جيمس ويب يانغ و التسويق الصادق

التسويق الصادق – كيف تجعل التفاح المعطوب فاخرا دون كذب

من يقرأ لي منذ زمن سيذكر قولي أن التسويق ليس دعوة للكذب، وأن التسويق الحق يقوم على الصدق (أو ما سأسميه هنا التسويق الصادق ) وعوضا عن الدخول في تفاصيل، دعني أقص عليك مثالا فعليا لرجل اختار الصدق في التسويق …

في عام 1963، هبت على حقول أشجار التفاح التي يملكها خبير التسويق والإعلان، الأمريكي جيمس ويب يونغ (James Webb Young) عاصفةُ قارصةُ محملةُ بكرات الثلج الصغيرة (هيل)، الأمر الذي ترك أثرا سلبيا على القشور الخارجية لثمار التفاح التي كانت تستعد للقطاف. رغم الشكل الخارجي المتأثر بسقوط الثلج عليه، جاء طعم التفاح حلوا شهيا.

وقتها، كان جيمس يبيع ثمار التفاح بالطلب عبر البريد في الولايات المتحدة الأمريكية ولسلاسل المحلات وكذلك للعملاء الذين يقودون سياراتهم حتى مزرعته، بسبب السمعة الطيبة للتفاح الذي يبيعه، وكان لديه طلبات كثيرة من عملاء أوفياء، وكان هذا موسم التفاح، فماذا يفعل؟

هل يعتذر للعملاء ويطلب منهم الانتظار للموسم التالي، أم يبيع لهم التفاح كما هو على أمل ألا يلاحظ أحد شيئا؟

التسويق الصادق

نتيجة لخبرة جيمس الطويلة في تطبيقات علم النفس في التسويق، قرر أن يقول الحقيقة بطريقة لطيفة أو عبر التسويق الصادق كما أود تسميته. في كل صندوق تفاح شحنه للعملاء، وضع بطاقة كتب عليها:

أرجو أن تلاحظ علامات سقوط الثلج على هذا التفاح، مما سيجعل بعض العيوب تظهر في القشرة الخارجية لبعض ثمار التفاح. هذا دليل على أن هذا التفاح مزروع على مرتفعات عالية، حيث تهب العواصف الباردة المحملة بكرات الثلج الصغيرة (هيل)، فتترك أثرها على ثمار التفاح، الأمر الذي يساعدها على جعل قشرتها أكثر صلابة وطعمها أكثر حلاوة، مما يجعله تفاحًا فريدًا من نوعه.

كيف جاءت تبعات التسويق الصادق ؟

كان أكثر ما يخشاه جيمس بعدها أن يطالب العملاء بالمال الذي دفعوه في هذا التفاح، لكن ما حدث هو عكس ذلك:
• لم يطالب عميل واحد بماله ولم ترد أي شكوى.
• على مر سنوات عدة بعدها، تلقى جيمس طلبات شراء تفاح عليه علامات سقوط كرات الثلج كما هذه المرة.
• أصبح هذا التفاح الذي يحمل علامات الثلج من الدرجات الفاخرة للتفاح، التي يبحث عنها المشترون ويستعدون لدفع مقابل باهظ فيها.
• أصبح جيمس من أعلام التسويق والإعلان، وذاعت هذه القصة وانتشرت، حتى أن مدونة شبايك كتبت عنها رغم مرور نصف قرن ونيف عليها!
• استمر جيمس في صنع تصنيفات جديدة، إذ سوق للتفاح الأصفر، ثم التفاح الأحمر الخاص القادم من مزرعته، واستخدم لغة خاصة به في التسويق لتفاحه، مثل مزروع على المرتفعات، يسقى من ماء الجبال النقي، مغروس في تربة بركانية غنية بالمعادن، وغيرها من الصفات التي قل من استطاع منافسته فيها، وحوًل التفاح من منتج تقليدي إلى سلعة فاخرة ذات شأن كبير في أذهان الناس.

لا تفهم من هذا الكلام أن جيمس كان قديسا أو صِدّيقا، إذ روي عنه أن كان بخيلا، لا يدفع للعاملين في مزارعه ما يكفيهم، كما تبين بعد وفاته أنه ادعي أشياء في إعلاناته تبين عدم صحتها فيما بعد.

لعل الجدير بالذكر أن جيمس يونغ (1886 – 1973) يعود إليه الفضل – بالإضافة إلى أسماء أخرى – في ظهور وانتشار ضمان استرجاع الثمن / المال (Money Back Guarantee) والكوبونات – تلك الأدوات التسويقية التي اعتدنا على استخدامها في جهودنا التسويقية في عالم اليوم!

الشاهد من القصة، جيمس كان خبيرا في التسويق، وقع في مشكلة صعبة، اختار فيها أن يقول الصدق أو أن يستخدم التسويق الصادق فجاءت العواقب حميدة مربحة. أريدك أن تفعل مثله في هذا الموقف تحديدا!

المصدر: كتاب Fruit, Fiber, and Fire: A Cultural History of Modern, Agriculture in New Mexico للمؤلف William R. Carleton

بعدما قرأت عن نتيجة الصدق في التسويق، يجب أن تعرف الضد، ماذا سيحدث نتيجة التسويق بالكذب – حملة آنجل ذات الرداء الأحمر.

هل تريد قراءة المزيد من قصص التسويق الشيقة مثل هذه؟ عليك بشراء باقة فن التسويق الرقمية بالضغط هنا.

14 ردود
  1. أ. عبدالحميد العثمان
    أ. عبدالحميد العثمان says:

    يعجبني اتزانك في الطرح دائما، رغم أن سطورك تتموج حماسا إلا أن لغة العقل والمنطق لديك لها السيادة، أعجبني وصفك لصاحب مزرعة التفاح حين قلت ليس قديسا وأنه كذا وكذا، وأبقيت على نجاح التجربة التسويقية وحسب .. فأرحت القارئ من تضخيم الغرب وجلد الذات غير المبرر.
    وفقك الله.

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      إحقاقا للحق لقد كنت أنا معجبا به في البداية، حتى قرأت سيرته إلى نهايتها، حيث ظهرت الحقيقة في آخر أيامه وبعد موته… سبحان الله، العيب في النفس البشرية بغض النظر عن نجاح أو فشل أو لون أو عرق أو غير ذلك.

      رد
  2. محمد عبدالله
    محمد عبدالله says:

    السلام عليكم ورحمة الله
    في الواقع المشاهد أن كثير من التجار الموثوق بهم يتحرون الصدق فقط وهذا في الغالب ولا يجد نتيجه مرضية تماما لأنه لم يتمم صدقه فلا يتم الصدق إلا بالتبيين والعجيب أن البيان هو سر النجاح وهو الفن في عرض السلعةكما هو مشاهد في القصة السابقة
    فمثلا يذكر المسوق أن نوع المنتج درجة ثانية وليس أولى وينسى يبين ميزة هذا المنتج التي تميزه عن المنتج الاول فربما هي حاجة الزبون لأننا في الوقت الحالي نشهد تطور سريع في فهم الزبون وذكاءة بينما تطور عرض السلع وتسويقها أبطأ .

    رد
  3. محمد عبدالله
    محمد عبدالله says:

    السلام عليكم ورحمة الله

    مدونة شبايك الخير ، علمتي الكثير ونورتي طرق كانت مظلمة بإطروحاتك الفريدة من نوعها المنتقاة بعناية فائقة اتمنى لك أزدهارا وإزهارا ولكن إلى متى ……..

    فلو نظرنا لحياة الفراشة فهي بدأت بمراحل من يرقه إلى شرنقة إلى فراشة تحلق في السماء وتتعذى على الرحيق من الأزهار بعد أن كان قوتها ورق الشجر.

    فهذا أنتي يامدونة شبايك الى متى وأنتي تتغذين على ورق المعرفة أما يكفيك يرنقة وشرنقة متى تكوني فراشة وتحلقين في سماء المجد

    أريدك أن تتحولي ويكون هناك مشاركة بمقاطع صوتية من المعلقين المشاركين وكذلك مقاطع فديو من تجاربهم فهذا يلهب حماسهم وينجح الدعايات المصاحبة
    كما اتمنى أن يكون هناك تجسيد للمدونة بأن يكون هناك عرض فلم وثائقي لها .
    وانمنى أن يكون هناك معرض للمدونة قد جسد فيه أفضل القصص الناجحة وأصبحت مرئية بعد ماكانت مقروءه وأريد أن يتهافت الزوار إليه وقد عملت لديهم كل حواسهم نحو النجاح….

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته… كلامك صحيح وموجع … نعم، أنا تأخرت في الترقي للمرحلة التالية…

      لعل ذلك مرده أن المدونة لا تحقق أي ربح حالي يمكنني من توظيف فريق عمل يصمم الجرافيكس ويحرر مقاطع الفيديو ويضع الموسيقة التصويرية ويخرج كل هذه الأعمال بطريقة فنية احترافية… فماذا تقترح علي؟

      أشكرك على اقتراحك الجميل هذا وأرجو أن يستمر حوارنا لحل كل هذه العقبات…

      رد
  4. محمد عبدالله
    محمد عبدالله says:

    أشكرك لثقتك
    استاذي رؤوف شبابك
    دائما تكتنف الصعوبات أزمنة النمو ، والنجاح حليف المثابر.
    ولكن يصحب هذه الصعوبات فوضى فالفوضى المرافقة للصعوبة في بداية كل شيء يكمن النظام وسيقودك النظام إلى إتجاهات أفضل ، وفي الحقيقة الأحداث السلبية هي فرص جيدة لصنع قرارات إيجابية قوية جديدة .
    فعلى الحكيم أن يتفحص هذه الفوضى ويرتبها وينظمها تماما ، مثل شخص يقوم على غزل خيوط الحرير من لفة كروية غير مرتبة ويلفها بنظام على بكرات يخاط منها وينسج أنواع السجاد بسلاسة وإتقان.

    أستاذي رؤوف
    لذا أقترح أن تكون المدونة القادمة هي في هذا الموضوع تكتبها مثل ماكنت تكتب وكأنه موضوع في التنمية البشرية تختار لها عنوان مناسب وتطرح للقراء حيث كل يدلو بدلوة علما أن من أقوى أساليب التغيير هي ماكانت من مجموعة فالأمر شورى

    ووقتها بإذن الله سأدلو بدلوي .
    والراي لكم.

    رد
  5. نادر
    نادر says:

    أنا من هواياتى تربية طيور الزينة يوجد بعض الطيور من الصعب التمييز بين الذكور والاناث فطلب منى مشترى أنثتين وذكر وكان معى ذكرين وأنثى أنا خبير فوضعتهم فى سلاكتة وعندما أخرج المال وقبل ان يدفعة قولت له للأمانة ذكرين وأنثى قال لى سآخذهم ودفع المال ودعى لى بالبركة

    رد
  6. عادل
    عادل says:

    مدونتك -بدون مجاملة- هي من ضمن اجمل الاشياء في عالم النت.
    شكرا لكل ما تقدمه من ثقافةوتحفيز

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *