جاه جانغ

مئة يوم من الرفض، أو كيف تفشل في أن تفشل وتشتهر بسبب ذلك – الجزء الثالث!!!

أهلا بالقادمين الجدد. لهذه التدوينة جزء سابق يجب أن تبدأ منه، هنا.

التفاوض لا يعني الجدل

من ضمن ما تعلمه جاه هو أنك هناك فرق كبير بين الجدل وبين التفاوض.

الجدل هو أن تحاول أن تثبت لمن تجادله أنه غبي كبير لأنه يرفض ما تعرضه أنت عليه.

(وهذا للأسف سلوك بعض متخصصي المبيعات والتسويق الذي يقرأون ما تنشره مدونة شبايك ثم يقولون هذا الكلام لا ينفع وغير مجدي ونحن الدليل على ذلك!)

التفاوض المقصود هنا هو حين توافق على ما يقوله الطرف الآخر لكنك تود كثيرا لو أنه هو أيضا وافق على طلبك منه. القصة التالية تشرح ذلك.

ذات مرة ذهب فريق تصوير أفلام وثائقية مع جاه إلى ستوديو تسجيل موسيقى لتوثيق محاولاته للرفض…

على سبيل التجربة، اتفق جاه مع عضو في فريق التصوير أن يسأل العامل في الاستوديو أن يصحبهم إلى داخل ستوديو التسجيل ليشاهدوه ويصوروه وهو يعزف لهم مقطوعته الموسيقية المفضلة – وهو ما رفضه العامل.

دخل عضو فريق التصوير في نقاش مع العامل، مذكرًا إياه أن من ضمن متطلبات وظيفته أن يعامل العملاء بشكل جيد وأن يلبي رغابتهم قدر المستطاع، وبدأ النقاش يستعر والأصوات تتعالى…

هنا تدخل جاه لإنقاذ الموقف وقال للموظف: نحن نعرف أن طلبنا هذا غريب جدا، ولا مشكلة في رفضك لطلبنا هذا، لكننا حقا نود أن توافق وأن نسمع عزفك على آلات هذا الاستوديو. نظر الموظف حوله وبدأ يفكر في الأمر ثم قال حسنا وسار بهم إلى داخل الاستوديو حيث بدأ يعزف مقطوعته المفضلة أمام فريق التصوير المذهول من تحول الأمور…

الرفض قد يجلب لك أفضل مما طلبت – إذا صبرت

بعدها، ولسبب ستعرفه في سطور تالية، بدأ جاه يسافر جوا بشكل دوري، ولذا قرر ذات رحلة سفر أن يطلب من المضيف الجوي أن يقول هو ويشرح احتياطات السلامة التي كان قد حفظها.

رفض المضيف الجوي فسأله جاه لماذا لا، فهو مسافر متكرر ويعرف القواعد جيدا، رد عليه المضيف أن ذلك ممنوع وفق قانون الطيران الدولي والذي يشترط على جميع الركاب أن يكونوا جالسين أثناء قراءة إجراءات السلامة عليهم، ولو كانوا يسافرون كل يوم.

إلا أن المضيف كان من كرم الأخلاق بحيث عرض عليه فكرة أخرى إذ قال: لكني أستطيع أن أتركك ترحب بالمسافرين على الميكروفون الداخلي.

فورا وافق جاه، وبدأ يسارع دقات قلبه المتسارعة، ماذا سيقول فهو لم يستعد لذلك.

بعد الانتهاء من شرح إجراءات السلامة، نادى المضيف على جاه ومنحه الميكروفون.

قبل أن يبدأ جاه في الكلام، تابعته قلة من العيون. بعدها، تركزت عليه كل العيون.

بدأ جاه بالترحيب بالركاب، وقال إنه ليس من ضمن طاقم الطائرة لكنه مسافر مثل جميع الركاب، وأنه يحب شركة الطيران هذه لأنها دائما تلتزم بمواعيدها وتحرص على تقديم خدمة عملاء ممتازة ويتميز العاملون فيها بحسن الأخلاق والمعاملة الحسنة، وبسبب كل ذلك طلب منهم أن يشاركوه في التصفيق لهذه الشركة ولطاقم الطائرة…

عاصفة من التصفيق تلت هذه الخطبة القصيرة غير المعد لها، وبينما يسير جاه عائدا إلى مقعده، شكره المضيف وقال له لك عندي مشروب مجاني، بينما أشاد به راكب آخر قائلا: واو… أنت شجاع.

ذات مرة دخل جاه إلى مركز إطفاء وطلب من قائد المركز أن ينزل / ينزلق على عامود الإطفاء الشهير مثلما يفعلون في الأفلام، رفض القائد لأن المبنى مكون من دور واحد وليس فيه مثل هذا العامود، لكنه عوضا على ذلك منحه جولة تفقدية في مركز الإطفاء استمع خلالها لشرح كيفية عمل سيارة الإطفاء الحمراء الشهيرة.

القصص كثيرة جدا وتستحق الذكر لكني أنصحك بشدة قراءة كتاب جاه، الذي سنتحدث عنه لاحقا، لكني سأختم بهذه القصة التي تعكس مقدار التغير الكبير في نفسية وطريقة تفكير جاه…

سأكون أفضل عميل حلقت له

ذات يوم دخل جاه على مركز حلاقة للكلاب، وسأل كم سعر حلاقة رأسه، لم يفهم العاملون هناك السؤال فكرره عليهم، فجاء الرفض متوقعا، فقال للحلاق لماذا لا تعاملني معاملة كلب جيرمن شيبرد؟ أو بالأحرى الكلب التيبتي لأني من الصين وسيكون ذلك أكثر دقة. أعدك أني سأكون مطيعا، سأجلس حين تقول لي اجلس ولن أنبح… أعدك أني سأكون أفضل عميل حلقت له…

كان العاملون الأربعة لا يستطيعون التوقف عن الضحك بصوت عال، لقد كان جاه شخصية مختلفة تماما، لم يعد يسيطر عليه هذا الرعب والخوف من الرفض.. حتى حين فاوض وطلب منهم أن يقلموا أظافره طالما رفضوا أن يحلقوا شعره، لم يتمالك العاملون أنفسهم من الانفجار في مزيد من نوبات الضحك…

خرج جاه وطلباته مرفوضة كلها، لكنه لم يمانع في ذلك ولم يشعر بأي مرارة… لم يعد الرفض ذلك الوحش المخيف المرعب…

لاحظ جاه أن شخصيته بدأت تتغير للأفضل، بدأ يكون أكثر ثقة بنفسه، لم يعد ذلك الشخص الذي يغضب ويحزن ويكتئب بسرعة إذا قوبل طلبه بالرفض، لم يعد ذلك الخاسر سيئ الطباع.

بدأ يعرض آرائه بثقة أكبر.

بدأ يتقبل ملاحظات الآخرين عليه بصدر رحب وبدأ يرحب بالانتقادات البناءة ويستمع لها باهتمام أكبر.

بدأ أصحابه يثنون على التغير الإيجابي في شخصيته وكيف تغيرت نظرته للأمور وتغيرت ردود أفعاله بشكل إيجابي.

لقد أصبح أكثر ثقة بنفسه وأكثر تقبلا للآخرين.

فاتني مشاركة رابط يعرض كل محاولات الفشل المئة – هنا.

تبقى لنا تدوينة واحدة ونختم بها قصة جاه مع علاج الخوف من الفشل يمكنك قراءتها هنا.

15 ردود
  1. هشام الخطيب
    هشام الخطيب says:

    اسلوبكم مشوق وجميل وعرض التجربة على حلقات يزيد الفائدة ويساعد على التركيز.
    هناك الكثير من التجارب العربيه ايضا نرجو منكم جمع بعضها ونشرته في هذه المدونه العظيمه،
    الكثير ممن نجح في الزراعة والصناعة والتجارة وبدأوا من اوساط قليلة الموارد وعاشوا في بيوت بسيطه ورغم ذلك اصروا على النجاح في حياة كل واحد منهم عبره او حكمة او قاعدة ذهبيه للحياة
    اذا رغبت ممكن اقوم بترشيح بعض الاشخاص

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      أشكرك يا طيب وأضحك الله سنك.
      تعليقك هذا عاد بي بالذاكرة إلى بداية هذه المدونة، منذ 15 عاما أو يزيد، حين كنت أتلقى تعليقات مثل تعليقك هذا بالضبط…
      إذا شئت يمكنك أن تبحث في المدونة وتغطس في الأرشيف لتجد التجارب العربية الكثيرة التي تناولتها من قبل.

      رد
  2. Ahmed
    Ahmed says:

    اشعر بسعادة كبيرة حينما يلحقني إشعار من تطبيق البريد يخبرني بوجود مقال جديد في شبايك

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      أشكرك يا طيب، تعليقك هذا يخفف علي تلقي إشعارات توقف بعض المتابعين عن متابعة المدونة عبر خدمة الإشعارات.

      رد
  3. فهد المطيري
    فهد المطيري says:

    جزا الله كورونا كل خيرٍ
    اعادت لنا شبايكَ من جديدِ

    أقرأ الإبداع في السرد وكأني في عام 2007

    شكرا استاذ شبايك وبانتظار البقية

    رد
    • شبايك
      شبايك says:

      بل هو توفيق من الله عز وجل لا أكثر، وهي بركة رمضان…

      أما كورونا فيبدو عليه عازما ألا يتركنا إلا وقد خسرنا وظائفنا …

      رد
  4. نسرين محمود صالح
    نسرين محمود صالح says:

    مقال مليء بالاثارة..
    والحماسة..
    كيف يكون اثر ان تواجهه ماتخافه وتخشاه
    وكل عيوبك بشكل عام
    مواجهتها..وترويضها..والاعتراف بها
    من اجمل الرحلات..
    انتظر المقال القادم بفارغ الصبر
    شكرا لك اخي الطيب رؤوف
    بارك الله فيك

    رد
  5. Hamdon8
    Hamdon8 says:

    لدي تجربة شخصية أود مشاركتها معكم:
    مررت بمثل موقف جاه كثيراً، وابتكرت قاعدة جعلتني أتغير كلياً، وابني سداً من الشجاعة والجرأة،
    القاعدة ببساطة: إما نعم أو لا.
    تجرأ واطلب واسأل أي شيء تريده في الحياة النتيجة الطبيعية هي إما نعم للشيء الذي تريده وتحقق ما سعيت له، وإما لا فتستفيد تجربة جديدة وتبحث عن طريق آخر.

    بتلك البساطة تغلبت على كل موقف يشعرني بالرهبة والخوف: حالياً مستعد أن أتحدث مع أي شخص واطلب منه طلب مهما كان حجم هذا الشخص ومكانته، ومستعد أن أفعل أي شيء في الحياة وأتحمل تبعات قراري.

    ببساطة: إما نعم أو لا.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *