayek
    shabayek says:

    رد مان
    سؤال هذا ظللت أفكر في إجابة شافية له، ولم أجد سوى أن لكل حالة جوابها، فالعميل إذا كان لا أمل يرتجى منه، فالأفضل استثمار الوقت في عميل يبدو عليه بشائر الأمل – لكن فقدان الأمل في أي عميل يجب أن يكون بعد دراسة متأنية طويـــلة
    يا طيب – كنت أفكر في رد سابق لك، بخصوص خدمة VoIP في سوريا ومضايقة الحكومة لهذه الخدمات، لماذا لا تنتقل إلى حيز آخر، ألا وهو تطبيق ذات الخدمة داخل لاشركة الواحدة، كبديل عن السنترال/البدالة الداخلية – ولأنك ذا باع مع لينوكس، لماذا لا تستعين بخدمات النجمة – من قصة ماركو الذي فعلها… فكر فيها وقل لي رأيك!

    رد
  5. أحمد
    أحمد says:

    السلام عليكم

    أردت فقط أن أبدي اعجابي بمستوى المدونة والمواضيع التي تطرحها للنقاش والحق أني ألمس التطور التدريجي في المحتوي العربي على الشبكة بصفة عامة فهي لم تعد حكراً على راغبي التسلية والذين يرغبون فقط في “قتل الوقت” بل أصبحت كذلك أداة لتطوير الذات وأرجو من الله أن تحتل اللغة العربية مكانها الحقيقي في الشبكة كما احتلته من قبل في القلوب.

    رد
  6. RedMan
    RedMan says:

    شكراً لك أخ رؤوف على الرد

    بالنسبة لقصة ماركو و تطبيق المشروع بالوقت الحالي بالواجهة العربية أجدها غير مجدية لسببين أولاً أن تجهيزات الشبكات أصبحت متوفرة و بأسعار زهيدة نسبياً مقارنةً بالماضي و السبب الثاني ذكرته بنفسك

    في رأي الخاص، دول الخليج تمر بوفرة نقدية الآن، وما ارتفع منحنى بياني وإلا كما ارتفع انخفض
    لذا أرى أن برنامج النجمة لا عائد مجري منه اليوم، فالعملاء معهم النقود وسيهتمون بالبرامج ذات الشهرة…

    مشروع الـ voip كان مربحاً بشكل كبير عندما عملت فيه لسبب رئيسي أن الناس لم تكن لتعرفه لم يكن انتشار السكاي بي و اتصالاته الدولية بهذا الشكل ، الآن الشركات التي تقدم خدمات الـ voip هي كثيرة جداً و تنافس الاسعار الحاصل لم يترك لك هامش مناسب من الربح ، إلا إذا استثمرت البلدان التي تكون تكلفت الاتصال إليها مكلفة و تقوم انت بعمل مركز اتصال معها مثل الإمارات و كل من مصر و سوريا و الأردن و العراق .

    عند انتهاء الامتحانات سأحاول تجريب برنامج النجمة إن شاء الله للتعرف عليه و خدماته على الشبكة و إلى ذلك الوقت من يريد الاستفادة من خدمات الـvoip بشكل علمي فأنصحه بكتيب تمهيدي لتقنيات نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت و هو تأليف المهندس السوري أنس طويلة و هو تحت ترخيص العموميات العربية .

    رد
  7. shabayek
    shabayek says:

    أحمد:
    مضى زمان التصريحات الرنانة، مثل قلة المحتوى العربي وضعفه وكل هذا اللغط من إيلام الذات، لقد تحسنت الأوضاع مقارنة بعام 1997 حين انتشرت انترنت، نعم الوضع ليس ورديا حاليا، لكننا نتحسن كل يوم، ولله الحمد

    ريدمان
    اسمح لي اختلف معك، فالوضع في سوريا يبشر بأن هذه الخدمة لها مستقبل، فأنت تعرض على الشركات الكبيرة عدم شراء سنترال داخلي والتحول لنظام كمبيوتر مرن جدا، يوفر عليهم الكثير، كما أن أحد أقوى وسائلك في البيع ستكون القدرة على ربط الفروع البعيدة بعضها ببعض عبر انترنت، تخيل كم مصاريف الاتصالات التي ستوفرها بذلك… عموما دراستك أهم، وبعدها لنا عودة بمشيئة الله

    رد
  8. أحمد
    أحمد says:

    السلام عليكم

    لاشك أنك على حق فيما ذكرت عن كون الأوضاع أفضل من السابق ولكن الحقيقة أنه يؤلمني غياب المواقع ذات المحتوى العميق باللغة العربية وما أعنيه هنا هو مواقع علي غرار about.com . أما ما يؤلمني أكثر أنه من بين كل المواقع العربية فإن الكرة والغناء – إذا استثنينا الأخبار والبريد الالكتروني – قد استحوذتا علي أغلب حركة المتصفحين وهذا من واقع الاحصائيات.

    أما بالنسبة لمدونتك فإني أشكرت على المستوى المتميز والذي جعلها نقطة تجمع للباحثين عن المحتوى القيم وأرجو من الله أن يوفقك لما فيه الخير.

    رد
  9. افياء
    افياء says:

    مدونه جميله مرتبه .. نافعه كنت ابحث عن قصص للناجحين .. لدوره القيها عن قوانين النجاح فوجدت هذه المدونه الرائعه..
    وفقك الله لما يحب ويرضى

    رد
  10. افياء
    افياء says:

    مدونه عجيبه … رائعه .. ايجابيه
    كنت في بحث عم قصص الناجحين فوجدت هذه المدونه الرائعه..
    جزاك الله خبرا .. وبارك في جهودك ..

    رد
  11. نونو
    نونو says:

    الاهتمام بخدمات ما بعد البيع هي نقطة مهمة بالاضافة الى ما يسمى ولاء العملاء فانت تقدم لهم خدمات تفيدهم وايضا من خلال استفادتهم انت تحافظ وتنمى القاعدة المستقبلية لعملائك
    افكار متميزة لمدونة اكثر من متميزة
    جزاك الله خيرا على هذه المواضيع الشيقة

    رد
  12. هنادي
    هنادي says:

    أنا مندوبة مبيعات كنت على سياسة بيع واهرب.. ثم قررت التغيير إلى سياسة الاهتمام بالعميل
    إلى الان وضعي جدا رائع معهم كسبت ثقة بعض العملاء لدرجة كل ما أقوله مسموع .. لكن أود مشورتك في أمر ما وإذا سمحت بودي أن يكون الرد سريعا للضرورة.. بسبب تأخير سلعة ما عن الوصول لعميل جدا مميز لدي خسرت ثقته وأوقف التعامل معي رغم يقيني بأنه بأمس الحاجة لدي .. كيف أعتذر له ,وأعيد بناء المكسور برأيك..

    رد
  13. محمد
    محمد says:

    أشكر شبايك على هدا المجهود الجبار والمتميز واتمنى للمدونة المزيد من العطاء والابداع.
    وادا سمحتم لي فهده رسالة الى أختي هنادي وبالضبط عن سؤالها في كيفية اعادة العميل الدي خسرته بسسب تاخر السلعة. اقول لك يمكنك اعادة عميلك اما بالطريقة الكلاسيكية و المتمثلة في :
    – ارسال رسالة اعتدار مبينة سبب التأخر مع امكانية الخصم من الفاتورة تكاليف التاخير؛
    أو بطريقة جديدة ابداعية في المجال التي تناسبك وتناسب العميل مع العلم ان من الضروري مراعاة ثقته واهمية العقود المبرمة من قبل. كما لا تنسي أن تبعثي له هدية اعتدار تتمثل في منحه الأولوية في كل المعاملات مع رسالة قصيرة تعبر عن اهتمام الشركة بأهميته كعميل أساسي ومميز. كما أرجو أن لا تنسي أن تأكدي على بعض الكلمات كأساسي ومميز وفعال وغير دلك من الكلمات التي يمكن أن تساعدك في اعدة العميل مجددا الى الشركة. واتمنى لك التوفيق والمزيد من العملاء انشاء الله.

    رد
  14. shabayek
    shabayek says:

    هنادي
    رد محمد زاد وغطى ووفى، وأذكر بأن تكلفة الحفاظ على عميل واحد تعادل تطلفة الحصول على 6 عملاء جدد، ولذا فكل ما ستتحمله الشركة للحفاظ على العميل الجيد يستحق وسيعود مردوده عن قريب.

    رد
  15. medaiss (محمد)
    medaiss (محمد) says:

    بالفعل يا أخي شبايك تكلفة اعادة عميل مميز ومخلص يعود بالنفع الى الشركة اكثر من تكلفة البحث عن عملاء جدد وهدا لا يعني فقط الابقاء على العملاء القدامى والرسميين كفيل لوحده بالنجاح. فالحاجة الى العملاء الجدد هي السبيل الى الابداع والنظر الى المستقبل والتوسع والبحث عن الافكار الجديدة. واتمنى التوفيق لمدونتك والمزيد المزيد من العطاء والابداع.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *