رسائل الشكر

الحل الأول يعوق الحل الأفضل والأمثل

في كتابها InGenius الذي تشرح فيه ما العبقرية وما الإبداع، تقول تينا سيلج أن علينا ألا نحرم أنفسنا من أفضل أفكارنا، دون وعي منا، وتؤكد على أن أول حل يتبادر إلى أذهاننا قد لا يكون الحل الأفضل . القادم الجديد سيسأل من تينا سيلج هذه وما أهميتها، وإجابة ذلك كله سبق سرده في المقالة الأكثر شهرة في هذه المدونة المتواضعة وعنوانها: كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين (مقالة تستحق القراءة).

مثال تينا سيلج

تبدأ تينا سيلج إحدى محاضراتها في تعليم الإبداع بأن تطلب من مجموعة من الحضور الوقوف في أول القاعة، وبشرط ألا يتكلم أي شخص منهم، مع حرية كاملة في فعل أي شيء عدا الكلام، تطلب منهم تينا أن يقفوا جميعا في صف واحد، وفق ترتيب تاريخ ميلاد كل شخص، من أول يناير في أول الصف، وآخر ديسمبر في نهاية الصف.

رد الفعل الأولي: التجمد في المكان

ما أن تنهي تينا شرح طلبها، وتترك الطلاب لينفذوا المطلوب منهم، حتى تعتلي وجوههم إمارات التعجب وربما الفزع، في دلالة على أن هذا الطلب مستحيل تنفيذه. بعد ثبوت تينا على طلبها، ومرور بعض الثواني، يبدأ أحد الطلاب بأن يحاول التعريف بتاريخ ميلاده باستخدام أصابعه، ويحاول أن يجعل بقية الفريق يفهم مراده.

انفراج الأسارير

بعد تقدم هذا المغوار، يبدأ الآخرون في الابتسام، وتبدأ محاولات جماعية للتعريف بتواريخ ميلادهم باستخدام الأصابع، رغم صعوبة ذلك وعدم دقته. رويدا يبدأ الصف في التكون، ولمزيد من الإثارة، فجأة تعلن تينا أن أمامهم دقيقة واحدة فقط للانتهاء من مهمتهم، حتى يبدأ الهرج وتسود العجلة، حتى ينتهي الوقت، لتبدأ تينا في سؤال كل شخص في الصف عن تاريخ ميلاده، لتنكشف الحقيقة المرة، وهي أن لغة الأصابع موصل غير جيد للأفكار في كل الحالات.

الحل الأولي عبقري لأنه يثبت إمكانية المستحيل

بعدها تسألهم تينا، ما الذي حدث معكم؟ يبدأ الجمع بالتعبير عن دهشتهم من الطلب الذي نزل عليهم، وكيف أن أول شيء طرأ لهم هو أن هذا الطلب مستحيل في ظل الطلب بعدم التحدث، لكن فور أن تقدم أحدهم وبدأ يستخدم لغة الأصابع، حتى بدأ الجميع يدرك أنه الحل العبقري لهذه المشكلة، وشرعوا يفكرون كيف يمكن للغة الأصابع التعبير عن تاريخ ميلاد كل منهم.

الحل الأول ليس بالضرورة الحل الأفضل أو الأمثل

ثم تطرح عليهم تينا السؤال: هل هناك حل أفضل لهذه المشكلة غير الأصابع؟ تمر برهة من الوقت ثم يبدأ أعضاء الفريق في طرح أفكار أفضل، وفي هذه الحالة كان يمكن للفريق أن يكتب كل منهم تاريخ ميلاده على قطعة من الورق ثم يقف كل شخص وفق ترتيب ميلاده. لقد اشترطت عليهم تينا ألا يتكلموا وليس ألا يكتبوا. حل آخر كان تمثيل أيام السنة بالكتابة على الأرض ويقف كل شخص في المكان الذي يمثل تاريخ ميلاده، وهكذا. حل آخر ممكن كان الغناء، فالمرفوض كان الكلام لا الغناء.

الفخ الذهني، أول حل للمعضلة يحصل على الاهتمام الذي كان موجها لحل المشكلة

كررت تينا هذا التدريب مع العديد من الناس في مختلف الأماكن، وكانت التفاعلات متشابهة في كل مرة، أول حل يصل إليه عضو في الفريق يجعل بقية الفريق يسارعون لتنفيذ هذا الحل، مع تحول التفكير من البحث عن حل للمشكلة، للتركيز على إمكانية تطبيق هذا الحل الأول.

الحلول الأولى لأي مشكلة ليست بالضرورة الأفضل

الإجابة الأولى على السؤال المستعصي ليست بالضرورة الأفضل أو تلك التي توجب إنهاء التفكير في الإجابات المحتملة. بل إن تيم هرسون Tim Hurson في كتابه المعنون ‘فكر بشكل أفضل’، يقسم حلول أي مشكلة مستعصية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأولى وهو البديهي، الثاني وهو الأكثر إثارة للاهتمام، على أن القسم الثالث هو الأكثر إبداعا ونبوغا.

تطلب تينا من قراء كتابها ألا يقعوا في هذا الفخ الذهني، وتطالبهم بالاستمرار في التفكير في حلول جديدة للمشاكل والمعضلات التي يمرون بها. حين تصل إلى حل ما لمشكلة ما، اكتبه على الورق، ثم لا تفكر في تفاصيله، بل استمر في التفكير في حلول ممكنة أخرى، وبدورها اكتبها على الورق وهكذا، حتى تحصل على باقة من الحلول الممكنة، وبعدها تبدأ في التفكير في جدوى كل حل وكل إجابة، وستجد أن الاستمرار في التفكير وكتابة الحلول هو الحل الأفضل الفعلي!

بالطبع، هناك طرق علمية أكثر تعقيدا للوصول إلى حلول إبداعية لمشاكل الحياة، ليس هنا مقام الحديث عنها، إلا أن هذه المقدمة كانت لازمة قبل أن ننتقل مع تينا للحديث عن قواعد تنظيم جلسات العصف الذهني وذلك سيكون موضوع تدوينتي المقبلة فابقوا معي.

الآن، ما رأيك لو جربت هذا التدريب مع الشباب العاملين معك؟ اطلب منهم الطلب ذاته بالشرط ذاته، واتركهم يفكروا ويبدعوا، ثم عد لي وأخبرني بما اقترحوه من حلول وأفكار.

مصدر الصورة المستخدمة.

14 ردود
  1. أحمد سعد
    أحمد سعد says:

    شكرا لحضرتك و لتينا على توجيهنا لأمر ..

    العمل على التفكير في إيجاد أكثر من حل لكل مشكلة ، و سوف نعتمد هذا المنهج الجديد في التفكير إعتبارا من الآن بإذن الله ،،

    رد
  2. Baha'a Tayeh
    Baha'a Tayeh says:

    اخي رؤوف شكرا لك …
    قبل عدة سنوات كنت اخوض تدريبات مشابهه لهذه والعديد منها كان يحتاج حلولا ابداعية وهي ساعدتنا كثيرا في الابتعاد عن النمطية بالتفكير والخروج بالافكار والحلول المبدعة ..
    وعندما كنت أدرب انا وصديق لي مجموعة من الاشبال الصغار على مشروع لخدمة المجتمع كنا نبتعد عن النمطية بالتفكير بحل اي موضوع والخروج بافكار ابداعية تساعد وتقدم العون لأهل المنطقة وما ان انتهينا من فترة التدريب وخرج الاشبال بعدة افكار واتفقو على فكرتين لكن لم يتم تطبيق اي شي بسبب رفض بعض من افراد الجهة المسؤوله السماح بذلك وبدأو يسوقوا بحجج واهيه كان هدفهم عدم الارتقاء والتطور بهذه البلدة من وجهة نظري … ولكن كانت تجربة رائعة لنا وللمجموعة ..لست متشائما لذلك بل سعيد ومتفائل لان هذه التجربة علمتني الكثير … لكم محبتي

    رد
  3. سمير الأديب
    سمير الأديب says:

    فعﻻ اخي روءف اﻻغلبية تغكر بشكل منطقي وحدوي واحد انا اقول المدرسة واﻻبوين قولبونا على هذا النمط ويمكن لو كنت موجود ببنهم لفكرت بنفس الطريقة.
    شكراً لك

    رد
  4. مرزوق الغنامي
    مرزوق الغنامي says:

    ذهبت بي التأملات لهذه التدوينة إلى قراءة مختلفة شيئا ما لموضوعه
    رأيت أن الخطوات التي ذكرت في هذه التدوينة تشبه إلى حد بعيد ما يحدث مع الأغلبية العظمى من الناس
    (1) التجمد في المكان: فالناس يتجمدون في مشاكلهم ويعانون ، ولا يفعلون شيئا اللهم إلا الشكوى ، ويتكيفون مع هذه الأوضاع الصعبة ، مثلهم في هذا مثل الضفدعة التي وضعت في قدر من الماء حرارته آخذة في الأزدياد وهي إما أن تقفز في الوقت المناسب أو تفقد هذه الفرصة في النجاة
    (1) انفراج الأسارير : ما أن يرى الناس أن واحدا منهم ابتكر حلا أو وجد فكرة أو مشروعا حتى تراهم مندفعين لتنفيذ وتقليد هذه الفكرة ، وعندما يتشبع السوق بالفكرة تبدأ مرحلة جديدة من المعاناة ، ومرحلة جديدة من التكيف
    ربما ما يحتاجه الناس بالفعل هو تنفيذ النصيحة الواردة في هذه التدوينة ، وهي الاستمرار في التفكير لإيجاد أفكارهم الخاصة التي تكون بالنسبة لهم هي الفضلى والمثلى

    رد
  5. د محسن النادي
    د محسن النادي says:

    قد يكون هنالك نمطيه في التفكير والتقليد ايضا
    وقد يكون اول من فكر نقل العدوى لهم من غرابه الموقف او غرابه الطلب
    امثله كثيره يمكن سردها لنمطية التفكير
    مثال شاهدته قبل عام في برنامج عن العقل
    وضع مبلغ من المال وخلفه صورة رجل عابس وكتب عليه هذا المال لكم تعال وخذه …لا احد تقدم ومن تقدم كان خائف
    وضع نفس المثال لكن مع شخص مبتسم والنتيجه لم يبقى شيء

    طريقه تفكير البشر وتصرفتهم تبقى لغزا يحتاج الى حلول ابداعيه لفهمه
    ودمتم سالمين

    رد
  6. محى محمد.
    محى محمد. says:

    اعتقد ان الناس تفكر فى افكار ابداعيه كثيره ويمر فى اذهان كل منا العديد والعديد من الافكار الابداعيه لكن المهم هو تنفيذها والاصرار عليها الفتور الذى يعترينا هو البلاء الذى يمحق ايه افكار جديده وخلاقه

    رد
  7. إبراهيم الخيمي
    إبراهيم الخيمي says:

    مقال جميل، لا أدري لماذا جعلتني الصورة المرفقة أعتقد أن في المقال شيء يتحدث عن اليهود. ربما بسبب الشمعدان، أو بسبب ماتخيلت أنه شمعدان 🙂

    رد
  8. ABDULLA
    ABDULLA says:

    قسم حلول أي مشكلة مستعصية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأولى وهو البديهي، الثاني وهو الأكثر إثارة للاهتمام، على أن القسم الثالث هو الأكثر إبداعا ونبوغا.

    رد
  9. ابو انس
    ابو انس says:

    السلام عليكم

    فعلا التفكير مهم وخصوصا خارج الصندوق

    جزاك الله خيرا .

    رد
  10. نجمة-جدة
    نجمة-جدة says:

    التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف…
    مقالة جدا رائعة ومفيدة
    اعجبتني ..
    شكرا لك اخ الكريم ..

    رد
  11. ح. سيف الدين
    ح. سيف الدين says:

    بالفعل تضيع العديد من الأفكار الرائعة فقط لانقيادنا دوما نحو الفكرة الأولى والتي قد تكون غير عملية أو بدائية، يبدوا أنني عفويا لشدة كسلي، كنت أستعمل هذه الطريقة فدائما أفكر في حل آخر أسهل أو أسرع وغير متعب. يبدوا أن للكسل فوائد أيضاً هههه.

    رد
  12. صلاح سلامة
    صلاح سلامة says:

    أخي الكريم شبايك .. هل تنصحنا بقراءة كتب بعينها للتعود على التفكير الإبداعي أم أن الأمر متوقف مبدئيًا على إمكانيات الشخص نفسه ؟

    رد
  13. مكي محمد
    مكي محمد says:

    تعلمت من هذه التدوينة، أنه علينا أن نتعلم أساليب حل المشاكل ( من بينها العصف الذهني)وأن لا نكتفي فقط بالتفكير العشوائي في المشكلة.
    شكرا.

    رد

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *