صدى الصوت في غياب الضوء

,

لم يخطر في بال ذلك المتنمر الذي تسلل من وراء الصبي الأعمى ليضربه على وجهه ويجري، أن هذا الصغير قادر على الجري وراءه مثل الريح، ولم يتمكن عقله الصغير من تفسير هذا الصوت الذي يطلقه الكفيف الصغير من فمه، كان كل ما شعر به المتنمر هو ضربة هوت على وجهه من كف الصبي الأسود الذي لحق به وأوقفه وأخذ القصاص بيده.

وهو ابن شهور في هذه الدنيا، خسر بن اندروود Ben Underwood بصره لمرض السرطان، ولم يفهم أحد بعدها كيف تمكن بن من تطوير حاسة السمع لديه لتعتمد على نظرية صدى الصوت في تحديد مواقع الأجسام أو Echolocation، كل ما فهمه بن الصغير هو أن حين يطرقع بلسانه، يعود الصوت إلى أذنيه بطريقة خاصة، تعكس له طبيعة الأجسام من حوله، وبشكل آلي، بدأ بن يطرقع بلسانه ليعرف محيطه وما فيه.

وراء كل ناجح صغير شخص وضعه على أول الطريق، وفي حالة بن كانت أمه التي – كما كتبت هي – كانت تجعله يقف على الطرقات وتقول له ضع يدك هنا، هذا هو جانب الطريق وهو ذو طبيعة خشنة، ثم ضع يدك هناك حيث مسار السيارات، وستجد الطريق ناعما من كثرة المرور فوقه، وكذلك فعل أخوته. بهذا المنوال بدأ بن الصغير يدرب أذنيه على تحديد الفرق بين ارتداد صدى الصوت وفق موقعه وحسب الأجسام من حوله. هذا التدريب أتى ثماره فيما بعد، حتى أن بن بدأ يدرك حركة الأجسام بأذنيه.

هذا التدريب مكنه من ممارسة حياته اليومية والرياضة واللعب مع الرفاق بدون عوائق، كما كان يكتب على لوحة المفاتيح بمعدل 60 كلمة في الدقيقة، وكان يهوى تأليف قصص الخيال العلمي، لكن بن لم يكن كفئا ليهزم مرض السرطان الذي عاود الهجوم عليه وانتصر، ليموت بن بأيام قليلة قبل أن يتم 17 سنة من عمره.

على أن السؤال الآن هو، وماذا يجب أن يفعل من أنعم الله عليه بنعمة البصر؟ تهجم علينا مشاكل وصعوبات الدنيا دفعات وزخات، حتى تحجب ضوء الأمل. إن الذي وهب هذا الصغير هذه الحاسة الصوتية السمعية، هو أيضا من يضع دائما في قلب كل محنة بذور جلائها وانفراجها، لكننا ننشغل بالحزن على غياب الضوء، فلا نفكر كيف نأتي به من جهة أخرى.

قد تشتد أزمة على أحدنا فيقول: انظر إلى حالنا، مصائبنا ومشاكلنا قد قصمت ظهورنا، وقد تجده يبحث عن مستمع لشكواه يخبره أن هذه قاصمة فاقرة لا يجدي معها الأمل، فاستسلم وعانق راية الفشل. عندها بئس الشاكي والمشتكى له.

من تابع منكم معي غالبية قصص الكفاح والنجاح التي أسطرها هنا، سيجد القاسم المشترك بينها هو رغبة قوية في تخطي المشكلة. النجاح هو نتاج هذه الرغبة. بئس تعريف النجاح إن جعلته إصابة الهدف من أول رمية سهم. النجاح في ملتي هو أن تأمرك نفسك بأن تقوم بعد كل عثرة وكبوة، وأن تجبرك على إعادة التجربة المرة تلو المرة. النجاح هو أن تتلمس الطريق، فإن لم تجده، شققته أنت بنفسك ليسير عليه من سيأتي بعدك.

عد إلى واقعك، وانظر إلى مشاكلك، لكن لا تنظر إلى حجمها أو مدى صعوبتها، بل انظر إلى نفسك وشاورها: كيف يا نفس سنحل هذه المشكلة؟

17 ردود
  1. احمد
    احمد says:

    كما قال بيل غيست من وصاياه لا تظن أن طريق النجاح مفروش لك بالورود النجاح كفاح وعمل
    شكرا لك على القصة الرائعة والمحفزة

    رد
  2. اسلام النمرسي
    اسلام النمرسي says:

    ربنا يجازيك خير على كلمة بتضيفها للمدونة من اجل افادة القراء
    صراحة استغرقت فترة فى قراءة كتبك و مواضيع المدونة الشيقة
    و تفاجأت عندما وجدت نفسي فى حلقات التقاش قادر على الرد وكاننى اقرأ المدونة من سنوات
    استفدت كثيرا منك فأنت بطلى على الانترنت الذى اذا احتجت شيء آتى اليه لاجد المحفز لاستكمل الطريق
    ثانية بارك الله و اثابك على كل حرف تكتبه ..

    رد
  3. أبو فارس
    أبو فارس says:

    روائعك لا تنتهي ” ما شاء الله ”

    كثيراً ما أحس أن تدويناتك تخاطب واقعي الذي أمر به ..
    نفع الله بك ونفعك أستاذي الكريم ..

    رد
  4. ابوحسام حامد
    ابوحسام حامد says:

    نعم حقا ماتقول ( سيجد القاسم المشترك بينها هو رغبة قوية في تخطي المشكلة. النجاح هو نتاج هذه الرغبة. بئس تعريف النجاح إن جعلته إصابة الهدف من أول رمية سهم. النجاح هو أن تأمرك نفسك بأن تقوم بعد كل عثرة وكبوة، وأن تجبرك على إعادة التجربة المرة تلو المرة. النجاح هو أن تتلمس الطريق، فإن لم تجده، شققته أنت بنفسك ليسير عليه من سيأتي بعدك)
    فقد سمعت قصة شخص في احد البلدان العربية انه كان لا يملك المال ولكن اجتهد وجمع القليل ومن ثم طلب الشاركة من احد اخويائه فرده وبحث عن اخر ومن ثم بدأو مشروعهم وهو فتح محل صغير للحاسبات وهذا الكلام قبل مايقارب العشر سنوات والان يمتلك 4 محلات ودار مايقارب بقيمة 253333دولار
    اما الكثير من اهل الرواتب وضعيفي الطموح يعمل في السلك الوظيفي ومن ثم يتقاعد بعد سنين كثيرة ومن ثم يلجئ الى الجمعيات الخيرية لعد كفاية راتبه التقاعدي
    ( من طلب الله وسار على الدرب وصل)

    رد
  5. فهد
    فهد says:

    لكننا ننشغل بالحزن على غياب الضوء، فلا نفكر كيف نأتي به من جهة أخرى.

    اختصار لكل الكلام

    شكرا استاذ رؤوف على هذه التدوينات .. وأنا أقرأ أتساءل كم من الوقت والجهد تستغرقه انت لتأتي لنا بكل محفز ومشوق فجزاك الله خيراً وأمتعك بالصحه والعافيه

    رد
  6. محمد حمزة
    محمد حمزة says:

    و أنا الذي كان يعتقد بأن قصة الشخصية الهزلية Daredevil الكفيف الذي يقاتل الأشرار عبر سمعه الخارق مجرد خيال ..
    تدوينة جميلة و رقيقة أخ رؤوف .. شكراً لك.

    رد
  7. حسن
    حسن says:

    بارك الله فيك يا أخ شبايك نتعلم منك دائماً, أسلوب رائع في السرد, إختيار موفق للموضوع, لغة سهلة وجذابة, فكر عالي
    تحياتي وتقديري

    رد
  8. The Hope
    The Hope says:

    رائع هذا الشاب , والأروع منه أمه التي زرعت في نفسه التفاؤل والعزيمة الجبارة منذ صغره حتى أصبح بستانا يملؤ عبير تفاؤله الفضاء و يلتقط المارُّون بدربه زهور العزيمة والأمل والإباء..

    من أقوالها في لقاء مسجل على موقع “بن” :
    ” لا أحد سيخبره أنه يوجد مستحيل بالنسبة له , لأنه ليس هناك مستحيل !!”

    “انه ليس معاقا ً انه فقط لا يستطيع أن يرى !!”

    “انه ليس معاق .. انه مختلف , وجميعنا كذلك نختلف عن بعضنا البعض !!”

    كانت تخبره أمه دائما ً أنه ليس هناك شيء ما لايستطيع فعله ..
    وفي الأوقات التي كان فيها يشعر فيها بالحزن لحاله ويتمنى لو يستطيع الرؤية تقول له:
    ولكن انظر الى ما تستطيع ان تفعله , لو انقطعت الكهرباء فكل من في المنزل سيمشي خلفك !!

    وتقول عن نفسها :
    “أنظر الى هذه التجارب على انها ليست لي وانما لأشخاص آخرين وان الله اختارني ليعلمهم من خلالي !!”

    من أقوال “بن ” التي اعجبتني :

    – عندما سؤل : ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر !؟
    أجاب بكل حماس : مخترع , ممثل , كاتب و مصمم لألعاب الفيديو ..

    – وكان عندما يسمع شخصا ً يسخر من آخر أو ينتقص منه بسبب شكله أو مظهره, يقول :
    ” هذه مشكلة المبصرين , أنه ينظر أحدهم للآخر ويحكم عليه من خلال شكله أو مظهره!! ”

    ما أحوجنا نحن المبصرين لـ”نظرة” بن للحياة !!

    ——————————————————–
    رائع ما قدمت في مقالتك أخي رؤوف, أنار الله بصيرتك وجزاك خير الجزاء..

    ذكرتني مقالتك بقصة هيلين كيلر , التي أعتبرها قدوة في العزيمة والإنجاز وحب الحياة وعيش اللحظة , وأقتبس بعض مقولاتها للفائدة :

    – من المشين أن تستطيع أن ترى , ولا يكون لديك رؤية !!

    – الحياة إما مغامرة جريئة .. أو لاشيء !!

    – العديد من الناس يعرفون القليل فقط عما يوجد خارج محيط تجاربهم , فهم ينظرون الى داخل أنفسهم فلا يجدون شيئا ً فيستنتجون أنه لا يوجد شيء خارج أنفسهم أيضا ً !!

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *